هل هي الخطوة الأولى للقضاء على الإرهاب أم…؟

محمد ح. الحاج

أيام قليلة فقط منذ بدء الحملة الجوية الروسية على الإرهاب في سورية، والنتائج… باعتراف المراقبين والخبراء أنها إنجاز أدّى إلى تدمير المقارّ الرئيسة لداعش والنصرة ومتفرّعاتهما في المناطق التي تمّ استهدافها بشكل كامل، وتتضمّن مخازن الذخيرة ومراكز التدريب والسيطرة كما أدّى القصف إلى قطع طرقها ومنع تواصلها واتصالاتها، وبغضّ النظر عن البيانات العسكرية فإنّ بالإمكان الحصول على معلومات عبر المدنيّين الذين تسرّبوا من أماكن تواجد العصابات المسلحة تفيد بحالة من الذعر والتشتّت وبداية الهروب الكبير نحو الشمال، عائدين من حيث أتوا، بالأحرى من سيبقى منهم على قيد الحياة…

تأخذ العمليات الروسية منحى جدياً مختلفاً جذرياً عن عمليات التحالف الغربي الهزلية والتي مضى على بدايتها أكثر من عام، وجاءت نتائجها تمدّد داعش وزيادة قدراتها بما حصلت عليه من سلاح وذخائر عبر لعبة استخبارية أميركية في الموصل، الأنبار والرقة، والتدخل التركي في الشمال السوري عبر القصف المدفعي وفتح الأبواب أمام القادمين من كلّ أنحاء العالم.

بعد ضرب معسكرات ومواقع داعش في الرقة بدأت تتوارد الأنباء تباعاً عن الفوضى التي دبّت في صفوف مقاتليها وقيادتها وبدأت حركة نزوح المستوطنين أقول المستوطنين لأنهم كذلك، فالعناصر الشيشانية والتركمانستانية وحتى الصينية ومن جنسيات أخرى مختلفة جلبوا معهم عائلاتهم وأقاموا في منازل المواطنين الذين هجروا المدينة خوفاً من بطش داعش أو لأنهم موظفين في الدولة، وقد أفتى قضاة داعش باستباحة منازل هؤلاء ومصادرة ممتلكاتهم وتوزيعها على الأتباع، وبعضهم أقاموا تجمّعات ومزارع في المنطقة وقد تمّ تطبيق نفس السلوك في تدمر بعد اجتياحها وتهجير أهلها، كذلك فعلت النصرة في مناطق تواجدها وربما بدرجة أقلّ، عناصر داعش الغرباء أغلبهم ألقى سلاحه واتجه مع عائلته باتجاه الشمال، وقد تلجأ تركيا إلى إغلاق الحدود لمنعهم من الانسحاب، مئات الغرباء تمّ تقدير أعداد الدفعة الأولى بنحو 600 مقاتل أصبحوا قرب الحدود الحالية، وربما نجح البعض في التسلل إلى الداخل المحتلّ من الأراضي السورية الشمالية على محور أورفه أو ديار بكر.

القصف السوري الروسي المشترك كان مزلزلاً وصاعقاً وشكل بداية النهاية لوجود داعش في المحافظة، كذلك حدث في محيط تدمر والقريتين ومحيط حمص الشمالي، ما أدّى إلى تدمير مراكز القيادة والسيطرة ومستودعات الذخيرة وأعداد كبيرة من الآليات العسكرية، وأيضاً بدأت حركة الانسحابات وإخلاء المدينتين وتوجه كثيرين على محور السخنة الرقة للوصول إلى الحدود الشمالية والبحث عن ممرات للخروج لمن يبقى على قيد الحياة فهؤلاء تلاحقهم طائرات الاستطلاع والحوامات وعناصر الجيش والقوى الداعمة له.

منطقة الحولة التي أقامت فيها جبهة النصرة قواعدها ومعسكراتها على مساحة واسعة في الشمال الغربي لمدينة حمص من نقطة سدّ تلدو وحتى بلدة عقرب، وهي بطبيعة الحال على اتصال مع منطقة الرستن شرقاً، تعرّضت أيضاً لقصف شديد، وصادف وجودي في منطقة قريبة من عقرب لحظة إغارة الطائرات، للوهلة الأولى شعرت بارتجاج شديد في الأرض تلت ذلك أصوات الانفجارات وكأنها عاصفة رعدية، تصاعدت سحب الدخان والغبار، ودامت طويلاً انفجارات الذخائر وحرائق المستودعات، المناطق المستهدفة كانت على أطراف بلدتي عقرب وتل ذهب حيث مركز القيادة والمستودعات، إضافة إلى موقع تدريب، وقد تواردت الأنباء بعد ذلك عن تدمير هائل فيها وأعداد كبيرة من القتلى والمصابين، ولأنّ الطائرات لم تستهدف أياً من البلدتين، فقد بادر المسلحون فيهما إلى توجيه قذائفهم إلى قرية صغيرة محاذية التاعونة سقط بسببها عدد من الشهداء والجرحى المدنيين قبل أن يبدأ كثير من المسلحين عمليات انسحاب باتجاه الشرق نحو تلبيسة والرستن، ومعروف أنّ أغلب العناصر الإرهابية في المنطقة هم من جنسيات مختلفة أغلبهم تركمان وشيشان وبعض اللبنانيين والتونسيين، وهؤلاء في حال أسوأ ممن هم في المناطق الشرقية والشمالية باعتبار أنّ قطع طرق خروجهم من المنطقة أمر سهل، والمسافات التي يتوجب الانسحاب عبرها إن تمكنوا ستكون طويلة وصعبة، الخيار الوحيد أمامهم هو الموت أو الاستسلام خصوصاً إذا نجح الجيش في السيطرة على الطريق الدولي بين حمص وحماه وإغلاق منافذ الرستن وتلبيسة باتجاه الشرق عبر مسالك ضيقة محاذية لمجرى العاصي، إذ لا بدّ لهم من عبور محور حمص سلمية وهو تحت السيطرة شبه التامة للجيش وقوى الدفاع الوطني.

مؤشران هامان على نجاح وقوة العمليات الروسية السورية المشتركة، أو لنقل التحالف المشرقي الحديث ضدّ الإرهاب، حيث يقول رئيس تركيا المفجوع أردوغان «إنّ التدخل الروسي خطأ وسيؤدّي إلى عزلة روسيا»، في حين أنه لم يعتبر تدخله خطيئة قاتلة في الشأن الداخلي السوري، ومن المؤكد أنه هو من يشعر بالعزلة الخانقة بعد أن ربح لقب أبو المشاكل رغم شعاره… صفر مشاكل مع الجوار. على أردوغان انتظار الآتي وهو لم ير إلا القليل من تجربة لم تتجاوز الأسبوع.

أما رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون فيرى «أنّ التدخل الروسي في سورية خطأ فادح…!»، وهو الذي لم يقرأ أو يسمع عن فداحة تدخل الغرب في سورية واستهداف الشعب السوري بتدمير مقدراته خدمة لمشروع كبير يخدم الغرب والصهيونية العالمية، وأعتقد أنّ كثيراً من النصائح الروسية تمّ إبلاغها للغرب على مدى سنوات، إضافة إلى مبادرات جدية كانت كفيلة بحلّ الأزمة وتوفير الكثير من المعاناة والدماء والدمار على شعب سورية، كاميرون يرأس دولة تاريخها أسود وسلوكها أكثر سواداً تجاه المنطقة العربية والعالم الثالث، وهي كانت أكثر من ألحق الأذى والضرر بكلّ الكيانات العربية وخصوصاً في سورية بعد زرعها لدولة الكيان الصهيوني وإعطاء ما لا تملك لمن لا يستحق، لو نظر كاميرون إلى تاريخ دولته الأسود لخجل من نفسه وصمت حتى لا يفضح نفسه أكثر، إلا أنه مجرد بوق وأداة صهيو ماسونية يردّد ما تمليه عليه مصالح تلك المؤسسة الملعونة.

انطلق قطار الشرق ويبدو أنه أسرع مما توقع كثيرون، حتى الأميركان الذين يختزلون شعباً بكامله بشخص الرئيس، وكأنّ هذا الشعب لم يبلغ الرشد وهم الأوصياء عليه، نعم هو رئيس يمثل الشعب حقيقة، ومن يريد إسقاطه فإنما يريد إسقاط شعب بكامله وهذا أمر يرفضه الشعب السوري، الإدارة الأميركية أقلّ جرأة في انتقاد الموقف الروسي، فقط «يخشون» على الروس التورّط في الوحل السوري، الأميركان مصابون بتخمة الوحل في كلّ أنحاء العالم، الخوف ليس على الروس، بل لأنّ لدى الروسي أدلة قاطعة على عمق تورّطهم في وجود داعش وتمويله واستثماره أصالة ووكالة، وأنها أرادت من وراء ذلك زرع الفوضى التي بشرت بها، هي من يدّعي أنّ الحرب على الإرهاب قد تمتدّ عشرات السنوات، وهي من يعمل على إطالتها سواء بتمويل وتغذية المجموعات وادّعاء محاربتها أو دفع المزيد من الأنظمة لرفدها بعناصر المرتزقة.

جدية التحالف الجديد في حربه على الإرهاب أذهلت الأطراف الأخرى، وأفشلت أو دفعت ببوادر فشل مشاريعهم لتطفو على السطح، دول جديدة أخرى تعلن الرغبة في الانضمام إلى التحالف، الصين، كوريا الشمالية وجمهورية الشيشان، وربما أطراف عربية غير العراق، البحر المتوسط يزدحم بالأساطيل، وتتقاطع خطوط الطيران الحربي المختلف الجنسيات والأنواع في السماء السورية، سورية والجوار أشبه بمستودع كبير للمتفجرات أو الوقود وتكفي شرارة واحدة عن طريق صدام جانبي لإشعال حرب كونية، أعتقد أنّ اليهود هم الأكثر رغبة في نشوبها، هل يستحضرون الأسطورة، أين هم من موقعة مجيدو يسمّونها هرمجيدون …؟ نتنياهو يعلن أنّ كيانه في حالة حرب على الإرهاب لا هوادة فيها، رئيس وزراء العدو يفتح مشافي كيانه لاستقبال جرحى عصابات داعش والنصرة ويقوم بزيارتهم…! هؤلاء مجاهدون أصدقاء أصحاب الأرض الأصليين… هم «إرهابيون»، الأسطوانة ذاتها المتداولة في الغرب: من معنا مناضل، ومن ضدّنا إرهابي، معاد للسامية، في الغرب يسمّونه سفاحاً أو ديكتاتوراً، التسميات بلا ثمن، بلا خسارة، بالإمكان وصف الملائكة بأنهم شياطين… أين هو الحكَم ومن هو المرجع الصالح ليعطي للتسميات شرعيتها…؟

في ستينيات القرن الماضي كادت كوبا أن تكون السبب في نشوب حرب نووية، قبل ذلك وقعت حربان كونيتان لأسباب تبدو تافهة أمام أحداث الزمن الذي نعيش، فهل تكون سورية، الموطن الأول للإنسان السبب الرئيس في نهاية البشرية أم تكون نقطة انطلاق عملية حاسمة للقضاء على الإرهاب في العالم بعد استفحاله بدعم من قوى الغرب الشريرة والمارقة…؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى