كُتّابٌ كَذَبَة… وحقائق ماثلة

محمد شريف الجيوسي

كشف حديث الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد الذي أجرته معه فضائية «المنار» اللبنانية المقاوِمة أخيراً، حجم النفاق الذي تمارسه أقلام البعض في تزوير الحقائق وإيقاد الخلافات والتباينات والتناقضات، وحرف البوصلات، وتوسيع الشقة وتعظيمها وتحميل الآخر مسؤولية التآمر الذي جرى ضده ولا يزال وما أنفق لـ «إزاحته» ولتدمير الدولة الوطنية السورية من تريليونات الدولارات وتدريبِ إرهابيين مرتزقة، وما أغدق عليهم من سلاح ودعم سياسي وإعلامي ومعلومات استخبارية على مدى 53 شهراً وما زال.

فقد اتهم أحد هؤلاء الكتاب الرئيس الأسد بمذهبة ما يجري في المنطقة، ناسياً أحدث الدعوات لذلك قبل 20 سنة من الآن والمطالبة بتقسيمه إلى 3 ولايات على أسس مذهبية وعرقية، وناسياً مزاعم الأميركيين قبل احتلال العراق بأن شيعته مضطهدون، فيما كانت قائمة المطلوبة رؤوسهم لدى الأميركيين عشية الحرب والاحتلال تضم 62 في المئة من أركان الدولة العراقية شيعة، وبعد الاحتلال تحول «الحنان» الأميركي نحو السنة، ليس حباً في سنة ولا شيعة ولكن استغلالاً للسنة والشيعة، ولعب على حبال تباينات عتيقة تعود لأكثر من 1400 سنة، لتنسينا أعداء اليوم الذين استباحوا الأرض والكرامة والمستقبل، ويأتي من الكتّاب الأشاوس وشيوخ المنابر، من يعمل على حماية ظهور المحتلين ومقسّمي الأوطان ومصنعي ومعمقي التباينات والشقوق… من صهاينة وإمبرياليين ورجعيين متخلفين.

وننسى «لو اطلعنا على التاريخ جيداً وليس كما نلقن» أن الصفوية منتج آذري تركي وليس إيرانياً ولا فارسياً، وأن المذهب الشيعي هو منتج عربي، قبل أن يكون إيرانياً أو فارسياً، وأن إيران الشيعية ليست ضاربة في التاريخ نقيض ما يروّج، وأنها كانت شيعية في عهد شاهها المخلوع، فما الذي جدّ سوى أن الشاه كان سيفاً وترساً وبندقية أميركا في المنطقة يُخرس من تشاء أميركا إخراسه، ولما انتهى، أصبحت إيران عند البعض عدو العرب لأن أميركا تريد أن نكون أعداءها، فإيران إلى حد بعيد ما عادت مزرعة أميركية ولا صهيونية.

وينسى البعض أن سورية قبل 17 آذار 2011، كانت عامرة زاهرة آمنة مكتفية، تمشي المرأة والطفل في شوارعها حتى الفجر من دون أدنى قلق، غير مدينة لأحد، مبدئية تجاه قضايا الأمة الرئيسة في المقاومة والقضية الفلسطينية ورفض التصالح مع الكيان الصهيوني، رافضة القبول بمطالب كولن باول الـ 8، مفضلة الحصار والعقوبات المفروضة عليها، على التسليم والقبول بالأجندة الأميركية الصهيونية الغربية، التي على خلاف مصالحها الاستراتيجية ومصالح أمتها.

ويزعمون أن «النظام السوري يقتل شعبه»، والسؤال هل كان أحد يُقتل في سورية، أو هل كان أحد يفتقد الأمن، أو الخبز أو الغاز أو أي من ضرورات الحياة، قبل أن يتآمروا على أمن الشعب العربي السوري؟

وهل أحد ممن يطالبون بالديمقراطية في سورية، من الإقليم أو من خارجه، يعيش حالة من الديمقراطية أكثر مما هي عليه في سورية قبل المؤامرة وبعدها، ليطالبوا سورية بها؟ ألم تُمسِ حتى الولايات المتحدة الأميركية تراقب المكالمات الهاتفية وتعتقل على الشبهة وتقيم المعتقلات الطائرة وتقتل السود في الشوارع، ولا يقدر الجيش الأميركي الدخول في 168 منطقة خاضعة لمليشيات بيضاء عنصرية وسوى ذلك.

والسؤال: ألم تُفض المؤامرة على سورية وأقلام الكتاب الكذبة والإعلام الموبوء، إلى إعادة سورية إلى الخلف اقتصاداً وأمناً اجتماعياً واستقراراً، ومع كل ذلك، سورية صامدة، وتصل رواتب موظفيها إليهم، حتى في المناطق التي ما زالت تحت سيطرة العصابات الإرهابية.

والسؤال أيضاً، هل كان من الممكن صمود دولة، أي دولة، كل هذا الوقت، لو أنها لم تحظ ببطانات شعبية واسعة؟ وهل من الممكن أن تستمر مراهنات الحلفاء على دعمها، لو أن مراهناتهم كانت على خواء؟ وهل الزوال أو الضعف الذي أصاب بعض أعداء سورية الإقليميين والدوليين كانا صدفة أو جرّاء قوة وصمود سورية وقدرتها على تحويل المؤامرة عليها إلى مصدر قوة؟ أليس كل من يستطيع ذلك ويحققه جدير بالنصر والحياة؟

وهل التحولات الكبيرة إقليمياً ودولياً والحوارات الدبلوماسية والسياسية، كان من الممكن أن تكون لو أن أعداء سورية أيقنوا للحظة أن في مقدورهم إلحاق الهزيمة بالدولة الوطنية السورية، وأن من يسمونهم معارضين معتدلين أو غير معتدلين يراهن عليهم؟ وهل انتشار النيران في أوكار متآمرين على سورية يدل على صواب المتآمرين، أو على أن أدوات المؤامرة من إرهابيين مرتزقة يراهن عليهم على نقيض جيش سورية وشعبها وقواها الوطنية المقاومِة.

وأخال الكتاب الحقيقيين الذين هم على علم ومعرفة ودقة وصواب رأي وشجاعة، الذين هم على ولاء وإخلاص لأنظمتهم أو دولهم أو أحزابهم أو مموليهم، لا يكذبون ولا يرشّون على الموت سكراً ولا ينافقون ويضللون من يطالبهم برأي أو مشورة، ولا يقبلون بتحسينات مخادعة فارغة حتى لو طلب منهم ذلك بالسر أو بالعلن، وإنما يدحضون الكذب والنفاق والخوف بالحجة والمنطق والرأي الصواب.

مطلوب قليل من عقل وضمير ومقاربات والارتقاء بالمصالح العامة على الخاصة، والشجاعة على الجبن، ما يجعلهم يدركون بجلاء، أن مصالح أمتنا ليست بحال في انتظار أن تصل الإشارة إلينا بتغيير وجهة الدفة، فالتغيير قدم لمصلحة محور المقاومة، والإمبرياليون سيتجاهلوا دعوة من ينتظر الإشارة، وهذا ما هو حاصل حتى الآن، فهم سيعتنون بالأقوياء المبادرين الذين يدركون مصالحهم جيداً، ولا يضعون بيوضهم كلها في السلال الأميركية.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى