فلسطين من ديكتاتورية الفصائل إلى ديكتاتورية الفرد

عامر نعيم الياس

يغيب تدريجياً الصراع بين «حماس» وحركة فتح عن الواجهة في فلسطين، فيما يبدو أنه تسليم بالانقسام السياسي والتقسيم الجغرافي لمناطق الحكم الذاتي. فيما ينتقل الصراع إلى داخل التنظيمات نفسها عبر تصفية مجموعة أو تحجيمها على حساب المجموعة الأخرى، تارةً باللعب على وتر التوازن الداخلي داخل المنظمة الحاكمة ذاتها، وتارةً أخرى باستغلال حجم الدعم الخارجي لجناح ما داخل الفصيل من أجل إرغام الجناح الآخر على القبول بسياسات الطرف الأول.

هذه هي حال الساحة السياسية الفلسطينية باختصار. فبالتزامن مع المحاولة الصهيونية الواضحة لشيطنة «الجهاد الإسلامي»، وبالتوازي مع التسريبات الإعلامية التركية عن مفاوضات سرّية بين الكيان الصهيوني وحركة حماس، وطرح الأخيرة مرّةً أخرى ملف الهدنة طويلة الأمد على طاولة التفاوض، بعد زيارة مشبوهة في توقيتها ودلالاتها قام بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل إلى السعودية بعد 72 ساعة فقط على توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، في سياق كل ما سبق أَعلن عن استقالة محمود عباس من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ودعوته المجلس الوطني إلى الانعقاد لانتخاب أعضاء جدد في رئاسة المنظمة مستثنياً أعضاء حركة حماس في المجلس الوطني، وداعياً من يناسبه للاجتماع حتى من أعضاء حركة فتح المحسوبين على جناح الرئيس، في محاولةٍ روّج لها الإعلام بأنها لاستبعاد ياسر عبد ربه من أمانة سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكأن عبد ربه كان حاملاً لواء الاستقلالية والتمايز في ما يخص الملف الوطني والعلاقة مع الكيان الصهيوني عن سياسات الرئيس محمود عباس، مع أن الجميع يعلم أنه من الناحية المتعلقة بنهج أوسلو وتبعاته ونمط العلاقات الذي أسس له وعلى كافة المستويات لا فرق بين الرجلين. لكن الواضح أن الاتجاه العام في الداخل الفلسطيني انتقل إلى مرحلةٍ جديدةٍ من التفتيت وحصر الولاءات مع استفحال الفساد السياسي والمالي. والتسليم بالتقسيم لمناطق الحكم الذاتي والذي يعتبر العامل الأهم في بلورة الشكل الداخلي الجديد الخاص بالقضية الفلسطينية في زمن الربيع الأميركي. فما يجري اليوم على الساحة الفلسطينية هو إنهاء أي هيكلية للسلطة الفلسطينية في مناطق الحكم الذاتي لها خلفية حركية وتنظيمية مهمة، وتحويل هياكل الحكم إما بفعل الفساد الداخلي والرغبة في السيطرة والاستفراد، وإما بفعل تداعيات ما يحدث في المنطقة منذ العام 2010 وتغيير بوصلة العداء.

تحويل هياكل الحكم إلى جماعات تربطها مصالح ضيّقة ترتبط بسطوة شخص واسمه وتاريخه في التنظيم أو الفصيل المراد زياد تفتيته، والرهان مستقبلاً على الانقسام أو بالحدّ الأدنى دينامية الخلافات الداخلية في التنظيم ذاته بهدف التفرّغ لإضعافه أكثر فأكثر واختيار الجناح الذي يناسب مصالح العدو. هذا ما يحصل داخل منظمة التحرير التي ينقلها الرئيس الفلسطيني من حالة إلى أخرى وهو المسكون بهاجس استتباب السيطرة على رام الله ومؤسسات السلطة في الضفة الغربية المحتلة في مواجهة حركة حماس التي شقّت طريقها إلى المفاوضات السرّية مع «تل أبيب» والتي يخبرها الرئيس أبو مازن أكثر من غيره. والتي عبّر عن قلقه العميق منها بتسريب خبر مفاده أن اجتماعات خالد مشعل مع الصهاينة برعاية أنقرة وبعض دول الخليج جاءت للتخطيط لمحاولة اغتيال رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن والاستيلاء على الحكم في السلطة الفلسطينية.

من صراع الفصائل على الحكم وعلى منظمة التحرير ومحاولة توسيع المنظمة، إلى حصر قيادات المنظمة بالموالين لفرد، مرحلةٌ تعكس ما وصل إليه الوضع الفلسطيني، وحجم القلق المسيطر على قادة فتح في محاولتهم التماسك بمواجهة «حماس» التي أجمعت أجنحتها على الولاء لأنقرة والرياض والدول الحليفة لهما.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى