كي نفهم السياسة السعودية في الحرب والسلم

رضا حرب

العقل السعودي بشقيه السياسي والديني تحكمه الشهوات الجنسية فأنتج «جهاد النكاح».

نتيجة للتعقيدات في العلاقات الدولية وتشابك المصالح ليس من السهل وضع تعريف محدّد للسياسة الخارجية، في الحرب والسلم، إلا انّ المراقب لا يحتاج الى عبقرية في الفكر والتحليل السياسي حتى يتوصل الى حقيقة تقول بالمواءمة بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية. السياسة الخارجية هي انعكاس للسياسة الداخلية وطبيعة النظام والبيئة والايديولوجيا والقيم والأفكار، والعكس صحيح.

ومن المعروف انّ السياسة الخارجية التي تنتهجها الدول في علاقاتها مع الدول الأخرى تهدف الى تحقيق الأهداف الوطنية، إما بالديبلوماسية او بالحرب. وبما انّ الديبلوماسية والحرب هما الذراعان الأساسيان في العلاقات الدولية، فبالتالي، في حالة السلم تحتاج الدولة الى عقول تنتج خطط عمل ومبادرات واستراتيجيات بناءة للتفاعل مع الدول الأخرى على أساس وجود مصالح مشتركة. في الحرب تتغيّر اللغة والوسائل وتكون العقيدة العسكرية أو العقيدة القتالية هي العامل الأبرز.

السياسة الخارجية الأميركية، على سبيل المثال، يكتنفها بعض الغموض أحياناً بسبب التضارب بين الخطاب السياسي والنوايا. صحيح انّ الولايات المتحدة تتكلم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وتطلق شعارات لها جاذبيتها كـ»القضية العادلة» و«القضية النبيلة»، الا انّ الهدف الأساسي الذي تسعى الى تحقيقه هو «المصالح» بغضّ النظر عن طبيعة النظام والوسائل لدرجة انّ جون فوستر دالاس قال: «ليس للولايات المتحدة أصدقاء، بل مصالح».

في الحالة السعودية فإنّ الأمر لا يكتنفه ايّ غموض او تعقيدات، لأننا نفهم كيف نشأ نظام آل سعود والعوامل التي ساعدت على بقائه والبيئة الحاضنة والايديولوجيا المحركة له والنوايا الخبيثة. العقل السعودي بشقيه السياسي والديني تحكمه الشهوات الجنسية فأنتج «جهاد النكاح» والاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي وبيع النساء لبيوت الدعارة في تركيا، وتحكمه غريزة التوحش فجمع كلّ الوحوش البشرية لتفعل ما تفعله في سورية والعراق، وتحكمه غريزتا الحقد والانتقام فأنتج العدوان الوحشي على اليمن. المتابع للسلوك السعودي يرى بكلّ وضوح انّ العقيدة القتالية هي بالأحرى عقيدة قتل. السعودية لا تمارس القتال بل تمارس القتل، وقد تفوّقت على الصهيونية والنازية في كثير من المحطات.

على إحدى المحطات التلفزيونية قال أحد «المفكرين» السعوديين انّ السعودية قادرة على تجنيد مليون انتحاري خلال ساعات. طبعاً هذا ممكن، وممكن جداً، لأنّ هذا الشعب الذي يمشي خلف قيادته بهذه الحماسة، هو في الحقيقة منتج محلي أنتجته طبيعة النظام والنهج التكفيري الذي يدرّس في مدارس الأطفال والثانويات والجامعات، وفي المساجد. صدّق او لا تصدّق، المتديّن الوهابي الذي يقضي معظم وقته في المسجد لا يختلف عن الوهابي العلماني الذي يقضي معظم وقته في أماكن الدعارة في بانكوك وغيرها. وكلاهما لا يختلفان عن رجل الدين الذي يدعو الى «الجهاد» في سورية ويلاحق الشقراوات في شوارع لندن، او عن الشاب السعودي الذي حمل معه الى ساحة «الجهاد» شنطة فيها أرقى الملابس الداخلية لحور العين. كلهم يفتقدون إلى الحسّ الأخلاقي والإنساني وكلهم إنتاج طبيعي للنظام والفكر الوهابي.

في أول زيارة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى موسكو، أنتج العقل النجدي فرضية «لا مكان للأسد في مستقبل سورية». الفرضية تفتقر الى الحدّ الأدنى من العقلانية التي تتطلبها الديبلوماسية في طرح القضايا. هذا الديبلوماسي الذي تخرّج من الجامعات الأميركية والذي كان سفيراً في اهمّ عاصمة من عواصم القرار في العالم لا يفهم انّ البيعة قبل التعيين وليس بعد التعيين. هو يريد ان يفرض على الشعب السوري رئيساً ثم يقف الشعب مصطفاً كالغنم لمبايعته. هذا هو القصد من القول انّ السياسة الخارجية انعكاس للسياسة الداخلية.

من هذا المنطلق لا نرى غرابة في ظهور تيار واسع في الغرب ينظر الى الدولة الوهابية على انها «مركز الشرّ الكوني» و«دولة الإرهاب» و«امّ الإرهاب»، وانّ هذا المذهب الوهابي التكفيري يجب استئصاله لأنه «العدو المشترك» للبشرية جمعاء. هذا التحوّل في النظرة الى السعودية يكلفها مئات الملايين من الدولارات سنوياً تدفعها لشركات متخصصة في العلاقات العامة في واشنطن كشركة «كورفيز Qorvis» لتبييض سمعة المملكة الوهابية. اللافت انّ التيار الوحيد الداعم للسعودية في واشنطن هو نفس التيار الذي يعارض الاتفاق النووي.

التحولات الكبرى

لا يختلف اثنان في توصيف المشهد العام على امتداد المنطقة الشرق أوسطية على انه مرتبط بتحوّلات دراماتيكية متسارعة تطال في الأساس نظام القطب الواحد وتؤسّس لنظام عالمي جديد يرتكز على مبادئ جديدة «اكثر انسانية» تشكل كلّ من روسيا والصين وايران اهمّ أقطابه.

لماذا هذا التحول؟

بعد التخلص من إرث المحافظين الجدد عادت السياسة الواقعية لتكون عصب توجهات الرئيس الأميركي باراك أوباما في المنطقة الممتدّة من الشرق الاوسط الى بحري جنوب وشرق الصين والكوريتين، ونحو وسط آسيا والقوقاز وشرق اوروبا، وهذا التوجه الجديد في استراتيجية أوباما لم يكن خياراً بل فرضته تحديات في وسط آسيا، حيث بدأت تتشكل بيئات واسعة للإرهاب الوهابي، وجنوب شرق آسيا حيث يحتدم الصراع حول بحر جنوب الصين، والأهمّ انّ الرهان على كسر إيران سقط بالضربة القاضية. هذه التحوّلات أثارت رعب مملكة الإرهاب لأنّ الاستدارة الاميركية تعني تخلي الولايات المتحدة عن دورها الوظيفي في صناعة «حروب الوكلاء» من خلال الارهاب الوهابي المتعدّد الجنسيات، وبالتالي تفقد أهميتها في الاستراتيجية الاميركية. اعتقدت السعودية انّ عدوانها الوحشي على اليمن وشعب اليمن يمكن ان يضعها من جديد على خريطة توازن القوى او يقود على الأقلّ الى «الوضع الراهن ـ ستاتيكو» وفق تعريف هانس مورغنثاو او يدفع أوباما الى إعادة النظر في استراتيجيته. صحيح انّ الصورة لا تبدو واضحة إلا انّ التوجه الجديد يمكن ان يقود الى تمزيق السعودية داخلياً.

العقل السياسي السعودي غير القادر على فهم التحوّلات واستيعاب المعادلة الجيوسياسية «سورية خط الدفاع الأول عن حزب الله، وحزب الله خط الدفاع الأول عن طهران، وطهران خط الدفاع الأول عن موسكو»، بالتأكيد لا يمكن ان يفهم معنى هرولة وزراء خارجية الدول الكبرى الى طهران.

المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية

www.cgsgs.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى