تركيا تطبّع العلاقات مع «إسرائيل» للقطاف المفترض

منذ توقيع الاتفاق النووي الغربي مع طهران وانعدام فرص عرقلته من الأطراف المتضرّرة، بدليل مسارعة القوى الكبرى لزيارة إيران من مسؤولين سياسيين ورأسماليين ومستثمرين، وصولاً إلى إعلان فتح سفارة طهران في لندن، كتأكيد على نجاح الملف، تستشعر تركيا مخاطر مكانتها المهتزة بعد مشاريع فشلت في تحقيق الامتداد الإخواني في الجوار، ما جعل الغرب يسحب الثقة من إمكانية أي تقدم في مشاريعها في سورية وأبرزها إنشاء منطقة عازلة أو «آمنة» كما تسميها، فجاء الرفض الأميركي واضحاً في هذا الصدد.

تركيا لم تستسلم لخيارين: الأول اعتبار الأسد أمراً واقعاً عليها مواجهة وجوده من دون أوراق قوة، والثاني اعتبار العلاقة الأميركية مع إيران ستسحب منها امتيازات، وعليه تحاول تركيا اللعب على الوتر الأكثر حساسية من أجل النجاح في ما يرضي الأميركي ويشكل له آلية إبهار لملف يعتبر الأهم في الشرق الأوسط من دون منازع وهو الصراع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي» أي القضية الفلسطينية.

وبشكل مفاجئ أثار جدلاً عارماً في أوساط حركات المقاومة وقوى التحرّر العربي، بدأت مفاوضات غير مباشرة بين حركة حماس و«إسرائيل» برعاية تركية يتوسطها توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق. قبول حماس بمبدأ التفاوض، كمبدأ يعكس رغبة تركية في ذلك نظراً إلى الانتماء الإخواني المشترك حيث تعتبر تركيا ممثلة بحزب العدالة والتنمية المرجع الرئيسي لحركة حماس وهو المرجع «الأم»، وبالتالي فإنّ رغبة تركيا اليوم تتخطى قدرة حماس على القبول أو عدمه، لأنّ مستقبل الإخوان المسلمين عموماً في المنطقة على المحكّ وعلى حركة حماس أن لا تفاضل بين مصلحتها الخاصة ومصلحة الحركة العامة، وبالتالي فإنّ القبول بالتفاوض مفسّر حكماً وبرضى جميع الأطراف.

بغضّ النظر عن فرص نجاح المفاوضات التي تتحدث عما يشبه دولة مستقلة في غزة تنهي معها نضالاً امتد أكثر من 60 عاماً لاسترجاع كامل الأرض الفلسطينية، فإنّ العلاقة بين «إسرائيل» وتركيا العلنية لم تكن جيدة ولا يوجد توافد رسمي بين الطرفين، لكنّ تركيا اليوم وعلى ما يبدو تمهّد الطريق أمام لحظة عليها أن تكون جاهزة للاعتراف بأنها وراء هذا الزخم الذي أعطي للقضية الفلسطينية ووراء تحريك الموضوع الأبرز عند السيد الأميركي، وبالتالي فإنّ الفضل الأكبر لها ويفترض أن ينعكس تغييراً في المواقف الأميركية تجاه تعاملها مع إيران والأسد ونفوذ الحلفاء بشكل عام.

وعليه، يصل وفد تركي إلى كيان العدو، كأول وفد رسمي منذ حادثة سفينة «مرمرة»، وما تلاها من تدهور للعلاقات بين الطرفين. ويرأس الوفد رئيس مركز السياسات الاقتصادية التركية، ونائب الوزير لشؤون التعاون الإقليمي، وسيتم بحث السبل الكفيلة بإقامة منطقة صناعية بالقرب من جنين، بتمويل تركي وبدعم «إسرائيلي» وأميركي وأوروبي.

تركيا إذاً تحاول إعادة تطبيع العلاقات، وهذه المرة بأجندة كاملة تتماشى مع إمكانية تفترضها هي بنجاح المفاوضات وها هي على ما يبدو تجهّز أرضية إعادة الإعمار والاستثمار بحيث تكون مقدمة لقطاف ربما لم ولن يأتي!

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى