معركة قائد الجيش أكبر من معركة الرئيس إقليمياً

روزانا رمّال

إذا كانت هناك في لبنان أطراف تبتغي حلّ المشاكل وحسم الاستحقاقات جدياً فيه وتسوية الأوضاع من أجل نشر مساحة معقولة من الأمان السياسي والاجتماعي في ظلّ مخاطر الشارع لكانت بدأت تظهر تباشير الحلول من الملف الأصغر فالأكبر.

يُستغرَب طرح عقدة الرئاسة اللبنانية قبل حلّ العقد الأقل منها، ولو كان قد مرّ على الاستحقاق الرئاسي أكثر من سنة من دون التوصل إلى نتائج، إلا أنه بمجرد دخوله دوامة الاستحقاق المؤجل، وبما أنه الأكثر تعقيداً، والأكثر إقحاماً للتدخلات الخارجية في لبنان، فإنه من الممكن تأجيل الحديث فيه وحلّ ملف التعيينات الأمنية كمشكلة أقلّ حجماً ولا تحتمل الانتظار ولا تتطلّب سجالات وإخفاقات كمشهد هرمي لتوزيع الأولويات في بلد طبيعي.

لم تدخل معركة حسم الرئاسة اللبنانية ربع الساعة الأخير، لكن ربع الساعة الأخير لتعيين قائد للجيش قد بدأ، وبدلاً من أن تكون الأطراف قد توصلت الى تقارب ما لإنهاء أزمة داخلية بحتة تفاجأ اللبنانيون بمستوى الخصومة السياسية الكبيرة بين نواب لبنانيين تعاركوا على أزمات وملفات حياتية مفترض الاتفاق عليها ليكشفوا قلوباً «مليانة» أكدت أنّ الخلاف بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر كبير جداً، وأنّ الآمال في الحلول، خصوصاً بالنسبة إلى تعيين قائد للجيش ضئيلة.

وتفيد كلّ المؤشرات أنّ ملف قيادة الجيش اللبناني هو اليوم ملف إقليمي بامتياز، ولا يبدو أنه أقلّ أهمية من الملف الرئاسي، بل قد يفوقه أهمية، خصوصاً في ظلّ الظروف المحيطة، كطبيعة الأسماء المطروحة وأبعادها مستقبلاً.

في كلّ مرة يقترب الاتفاق على حلّ مسألة التعيينات يحدث ما لا يحمد عقباه، ويفشل التوافق، وبالتالي فإنّ التأكد من مسألة خروجه من الحسابات الداخلية اللبنانية بات أمراً محسوماً، لأنّ ملف تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش إذا تمّ فيُعتبر أبرز منافذ التقارب، وأهمّ طريق لتمرير حلحلة عقد المحاصصة والحقوق لأرضية تدخل السياسيين من الباب العريض لحلّ ما هو أكبر، أيّ انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس حكومة جديد وانتخاب مجلس نيابي جديد.

وعليه… إذا كان التعقيد لا يزال عند تعيين قائد للجيش، فإنّ هذا يؤكد أنّ اختيار قائد الجيش هو ملف اقليمي ـــــ دولي هام، خصوصاً لبلد مثل لبنان يحتضن مقاومة أخرجت للمرة الأولى معادلة الجيش والشعب والمقاومة إلى النور بصيغة فريدة أثبتت نجاحها في أكثر من استحقاق، حتى بات التصويب على المعادلة التي سُمّيت ذهبية هدفاً بحدّ ذاته بأبعاد لا تحسب بالمواقف سذاجة من دون ارتباطات وأبعاد.

لا تزال مرحلة الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان أبرز المحطات التي يمكن الاستفادة منها في معرض شرح المعطيات الحالية، لأن وصول العماد سليمان إلى قيادة الجيش وبعدها إلى رئاسة الجمهورية، لم يكن بدون رعاية مصرية تمثلت في العام 2007، بدعم مبادرة لرئيس المخابرات المصرية آنذاك اللواء عمر سليمان، حيث وصل وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الى بيروت وبحث في ملف انتخاب الرئيس، وكان هناك حراك مصري لافت، وكانت مبادرة ساعد فيها رئيس المخابرات السعودية آنذاك الأمير مقرن بن عبد العزيز، وبناء على التوافق الخارجي والداخلي تمّ انتخاب ميشال سليمان رئيساً.

إذا كان مَن ساهم في حلّ الأزمة اللبنانية حينذاك هما أبرز رؤساء استخبارات المنطقة في تلك الفترة، والممثلان لأكبر دولتين عربيتين نفوذاً السعودية ومصر ، فإنّ هذا يعني أنّ ميشال سليمان «قائد الجيش» أي قبل أن يصبح رئيساً هو مقرّب ومفضل واسم مألوف للمبادرين منذ زمن، وربما منذ أن تمّ تعيينه قائداً للجيش، بحكم مهنته الأمنية لدى هذه القيادات، وبغضّ النظر عن الأسباب إذا تعلقت بمناقبية أو شخصية أو حسابات سياسية، إنما ما يهمّ هو التأكد من أن اختيار قائد للجيش وما يمكنه أن يبنيه من علاقات رفيعة المستوى مع أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية ليس أمراً او استحقاقاً عادياً، فكيف إذا كان كلّ مرشح لقيادة الجيش هو في ذهن اللبنانيين وساستهم مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية؟ وكيف إذا كان هذا المرشح هو العميد شامل روكز الذي سيكون مقرباً الى المقاومة بحكم خلفياته التي تعرف أهمية معادلات التعاون بين الجيش والمقاومة في المرحلة التي يمرّ فيها لبنان، والتهديد «الإسرائيلي» الدائم حيث لا مساومة؟ وكيف إذا كان من غير المضمون أن ينسج هذا القائد الجديد علاقات جيدة مع رؤساء استخبارات الدول الكبرى في المنطقة؟ وكيف إذا كان الصراع اليوم هو صراع مكافحة الإرهاب وداعميه من دول ومحاور، وما يعنيه لبنان بالنسبة للأزمة السورية؟

كل هذا يؤكد أنّ الاتفاق على قائد الجيش أشدّ تعقيداً من الاتفاق على رئيس جمهورية، وهذا ما يؤكده مصدر برلماني واكب مرحلة ما بعد الطائف وكيفية اختيار الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية، والذين تعاقبوا على قيادة الجيش، سائلاً: ألا يلفت انتباه المراقبين أنّ الذين جرى اختيارهم لقيادة الجيش، كان البحث عن رئيس جمهورية يجعلهم رؤساء فوراً لأنّ المواصفات الواجب توافرها بمن يُختار للتوافق عليه كرئيس، أقلّ من تلك اللازمة للتوافق على قائد الجيش ومن توافرت فيه شروط تسميته قائداً للجيش فاز حكماً بصفة مرشح رئاسي جاهز وبتفوّق…؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى