«إلياذة تمّوز»… ملحمة البطولة بتوقيع نخبويّ جماعيّ

عبير حمدان

يصبح الحرف وقوداً على مشارف الريح، يضمّ أنفاس من ساروا على درب النور والنار. بين تفاصيل الحقول تنبت الآف القصائد، فقد اعتادت الأرض تدفّق ينابيع الفداء منذ بداية التكوين.

ذات صبيحة، قال تمّوز للشظية:

ستلدين الرماد تحت النافذة

لن يعيش لك في هذي البيوت ولدٌ

من هنا عبر النبيّ

لا شظايا في حضرة المواويل

ودّعي نفسك أيتها الزائلة…

حين نكتب التاريخ على جبين الزمن يصبح النصر «إلياذة تموّز»، وحدها القصيدة تلامس حكاية الأرض للسماء. اللغة صلاة يتردّد صداها بين شجيرات الجنوب ويعلو ليطاول أعمدة القلاع، وينسكب بلون سنابل القمح ليرسم ملامح البقاع. هو الصدى المختلف القادر على إلغاء الحدود. هنا لا وجود لجواز السفر. هنا يغيب الشرطيّ والختم الجمركيّ.

«إلياذة تموّز»، خلاصة القول الذي لا يُشبه سواه، حين تقلّب أوراق الكتاب ترى لبنان وفلسطين وسورية والجزائر ومصر، شعوب تسجد عند محراب الصمود الوحيد في هذا الشرق. وتكتب المجد بإيقاع «الحواس»، وتعتلي منبر الوجود ليفرد طائر الباشق جناحيه وينقل لحن الأبيات للسيد والشيخ والعماد، ولكل طفلٍ تعلّق بجيد أمه قبيل الرحيل.

سمع الشعراء نبض الأرض فاختاروا التدوين على صفحات «البناء» أسرار التجربة الأولى، وكيف كان التكوين. وكيف كتب 29 شاعراً وشاعرة حكاية المجد والانتصار قصيدة واحدة منحوها من لدن حواسهم اسم «إلياذة تمّوز»!

عبد الحليم حمّود وعرس تمّوز

يتحدّث رئيس جمعية «حواس» الثقافية الفنان والشاعر عبد الحليم حمّود عن الفكرة الحدث التي ارتسمت في البال لتأتي بشكل مغاير عن السائد فيقول: «إلياذة تمّوز»، فكرة خطرت في بالي وأنا أبحث عن عمل مشترك في جمعية «حواس»، حتى نُظهر العمل الجماعيّ في قالب متميّز غير مطروق. وبهذا نبني هويتنا الخاصة كنموذج للعمل الثقافي غير التقليدي. في الوقت ذاته كنّا على موعد مع الذكرى التاسعة لانتصار تمّوز، و«حواس» تفتّش عن فكرة للمساهمة في فعاليات الانتصار. جُمِعت الفكرة بالحدث، فكان كتاب «إلياذة تمّوز» بعد جهد مكثّف اتصلنا خلاله بأكثر من 30 شاعراً تجاوب معظمهم، حتى رسى العدد على 29 شاعراً و شاعرة من العالم العربي، وقمت ـ بناءً على إذن مسبق من صاحب كلّ قصيدة ـ بمزج النصوص في الملحمة الشعرية، لتتماهى الكلمات والأحاسيس في قِدر واحد اسمه «عرس تمّوز». تواصلت مع إدارة معلَم مليتا كرمز لثقافة المقاومة، وكان تجاوب وترحيب بالفكرة، فخضنا التجربة لوجستياً بمتابعة التصميم والمطبعة وبرنامج الاحتفال الذي توّج بنشاط في مليتا، حيث أرض الانتصار، وبحضور غالبية شعراء الديوان الذين وقّعوا على الكتاب، بمعنى أنّ كلّ كتاب وقّع عليه أكثر من عشرة شعراء، تأكيداً على وحدة الحال والشعور وهدف هذا المشروع الذي يتخطّى مساحة الكتاب، إذا ما حلّلنا أبعاده كفعل جماعي مقاوم. كنّا نتمنّى لو وصل عدد الشعراء إلى 33 وهو عدد أيام العدوان، لكن هذا لم يكن هدفنا، فالرقم كان يرتفع تباعاً ونحن كنّا قد خططنا وتوقّعنا لعدد من المشاركات لا يتعدّى العشرين شاعراً.

حسن ديب: منتصرون كما الوطن

هي قصيدة حملت أسماءنا ولكننا لم نكتبها نحن، إذ إنها كُتبت بدماء الشهداء. هي أكبر من إلياذة، فقد تخطّى تمّوز في انتصاره حدود الزمن ليصل إلى المجد التليد الذي يليق بوطننا. «شغلة كبيرة ـ بالعامية»، هذا ما قلته لنفسي عندما أخبرني صديقي بأننا سنكتب قصيدة تمّوزية يشترك فيها عدد من الشعراء. لإنه قد يجوز أن تلتقي الصور الشعرية بين شخصين، ولكن من الصعب جداً أن تلتقي الصور بين مجموعة تصل إلى تسعة وعشرين شاعراً وشاعرة، ولكننا «حواس»، و«حواس» ولدت من رحم التحدّي بالإبداع، فكان التحدّي وكنّا على موعد مع فكرة جديدة تُقدّم للمرة الأولى على مستوى العمل الكتابي. لا أدري إن كانت هي الصدفة التي جمعت الشعراء على الإلهام الشعري نفسه الذي أخرج ديوان «إلياذة تمّوز» بهذا النسق البديع والحروف الراقية التي أعطت لذكرى الانتصار هذه السنة شكلاً مختلفاً لا يشبه إلا نفسه. كانت «إلياذة تمّوز» وكنّا معها جميعاً منتصرين كما الوطن.

يبدو الأمر عادياً أن تكتب قصيدة تمجّد فيها انتصارات تمّوز. لكن الأمر سيكون خارجاً عن المألوف بعيداً عن ركام التكرار، أن تخطر في بال أحد ما فكرة خلاقة جديدة مبتكرة بجمع كتابات تسعة وعشرين شاعر في قصيدة موحّدة لتصبح أيقونة نصر لا تشبه غيرها. عدة شعراء يكتبون قصيدة للنصر في تمّوز 2006 ضمن عقيدة واحدة، مقاومة العدو، هم من مختلف الاتجاهات لا بل من عدة بلدان: مصر، سورية، الجزائر، ولبنان، كما كان النصر كانت الإلياذة.

كان لي شرف المشاركة في هذه التجربة، وبرأيي لن تُعاد هذه التجربة يوماً لأنها تحتاج إلى عقل مبدع وعمل جماعي بقلب مغامر. هي مغامرة ونجحنا بها، إذ سمعنا الأرض هناك تقول مقتبسة من الشاعر الراحل عمر الفرّا: هنا اجتمعوا، هنا عزفوا، هنا كتبوا، هنا نشروا إلياذة لتمّوز فانتصروا.

إيمان زين الدين: شعور لن يتكرّر

فاحت رائحة الزعتر والتبغ من حبر الكلام لدى إيمان زين الدين التي قالت:

لا يمكن لشعور السعادة أن يترجم على الورق. هو الأحساس الذي يُختصر فيه بأنه أمر جميل. ولكن عند صوغي قصيدة حرب تمّوز شعرت بما لم أشعر به عند كتابتي أي قصيدة ثانية. قصيدة تحمل من الأحاسيس ما هو مختلف عن غيره عندما تدخل قلب المعركة وعليك أن تختار من العتاد ما يناسب ساعة الحسم، فيكون سلاحك شتلة التبغ، عرق المردكوش، رائحة الزعتر، التي فاحت منها رائحة النصر في كتاب «إلياذة تموز»، في مليتا أرض المقاومين النصر لا يتجسّد فقط بالبارود والدم، فالقلم والحبر هما خريطة المعركة للنصر.

ناريمان الجبوري الجزائر : أنا لبنانية النصر

الشاعرة ناريمان الجبوري تقول لـ«البناء»: مشاركتي بالسلطانة «إلياذة تمّوز» لم تكن محض صدفة أو فراغ تلهيه كلمات وحروف. فعلى رغم أنني لست لبنانية المولد، لكنني لبنانية النصر جزائرية الأصل والمنبت وأمقت الصهيوني. «إلياذة تمّوز» كإلياذة بلدي كتبها مفدي زكريا بحبر النبض ومداد الشرايين ومضى ولم تمض، واليوم أعدنا الكرّة بأقلام شابة واكبت المكر الصهيوني ووعدت ربّها أن يفنى العمر و يخلد الحرف في سبيل الكلمة الحقة النزيهة المندّدة المستنكرة كل غاشم مستبدّ طاغ لا يحترم الروح ولا الجماد. سعيدة أنا وكلّي شرف بمشاركتي نصر لبنان الأبيّ وشعبه الصامد عاشق الحرية والحياة، وما فعله لبنان بالأمس فخر وعزّ لكلّ جزائري ولكلّ مغاربي، والشرف لمغربنا العربي الذي لم تسلم منه أياد الكيان الصهيوني أن يشارك بـ«إليادة تمّوز»… طابت «إلياذة تمّوز» وطاب فرسانها.

رنا حيدر وندى الفجر

أما الشاعرة رنا حيدر فتقول: تزهو حروفنا وتشعر بالفخر والعزّة لمجرد أنها تبللت بحبر النصر وحفلت معانيها بصور ومشهديات تعكس أهمية وعظمة ما تحقق في نصر تمّوز. تجربة عدا كونها الاولى من نوعها، إلا أنها اكتسبت أهمية كبرى على الصعيد الشخصي. فالعمل بروحية جماعية واحدة يعطي الكلمات والقصيدة أبعاداً مختلفة لم نعهدها في أيّ إصدارات سابقة. هنا انصهرت الروح والحروف وتبللت بعرق تلك الأقدام الهادرة فوق الجبال، ثمّ أعدنا عجنها بندى الفجر المكدّس على جباههم.

رولا الصعبي: نبل القضية

وتقول الشاعرة رولا الصعبي: يُعدّ ديوان «إلياذة تمّوز» نموذجاً للعمل الجماعيّ الراقيّ المتميّز بفرداوية الفكرة والتنفيذ. إذ إنه جمع عدداً من الشعراء في عمل واحد وأحاسيس مشتركة، إنما من زوايا مختلفة باختلاف الأشخاص وأقلامهم. خصوصاً أن الموضوع يحاكي أنبل القضايا البشرية المتمثلة بالانتصار على الظلم في تموز 2006. لي الشرف أن أشارك في هذه الملحمة الجميلة التي يعود الفضل في فكرتها وتنفيذها للأستاذ عبد الحليم حمّود، والتي أعتبرها عملاً فنياً مميّزاً، وأتمنى أن تتكرّر هذه التجربة في موضوعات أخرى ومع عدد أكبر من المشاركين النخبويين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى