الحَيرة الغربية: من أين تبدأ المساومة؟

عامر نعيم الياس

أعلنت روسيا أنّها ستكثّف ضرباتها الجوية ضد الإرهابيين في سورية خلال الفترة المقبلة، بالتوازي مع إعلان وزارة الدفاع الروسية عن نجاح ضرباتها في ضرب البنى التحتية لتنظيم داعش الإرهابي في مناطق سورية، وهو ما يدل على التزام موسكو بتحقيق أهدافها هذا أولاً. وثانياً جدية التوجّه الروسي العسكري في الحرب على الإرهاب في سورية، وسقفه المفتوح المتعلّق تحديداً بما يمكن تسميته أفق تطوير التدخل الجوي العسكري نوعاً وكماً وغزارةً بما يتوافق ومتطلّبات الميدان السوري والمعطيات المتوافرة حول الإرهابيين، والتي تلعب فيها غرفة عمليات بغداد وتحالف 4+2 دوراً مركزياً مرشّحاً للتطوّر في المدى المنظور.

يدرك الغرب وساسته أن الحرب هي الوسيلة الأخيرة لإقرار الحقيقة عبر الدفع باتجاه تغيير موازين القوى على الأرض ومحاولة فرض الحل السياسي إما بالقوة أو عبر التفاوض السياسي. هنا يحضر التساؤل الأكثر أهمية الذي تطرحه النخب السياسية والإعلامية الغربية بعد التحوّل الأبرز في الميدان السوري الناشئ عن التدخل الروسي المستدام وليس المؤقت، ومفاده «من أين تبدأ المساومة في سورية؟».

طَرحُ الرئيس الروسي لمكافحة داعش، ومصيرُ الحل السياسي المتأزم، وتبنّي الخطاب الغربي بمفرداته ولغته الحرفية، يفرضان في النهاية مفاوضات وتفاهمات، وبطريقة أو بأخرى سيتم التعامل مع الدولة السورية باعتبارها طرفاً وجوده بات موضع إجماع لدى الغرب وموسكو على حدٍّ سواء، فالأولوية للحفاظ على المؤسسات الدستورية والقوات المسلّحة السورية منعاً لتكرار التجربة الليبية، لكن الخلاف يبقى حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد، على الرغم من التراجعات الأوروبية والتكيّف النهائي مع ملف بقاء الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية والتي قد تمتد وفق آخر مهلة زمنية حدّدها مسؤول غربي رفيع وهو فيليب هاموند، وزير الخارجية البريطاني، إلى حوالي «ثلاثة أعوام أو أكثر»، وفق ما نقلت عنه صحيفة «التلغراف» صباح يوم أمس.

في ليّ الأذرع الدبلوماسي هذا، لدى الرئيس الروسي ورقة رابحة، فهو يعرف جيداً ماذا يريد في سورية، فيما سياسة أوباما غاب عنها التناسق في سورية وفقدت مصداقيتها في عيون حلفائه منذ العام 2013، فيما الدول الستون المشاركة في الحرب على الدولة الإسلامية لا تزال منقسمة على ذاتها، ولكلٍّ منها أجندتها الخاصة والتي لا يمكن لها سوى أن تعقد عملية الانتقال السياسي لمرحلة ما بعد الأسد. جملة أمور تسمح بتخطيط تحالف بوتين للمرحلة الثانية في سورية بهدوء ومن دون أن يعكّر صفوه تهديدٌ هنا أو محاولة لشيطنة هناك، وهذا تحديداً ما يقلق النخب الغربية، فتطوير العمليات العسكرية الروسية والبدء بالمرحلة الثانية منها، والتي تقوم على تأمين الإسناد الجوي للقوات البرية ممثلةً بالجيش السوري والقوات الرديفة والحليفة من أجل التقدّم على الأرض، والذي يتوقع الغرب أن يكون محوراه وسط البلاد الاستراتيجي وشمال البلاد خاصةً مدينة حلب وريف إدلب، يسحب الأوراق المتبقية في يد الأطلسي ويجعل من العملية التفاوضية أشبه بفرض للسلام وليس تفاوضاً عليه، فما الذي سيتفاوض عليه الغرب الذي تكيّف فور الدخول الروسي وعند تأسيس القاعدة الجوية، مع فكرة بقاء الأسد في المدى المنظور؟ وما الذي سيفاوض عليه الغرب إن حصل تقدّم نوعي للجيش السوري في شمال غرب البلاد ووسطها، هل يصبح للتفاوض قيمة إن سيطر الجيش السوري بشكل كامل أو حتى شبه كامل على العاصمتين والمرفأين ومحافظتَي وسط البلاد؟ ما الذي دفع رئيس الأركان الأردني إلى معايدة نظيره السوري بالتزامن مع وقف عمليات غرفة «ألموك»؟ هل التلويح عندها بمفاهيم من نوع «سورية المفيدة» أو «الضرورية» سيكون موجّهاً للضغط على الدولة السورية أم أن العكس سيحصل؟

تبدأ المساومة من الحفاظ على وحدة سورية وشكل دولتها ودورها في الإطار السياسي العام، وتنتهي عند حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه عبر استفتاء شعبي. هذا ما تريده موسكو وهذا ما دفع إليه الجيش السوري الذي ضحى بخيرة خبراته طوال أكثر من أربع سنوات من بدء الحرب على سورية.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى