كلنا فاسدون…. الفارق هو نسبة الفساد

سامي كليب

أؤكد بداية أني مع المنتفضين ضد الفساد والفقر وأني تظاهرت إلى جانبهم وقلبي معهم. أما في لغة العقل والنقد الذاتي، فلا أعتبر أن كل المتظاهرين شرفاء وكل الساسة فاسدين. لا بل أجزم بأن كلاً منا مارس الفساد مرة أو أكثر في حياته، وبالتالي علينا إصلاح المجتمع والكيان والنظام وليس الإطاحة بسياسيين نعرف أن شعبيتهم المذهبية والطائفية والشخصية لا تزال كبيرة، وكبيرة جداً.

كان الاحتفال الحاشد لرئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل نبيه بري أمس واضحاً لجهة الرسائل، وبينها أن شعبية كهذه لا تهتز لمجرد أن فريقاً من الناقمين قرروا هزَّها. لا نزال في بلد تحكمه الغرائز والمذاهب والمصالح، ومن غير الحكمة التسرع في الشارع بدون برامج، وإلا فسيغرق لبنان بما غرق به غيره. حزب الله يستطيع أن يحشد مليوناً، وميشال عون، والمستقبل والقوات ووليد جنبلاط وغيرهم. كلٌّ له شعبيته حتى ولو اختلفت أسباب هذه الشعبية.

الفساد يعني استخدام وسائل غير مشروعة لقضاء حاجة أو توفير ربح مادي. من يستطيع القول إنه لم يستخدم الواسطة أو الرشوة على الأقل مرة أو مرات في حياته لقضاء حاجة إدارية أو رسمة أو غيرها؟ من يجرؤ على القول إنه في مؤسسته الإعلامية التي يجاهر عبر شاشتها بالدفاع عن الفقراء ومحاربة الفساد، لم يمارس الفساد واضطهاد صحافييه وعدم توفير عقود لائقة وحياة كريمة لهم؟ من منا لم يستخدم عمالاً بدون أي سند قانوني؟ من منا لم يدفع لشرطي في الشارع كي يوفر على نفسه دفع المخالفة؟

المضحك أن مؤسسات إعلامية كثيرة معروفة التمويل والانتماء، راحت تحكي عن السياسيين وكأنها هي في مدينة فاضلة، وكل ما فيها يرشح بالتقوى والصدق والالتزام، والمضحك أكثر أن وزراء ومسؤولين سياسيين وإداريين فشلوا فشلاً ذريعاً في إدارة وزاراتهم، نزلوا بين المتظاهرين يطالبون بقطع رأس الفساد.

ثمة من يرفع الآن صور الوزير زياد بارود لرئاسة الجمهورية. زياد صديق قديم لم أتواصل معه منذ أصبح وزيراً كي لا يبدو تواصلي لمصلحة ما. وهو إنسان مثقف وشريف ونزيه، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً حتى في فرض قانون عصري للسير ووقف المخالفات. لم يفشل لأنه لا يريد، ولكن لأنه وجد نفسه مكبلاً بنظام فاسد من كل حدب وصوب. لو كنت مكانه لكنت استقلت أكثر من مرة، لكنه لم يستقل. هذه ألومه لوماً شديداً لها، لأنه لو استقال في الوقت المناسب كما فعل الوزير المناضل شربل نحاس لأحدث الضجة المطلوبة. لم يستقل وحتى اليوم لم يكشف شيئاً عن ملفات الفساد الهائلة التي يعرفها تماماً.

كم إعلامي فاسد في لبنان؟ كم قاض حكم بغير ضمير أو نتيجة ضغوط سياسية؟ كم مناضل يساري سابق باع نفسه بأبخس الأثمان لأول رجل أعمال وصل بعد الحرب الى لبنان؟ كم إداري أو صاحب مؤسسة أرسل رشاوى إلى إدارات الدولة لتسهيل معاملاته ونزل يتظاهر. كم تاجر باع بضاعة فاسدة وساهم في قتل الناس كان بين المتظاهرين.

نعم، نحن لسنا في مدينة فاضلة، نحن في نظام علَّم الناس الفساد في كل طبقات المجتمع. الفارق الوحيد هو أن ثمة فساداً كان لقضاء حاجة وفساداً آخر نهبَ الناس وأفقرهم وأذلهم.

ليس عدد المتظاهرين هو الأساس، فهؤلاء قد نجد بعضهم في ساحة الشهداء ثم نجدهم هم أنفسهم في احتفال لزعيم أو حزب أو حركة. الأهم هو أن النوايا الصادقة للمتظاهرين، والغضب والقرف اللذين عبر عنهما أولئك الذين نزلوا الى الساحات وانتفضوا، يجب أن يقوننا في أطر منظمة، بحيث تكون للتحرك قيادة واعية، ويكون لها برنامج ورزنامة لتحقيق المطالب، وأن تعرف هذه القيادة كيف تقاطع وكيف تحاور وكيف تلجأ الى العصيان المدني وكيف تلين… ليست المجابهة الدائمة وسيلة لتحقيق الغايات، وإنما المجابهة والحوار.

ليس بين الناس منزهون عن الخطأ والفساد، ولذلك علينا جميعاً أن نبدأ من أنفسنا في محاربة هذه الآفة التي حين أضيفت إلى جريمة الطائفية السياسية في لبنان التي أورثتنا إياها فرنسا ولم نعرف التخلص منها حتى اليوم، أوصلت لبنان الى مصاف الدول الفاشلة.

لو أن كل فاسد يعترف بفساده ويعيد للدولة بعضاً مما نهبه لكانت كل مشاكلنا قد حلت.

كلنا فاسدون، و»ومن منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر» كما قال السيد المسيح.

هذا ماتنبأ به نزار قباني قبل أربعين عاماً!

تعليقاً على حوادث العبّارت التي يذهب ضحيتها أخيراً آلاف اللاجئين السوريين الذين لم يجدوا ملاذاً آمناً، ففضلوا المخاطرة بأرواحهم ووقعوا ضحيّة تجار لم يهتموا إلّا بتحصيل أكبر قدر من الأموال، وتعليقاً على الصور التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي والتي يظهر فيها مئات الأطفال أطلقت النجمة السورية القديرة رغدة صورة للعبارة كاتبة فوقها قصيدة للشاعر الراحل قباني تحكي عمّا يحصل اليوم، وكأنّه كان يشعر بما سيحصل، وهنا فحوى القصيدة:

سامحونا …

إن تجمعنا كأغنام على ظهر السفينة…

وتشردنا على كل المحيطات سنيناً… سنيناً…

لم نجد ما بين تجار العرب…

تاجراً يقبل أن يعلفنا… أو أن يشترينا…

لم نجد بين جميلات العرب…

مرأة تقبل أن تعشقنا… أو تفتدينا…

لم نجد ما بين ثوار العرب…

ثائراً… لم يغمد السكين فينا…

سامحونا…

هربنا…

من بني صخرٍ… وأوسٍ…

ومنافٍ… وكليبٍ…

سامحونا إن هربنا…

ما شربنا مرةً قهوتهم

إلا اختنقنا…

ما طلبنا مرةً نجدتهم

إلا خذلنا…

إن تاريخ ابن خلدون اختلاقٌ

فاعذرونا…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى