مطالب محقة وتساؤلات حقيقية

د. نسيب أبوضرغم

ما يدعونا الى الارتياح نحن القوميين الاجتماعيين، أن تتحرك شرائح من شعبنا، متجاوزة الاعتبارات المذهبية والطائفية، من حيث أن ذلك يشكل تصديقاً لدعوتنا بالأساس الى وحدة المجتمع القائمة على العدل الاقتصادي الحقوقي والعدل الاجتماعي الحقوقي. ذلك الذي من أجله ثرنا مرتين في وجه هذا النظام الطائفي الفاجر، الأولى في الثورة التي أعلنها سعاده عام 1949، ودفع ثمنها حياته وحياة عدد من رفقائه، والثانية الثورة الانقلابية على السلطة التي صنعها روبيرت مورفي قائد الأسطول السادس في البحر المتوسط، عقب انتهاء أحداث 1958، حيث دفع القوميون الاجتماعيون ثمنها، إعدام ثلاثة عشر مناضلاً في زنزنات الشهابية إضافة الى أحكام المؤبد بالعشرات، معطوفةً على الكمّ الهائل من التعذيب والملاحقات والظلم الذي أنزل بالحزب.

لقد ذكرت في مقالة سابقة، بأن نظام المحاصصة الطائفية قد أعلن إفلاسه، لحظة إعدامه لأنطون سعاده، وهو منذ ذلك التاريخ مستمر بفعل غياب وكيل التفليسة الذي يتكفل عادة بإنهاء وضع المفلس قانونياً وفعلياً.

مطالب سامية، حيوية، لا يختلف عليها اثنان، وهي نتيجة منطقية لهذا النظام الذي لا ينتج غير الأزمات والمفاسد، وبكل فجور ووقاحة. وخير دليل على ذلك مناقصات النفايات التي جرى توزيعها وفق مبدأ المحاصصة الطائفية.

لقد بات النظام الطائفي اللبناني عارياً، وقد ظهر على حقيقته بأنه المصدر الحقيقي للفساد والأزمات، وأنه المعطل لكل تطور ونمو، وبالتالي أصبح إسقاطه مطلباً يوازي قدرة استمرار المجتمع اللبناني بشكل سليم وكريم. لكن…

إزاء هذه الحقيقة، وهذا العرض لطبيعة النظام وتاريخية مظالمه، ثمة تساؤلات تطرح نفسها، بخاصة أن «الربيع العربي» قد علمنا كيف ينقلب إلى شتاءات قارسة بزمهريرها حيث لا تبقي ولا تذر أنى حلت.

التساؤل الأول: لماذا يصر بعض منظمي الحراك على شيطنة الأحزاب مستبعدينها من دائرة التغيير بعبارتهم «كلهن يعني كلهن»؟

هذه اللهجة الصادرة عن فريق من المنظمين ويبدو أنه القادر إعلامياً من بينهم تشكل قلقاً عميقاً شكلاً ومضموناً، ذلك أن الهجمة على الأحزاب ليست بريئة وهي بالأساس ليست محقة، ولا تستند الى التجارب الثورية الحقيقية التي يعرفها التاريخ والتي انتصرت بفعل الأحزاب والقيادات الثورية.

بين هذه الأحزاب، عدد منها مقاوم وسباق الى المواجهة مع هذا النظام كما أن عدداً منها له الباع الطويل في الدعوة الى الإصلاح والتغيير، فهل شيطنة الأحزاب تخفي نية شيطانية توصل بشكل غير مباشر الى الانفكاك عن المقاومة وتسفيه أحزابها؟ خصوصاً بعد أن ثبتت هذه الأحزاب شروط الانتصار على العدو الصهيوني وشبيهه الإرهابي في الشام؟

بعض هذه القيادات التي تتطاول على رموز قيادية وأحزاب مقاومة باتت معروفةً ومكشوفةً إن على مستوى تدريبها وتمويلها وأهدافها. وهذا يفسر قدرتها على رفع صوتها أكثر من بقية المنظمين الذين لا يشاطرونها الرأي بفعل تلك الرعاية وذاك التمويل. قيادات من هذا النوع تصر على إقفال قنوات الوصل والاتصال مع المخزون الحزبي والبشري الموزع على أحزاب عديدة طاولتها سهام هؤلاء.

هل يعتقد هؤلاء أن باستطاعتهم إسقاط النظام بإقفال مسالك التواصل مع أكثرية الشعب اللبناني؟

التساؤل الثاني: لماذا تحرك السفير الأميركي باتجاه السرايا محذراً من الاعتداء على المتظاهرين الأمر الذي لا يجوز أن يحدث سواء حذر منه سفير أميركا أم لا- ولماذا وظفت «CNN» الأميركية وثلاث محطات أميركية أخرى هواءها الثمين لتغطية التحرك؟ فيما هي لا تذكر كلمة واحدة عن اعتداء الإرهابيين بالكيماوي في الشام؟ لماذا فتحت بعض الفضائيات اللبنانية والعربية هواءها 24/24 لتغطية الحراك وهي الفضائيات التي تموّل من مصادر خليجية معروفة؟

التساؤل الثالث: المتابع للشأن الإقليمي يدرك أنّ المنطقة دخلت مرحلة جديدة على وقع انتصار دمشق المرتقب، وأنّ صورة جيوسياسية آتية سترتسم على أرض الواقع، ولن يكون لبنان خارجاً عنها، الأمر الذي يعطل مشاريع «إسرائيل» الداخلية الهادفة الى تفكيك لبنان بصراعاته الطائفية وبالتالي يدعم المقاومة وأحزابها وخطها. ألا يمكن القول إنه ركوب موجة مطالب الشعب المحقة والحيوية كما فعلوا في ليبيا والعراق وسورية ، وبالتالي التصعيد باتجاه خلق الفراغ والفوضى وصولاً الى إرباك الساحة برمّتها، وعلى وجه التخصيص المقاومة وأحزابها لتكون الساحة اللبنانية خاصرة رخوة يتمّ عبرها النيل من الداخل السوري، في ظلّ الهجوم على هذه الأحزاب ورموزها برعاية السفير الأميركي والإعلام الأميركي وبوجود مندوبين له بين منظمي الحراك؟

التساؤل الرابع: ألا يمكن تفسير حماسة السفير الأميركي والإعلام الأميركي بأنها تأزيم للوضع وصولاً الى حدود الخطر الوجودي على الدولة بغية فرض رئيس جمهورية مطابق للمواصفات الأميركية؟

التساؤل الخامس: هل أصبحت الطبقة السياسية المهترئة عبئاً على واشنطن وقد دقت ساعة الاستبدال والبدلاء جاهزون؟ في مصر كانت أميركا تملك بديلين من مبارك، مرسي والجيش .

ما نريد التشديد عليه هو أنّ المتظاهرين في بيروت لا علاقة لهم في كلّ ما أثرته من تساؤلات، فهم بالنتيجة لبنانيون متوجعون دفعتهم معاناتهم الى الشارع، وهذا حق مقدّس لهم، إلا أنّ ما نريد تأكيده هو أنّ هذه التساؤلات موجهة الى بعض الممسكين بقيادة الحراك والذين يصرّون على فصل ساحة الحراك عن مجموع الشعب وأحزابه بحجة أنهم وحدهم المناضلون والشرفاء.

قناعتنا أنّ إسقاط النظام الطائفي في لبنان، وهو هدف استراتيجي لكلّ القوى الثورية يستلزم النظام المشترك والمنظّم بين القوى كافّة التي تحمل الهدف الواحد وليس فريق «شعب الله المختار» الذي اختاره الله وحده لعملية التغيير. الهدف هو إنجاز من أجل قانون انتخابات نيابية على أساس النسبية وعلى قاعدة أن يكون لبنان كله دائرة انتخابية واحدة وخارج القيد الطائفي. عندما يتحقق هذا الهدف الثوري بامتياز نكون قد أنجزنا الحلقة الذهبية في إصلاح الدولة والمجتمع أيضاً، ذلك أن عملية انبثاق السلطة هي الأساس في البناء الدستوري والقانوني والاجتماعي والاقتصادي في البلاد. وأمّا النضال لمعالجة مواضيع على أهميتها وإلحاحيتها هي في الأصل نتائج لمصدر أساس هو النظام الطوائفي من دون تغيير مصدر العلّة عبر قانون الانتخابات المشار إليه، دوامة لا تنتهي ستقود البلاد إلى فوضى لا أحد يدرك أبعادها.

فلتحتشد كل القوى المؤمنة بذلك لتفرض هذا القانون بعيداً من الاستئثار بروحية الشعب المختار والإساءة للآخرين وتصنيفهم وقطع التواصل معهم وصولاً لحالة الوهم القاتلة.

إن مستقبلاً مشرقاً للبنان وللبنانيين هدف مقدس ينبغي شبك الأيدي كافة لأجل تحقيقه، ومفتاح ذلك قانون انتخابات نسبي غير طائفي بدائرة على قياس لبنان.

لقد علمنا «الربيع العربي» أن ننظر الى ما وراء العفوية… فحذار!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى