بين الأسد وعون…

روزانا رمّال

أصبح التخلص من ترشح رئيس التيار الوطني الحرّ العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية مشابهاً لمحاولات التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد الحثيثة، فالرجلان يجمعهما الكثير من المصادفات التي تكاد تكون سبب محاربتهما طيلة سنوات لعلها تجمعهما أكثر في المستقبل، وقد باءت كلّ المحاولات حتى الساعة بالفشل.

تشبيه الحالتين مع الفوارق كنموذج عن الكباش الدولي والإقليمي على مسرح الشرق الأوسط، حيث يجب أن تكون النقاط والأوراق من منظور استراتيجي يراه الحلف المنتصر المناور إلى ان تتوضح الصورة اكثر فيتوقف الرهان.

تعتبر الحالة الأولى، أي محاولات التخلص من الأسد نموذج اللعب الإقليمي والتدخل مباشرة على خط تغيير منهجي لشكل دولة ذات سيادة وكينونة مستقلة، في هذه الحالة التدخل استراتيجي، اما في الحالة الثانية، أي محاولات التخلص من العماد عون فهي إحدى أشكال تدخل الدول الاقليمية في لبنان على صعيد تكتيكي داخلي يحتمل المناورة والتريّث وإعادة الالتفاف ومن ثم الانطلاق بمحاولة جديدة… لكن في إطار محدد ومحصور.

الرهانات التي منعت العملية السياسية في سورية حتى الساعة بشكل موسع هي نفسها الرهانات التي تمنع وصول العماد عون الى رئاسة الجمهورية، ولكن بشكل مصغّر، ففي الحالتين الوظيفة الإقليمية موجودة مع فارق لاعب مباشر في الساحة السورية ولاعب غير مباشر في الساحة اللبنانية كونه يأتي عبر حلفاء الداخل لنفس الدول الطامعة بالتغيير في دمشق.

ورقة وصول العماد عون الى سدة الرئاسة هي ورقة معادية لحلف برمّته، فوصوله يعني وصول مرشح يريح حزب الله كثيراً ويحترم العلاقة مع سورية التي طالبها يوماً بالرحيل عن لبنان، وبعد خروجها التزم الأعراف الديبلوماسية الدولية وتعاطى معها كدولة جارة، وأنهى اشتباكاً استمرّ لسنوات، فيما لم يتعاط غيره معها بهذه الواقعية، بل فتح حرباً عليها بعد خروجها، ما يعني انّ وصول عون للرئاسة هو انتصار واضح لحلف على حلف، أي غالب ومغلوب، وهي الصيغة التي نادراً ما يعيشها لبنان لأنها تؤسس لمرحلة سحب التوافق وتوزيع النفوذ الاقليمي فيه وحصره بطرف وصولاً لعزله.

تعرف الدول الإقليمية المؤثرة في لبنان انّ وصول زعيم مسيحي الى سدّة الرئاسة يعني أملاً وتكريساً لحضور مسيحيّي الشرق فيها، وهو ما لا تريده الدول الكبرى التي خططت ودرست إيجابيات خروج المسيحيين من الشرق لناحية خدمة ايّ تقسيم وارد في ايّ لحظة يخدم إسرائيل ومساعي التهويد التي تطفو على السطح مجدداً ويخدم أيضاً حرية الحركة التصعيد العسكري في بعض مناطق الاشتباك حيث يشكل الوجود المسيحي حرجاً دولياً لما يحصد من تعاطف، هذا بالاضافة الى صورة حضارية ديمقراطية سيطرحها لبنان كنموذج تعايش بين الدول العربية ذات الطابع الإسلامي، فيتفرّد بهذه الصورة التي يعمل على تدميرها في كلّ البلاد العربية ليحلّ مكانها الإرهاب كهمّ وحيد يشغل الحكومات فيها.

الرهانات على إسقاط الرئيس الأسد غير مجدية، وذلك بسبب صموده وحلفاء أشداء يتمسكون بدعمه من جهة، ويوقنون انّ شعبيته حقيقية، وبالتالي فإنّ وضع رصيدهم السياسي العسكري إلى جانبه هو في محله، حيث لا يمكن دعم أيّ طرف ضعيف والتمسك به، هكذا يعبّر ديبلوماسي روسي رفيع المستوى عن اعتراف روسي بخطأ ترك الساحة في ليبيا التي أصبحت اليوم مرتعاً للإرهاب، فكيف سورية التي تتمتع بمقومات القوة كجيش ورئيس وشعب؟ وهذا ما لن يتكرّر حسب تعبيره… أما لبنانيا فيتمسك حلفاء العماد به لعلمهم بشعبيته الوازنة التي تتحّدث عنها كتلته اولاً وحضوره الحاشد في الساحات ثانياً، وأبرز الحلفاء حزب الله الذي يكاد يعتبر قضيته عدم التنازل عن دعم عون مرشحاً وحيداً أو من يرتضيه بديلاً له، وهذا التمسك يشبه لحدّ بعيد تمسك حلفاء الأسد به.

هذا الدعم الذي حصده الأسد أفرز قناعة دولية مؤخراً بوجوب الاقتناع به كقوة جدية في سورية، وتصريح جون كيري الأخير بعدم الإصرار على رحيل الأسد الآن، ومن بعده فابيوس، وقبلهما مواقف إسبانية ونمساوية وبريطانية، كلّ هذا يؤكد انّ الحلّ السياسي يقترب في سورية.

العماد عون الذي يعرف تمسك حزب الله وحلفائه به مرتاح لهذا الأمر ويعرف انّ هذا التمسك اخلاقي، لكن ربما سينتظر ما انتظره الأسد، من تسليم واعتراف بحجمه وحقوقه وشعبيته، وبالتالي مشروعية ترؤسه البلاد، وذلك بعد التغيير في الموقف الدولي إزاء سورية.

لكن قبل ذلك الحين يبدو التخلص من العماد عون من ضمن سلسلة المحاولات المستمرة، فمؤخراً سرّبت معلومات خليجية عن انّ قوى 14 آذار طرحت فكرة استبدال ترشيح عون بفرنجية معتبرة انّ القبول بفرنجية رئيساً أكثر واقعية، باعتبار انّ فرنجية قادر على ان يحصد أصوات الكتل المعترضة على عون، علماً انّ فرنجية في الحساب الاقليمي اكثر قرباً من حزب الله والأسد، وهذا العامل هو الذي يجعل الإيحاء الـ14 آذاري كاذباً.

يوقن عون اليوم ان الهدف من طرح فرنجية هو تقسيم القوى المجمعة على ترشيحه لإفقاده إجماع حلفائه، فيشعر جمهوره بالتخلي وبالتالي عندما يسقط هذا الإجماع يصبح التفكير ببديل غير عون وفرنجية أسهل طالما تمّ تجاوز عقدة عون والنزول عن السلم درجة تليها أخرى حكماً.

خطوة ذكية من 14 آذار يبد أنّ فرنجية كشفها وأكد انه ليس مرشح مناورة عند أحد.

محاولات التخلص من عون نفسها محاولات التخلص من الأسد لما لها من أبعاد استراتيجية، وبين هذا وذاك يبقى لبنان منتظراً لتسويات تأتي بالكلمة الفصل، فهل تكون لصالح عون كما أصبحت في سورية لصالح الأسد؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى