جميل باييك: سياسة عزل أوجلان فشلت… وتركيا متحالفة مع «داعش» و«النصرة» في سورية

نظام مارديني

أكد الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني KCK ، ونائب زعيم حزب العمال الكردستاني جميل باييك «أنّBkk لا يكنّ العداء لتركيا، بل إنّ تركيا هي التي تكنّ العداء للأكراد، بسبب عنصرية هذه الدولة وشوفينيّتها التي لا تعترف بوجودنا»، لافتاً إلى «أنّ الحرب ضدّ هذه السياسة الجائرة ستستمرّ حتى يوقف حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم تركيا منذ 2002، مجازره ضدّ شعبنا تحت نظر أميركا وأوروبا. ولم تتوقف محاولات إلغاء ثقافتنا ولغتنا، رغم مساعي القائد عبد الله أوجلان في بذل جهود كبيرة لفتح أبواب للحوار والسلام ووقف إطلاق النار بيننا وبين الدولة التركية، والتي باءت بالفشل بسبب سياسة أردوغان الذي سعى إلى عزل أوجلان ومنع التواصل معه».

وانتقد باييك موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس «إقليم كردستان» مسعود البرزاني في شمال العراق وعلاقته بالدولة التركية، «وهو لذلك لم يندّد بالعدوان علينا بل طالب الـ Bkk بالخروج من شمال العراق، وهو ما يفتح باب الأسئلة أمام هذا الموقف المرفوض من قبلنا».

وأشار باييك إلى دور تركيا وأردوغان في دعم الإرهاب في سورية من خلال التحالف مع «داعش» و«جبهة النصرة»، «وهو الأمر الذي ساهم في تعميق الأزمة السورية»، بحسب تعبيره.

وفيما يلي نصّ الحوار كاملاً

إلى أين تتجه، في رأيكم، الوقائع الميدانية بين Bkk والدولة التركية بقيادة الثنائي أردوغان ـ أوغلو؟ وعلى ماذا يراهن أردوغان في عدوانه على مواقع الحزب؟

ـ قبل كل شيء أريد أن أؤكد أننا، كحزب، لا نكّنُ العداء للدولة التركية، بل إنّ تركيا هي من تَكّنُ العداء للأكراد. إنّ نضالنا اليوم ضدّ سياسة الحكومة التركية العنصرية هو استمرار لنضالنا المستمر منذ 42 سنة، وهو سيستمر حتى تتوقف سياسة المجازر الثقافية والسياسية في حق شعبنا. الدولة التركية ما زالت تتعاطى مع «كردستان» على أنها منطقة توسع من أجل القومية التركية، ونتيجة لنضالنا المرير الذي أدى إلى كشف سياساتها الجائرة في مجال اللغة والثقافة، اضطرت إلى القيام ببعض الخطوات الإيجابية في هذا الاتجاه، ما يؤكد خطورة ممارسات هذا النظام في اضطهاد شعبنا. في البداية كانوا يقولون إنه «لا يوجد كرد»، والآن يقولون إننا «مواطنون من ذوي النسب الكردي»، بهدف إلغاء وجودنا.

ما زالت الحرب الخاصة مستمرة، ولطالما استهدفت سياسة أنقرة وجودنا كأكراد، عبر حرب نفسية فظيعة، سواء في الخارج أم في الداخل، وما يقوم به حزبنا Bkk هو تطوير المقاومة ضدّ هذه الحرب المستمرة بكلّ أبعادها وأشكالها في كردستان تركيا.

إننا نريد الوصول إلى حلّ للقضية الكردية على أساس الإدارة الذاتية الديمقراطية وفي حدود تركية، أي أننا نريد الوصول إلى هذا الحلّ عن طريق الحوار الديمقراطي. إننا ومنذ 2006 ولمرات عديدة قمنا بإعلان وقف إطلاق النار، وذلك من أجل منح الفرصة لحزب العدالة والتنمية ليتمكن من تطوير الحلّ على هذا الأساس.

قام القائد عبد الله أوجلان ببذل جهود كبيرة وفي أصعب ظروف الأسر من أجل حلّ القضية الكردية، سياسياً، وإحقاق الديمقراطية إلا أنّ حكومة أردوغان لم تقدّر هذه الفرص، حتى يمكن القول إنها قامت باستثمار صبرنا وقابلت دعواتنا البناءة إلى الحوار بالمماطلة وكسب الوقت من أجل استمرارية سلطته، وهو استخدم سياسة الوجهين، فاستغلّ تأييد المدنيين والجيش التركي عبر قوله: «سأماطل الأكراد وسأقوم بعد ذلك بتصفيتهم» من جهة، وتوجه إلى الأكراد والقوى الديمقراطية، من جهة أخرى، قائلاً: «إنّ حكومتي ستقوم بحلّ القضية الكردية»، وذلك بهدف الحصول على تأييد الجهتين والاحتفاظ بالسلطة.

بهذه السياسة الجائرة عمل أردوغان على تأسيس سلطته بالمماطلة والابتعاد عن إيجاد حلّ للقضية الكردية، ورغم أنّ قواتنا كانت منسحبة من مناطق تواجدنا تركيا، من أجل فتح المجال للحلّ الديمقراطي حين قام حزب العدالة والتنمية بتشكيل أول حكومة، إلا أنّ أردوغان قرأ هذه الخطوة على أنها ضعف ولم يتقدم خطوة في مسار الحلّ المنشود.

لذلك وفي 1 حزيران 2004 اضطررنا أن نقوم بحملة عسكرية جديدة. في البداية لم تكن الحكومة تعرف كيف تتصرف، وقد طلبت وقف إطلاق النار مرة أخرى. قمنا حينها عام 2006 بإعلان وقف إطلاق النار. يمكنني القول إنه بغضّ النظر عن 2007 و2012 حيث تمّ خوض معارك ضارية، السنوات الأخرى كانت بشكل عام مراحل وقف إطلاق نار. وبالرغم من كلّ هذه الفرص لم تعمل الحكومة على حلّ القضية الكردية بل اتفق أردوغان مع قوى شوفينية بهدف القضاء على الأكراد، مقابل قبول التيار الإسلامي السياسي في الدولة.

لذلك ورغم جميع الجهود المخلصة للقائد أوجلان، قام أردوغان باستثمار هذه الفترة، ويمكن رؤية هذا الموقف بشكل ملموس في رفضه للتوافق الذي كان قد تحقق بين هيئة «حزب الشعوب الديمقراطي» بشكل مشترك في 28 شباط 2015. وقال ناقضاً الاتفاق: «لا توجد قضية كردية، ولا توجد مفاوضات». ليتم بعدها قطع الحوار مع أوجلان والتضييق عليه في سجنه الانفرادي.

كلّ هذه الأحداث والمعطيات تؤكد عدم وجود استراتيجية حلّ من قبل حزب العدالة والتنمية، وبعد أن هُزم في انتخابات 7 حزيران، ومن أجل أن يكسب شرعية لسلطته ويضعف الحركة الكردية، قام أردوغان بإعلان الحرب علينا، وهدف من وراء ذلك إلى تطوير نظام سياسي مُهيمن وأوتوقراطي، وقد قام بتطوير الاتفاق مع العنصريين.

أردوغان يريد أن يرسّخ سلطته في الدولة بهذا الشكل، لذلك قاتل الأكراد وجميع القوى الديمقراطية.

من هذا المنطلق نؤكد أنه إذا لم يتم ضمان حقوق الأكراد في الدستور، ولم يتم قبول الدولة التركية للإدارة الذاتية ورفع جميع العوائق أمام التعليم الرسمي باللغة الكردية سيستمر نضالنا. لن ترضى الحركة التحرّرية الكردستانية بسياسة المماطلة من الآن فصاعداً. فإما أن يتم تأمين ظروف متساوية وحرة ليتمكن أوجلان من البدء بالمفاوضات، وإما أن تستمر المقاومة إلى حين نحقق حياة حرة وديمقراطية لشعبنا. إننا واثقون بأنّ حزب العدالة والتنمية سيُهزم، لا محالة، في الحرب التي أعلنها ضدّ الأكراد.

لم نُفعِّل عملياتنا

حذّرتم الدولة التركية من أنكم ستعيدون القوات التي تمّ سحبها من داخل تركيا وأنكم ستعلنون الحرب إذا لم تتوقف الهجمات التي تستهدفكم، ماذا عن خلفيات وتبعات هذا التحذير؟

ــ عام 2013 قمنا بسحب 40 في المئة من قواتنا إلى المناطق الجنوبية شمال العراق . ولأنّ حكومة أردوغان لم تقم بإصدار قوانين تمنح الشرعية للخطوات التي نقوم بها، قرّرنا وقف الانسحاب من دون أن نلجأ إلى زيادة قواتنا في مناطق تواجدنا منذ ذلك الحين. حتى أنّ الذين كانوا ينضمون إلى صفوفنا كنا نسحبهم إلى المناطق الجنوبية شمال العراق ، إلا أنّ الهجوم الذي بدأته الحكومة التركية في شهر تموز أدى إلى عدولنا عن هذا القرار وسوف نعمل على زيادة قوتنا من الناحيتين المادية والمعنوية في مناطق تواجدنا. إلا أننا في الوقت الراهن لم نضع نصف قواتنا الموجودة في الفعالية. لكن إذا ما بادرت تركيا إلى مهاجمة شعبنا في المدن سنقوم بتوسيع الحرب.

الجدير بالذكر أنّ الحرب لم تتوسَّع بعد في المدن التركية وما زالت في نطاق كردستان جنوب شرق تركيا . وأريد أن أوضح أمراً مهماً في هذا الصدد، وهو أننا لا نهاجم الجنود الذين لا يشاركون في الدوريات، وقد قمنا باستهداف الشرطة والقوات العسكرية التي تخرج من أجل تمشيط مناطقنا، بالإضافة إلى أننا أوقفنا العمليات الفدائية. كلّ هذا يعني أننا إذا قمنا بتفعيل قواتنا كافة بالإضافة إلى العمليات الفدائية، فإنّ وتيرة المواجهة ستتضاعف، نسبة إلى المستوى الموجود حالياً.

تركيا قوة استعمارية

منذ سنوات أعلن أوجلان أنّ هدفه من هذا النضال هو أن يجعل المواطن الكردي شريكاً في المبنى التركي لا أن يكون ناطوراً، كيف تحدّدون معالم الحلّ السياسي الشامل للقضية الكردية، رغم الدعوات التي توجهها الدولة التركية إلى Bkk لإلقاء سلاحه والاستسلام من دون أي مقابل؟

ـ بالطبع القائد أوجلان يريد أن يتم حلّ القضية الكردية بشكل عادل وعلى أساس المساواة والديمقراطية الحقيقية، وهو يعطي الأهمية للديمقراطية لا للدولة. إنه يؤمن بأنّ الديمقراطية الحقيقة هي التي يمكن أن تكسب الشعوب، وعصرنا أيضاً يدعو إلى شيء كهذا.

من الواضح جداً، أنّ الدولة القومية الشوفينية قامت بتسميم السياسة وجعلتها بشعة جداً في عالمنا الراهن، وخصوصاً في منطقتنا إذ لم يتم قبول الأديان والاثنيات المتعدّدة الموجودة بشكل ديمقراطي، ما يُعيق إيجاد حلّ للقضايا العالقة. لذلك طرح القائد أوجلان مشروع «الأمة الديمقراطية»، أي أنه قام بتطوير مفهوم الأمة الديمقراطية المتنوعة الهويات كبديل للتعصب والدولة الشوفينية، وهذا يمكن أن يتحقق في الظروف التي تكون فيها الديمقراطية سائدة في تركيا والمنطقة ككلّ. ومن أجل حلّ القضية الكردية نحن نضع قبول القائد أوجلان الممثل لإرادة الشعب الكردي، كمفاوض، كشرط أساسي. وإذا لم يتم إطلاق سراح أوجلان لا يمكن حلّ القضية بتاتاً، لأنّ الذي لا يقبل الإرادة السياسية للشعب الكردي لا يمكن أن يقوم بحلّ قضيته. من دون شك يجب ضمان الوجود الكردي عن طريق الدستور، وما يقابله في النظام الديمقراطي هو قبول الإدارة الذاتية الديمقراطية للشعب الكردي من أجل أن يتمكن الشعب الكردي من تحقيق ذاته بلغته وثقافته. ويُعتبر التعليم بلغة الأم بالنسبة إلى الأكراد، أمراً لا بدّ منه وقد تعرض شعبنا لمجزرة ثقافية وإذا ما تمّ تحقيق الديمقراطية يمكن أن يتم ضمان هذه الحقوق. هذا يعني إنه يمكن أن يتم حلّ القضية الكردية بشكل متوازٍ مع تطور الديمقراطية في تركيا. من لا يقبل بالآخر في تركيا لا يمكن أن يحلّ القضية الكردية أيضاً. إننا نقيم الديمقراطية كنظام متكامل وإذا ما تمّت مقاربة كلّ القضايا في تركيا بشكل متكامل حينها يمكن أن يتم حلّ القضية الكردية بشكل جذري.

من هذا المنطلق الوثيقة التي كان قد تمّ التوافق عليها في 28 شباط بين الحكومة التركية و«حزب الشعوب الديمقراطي» كانت وفق توجيهات القائد أوجلان وكانت تعتمد في أساسها على المفهوم الديمقراطي.

إنّ مطالبة أنقرة بتركنا السلاح وانسحاب مقاتلينا جاءت لتفرض علينا الاستسلام، وهذا الأمر مرفوض من قبلنا ونحن نرفض حتى مجرد مناقشته، لأننا قمنا بسحب قواتنا مرتين أملاً بأن يكون هناك مقابل سياسي، لكن بدلاً من ذلك قالوا لنا: «ليكن طريق مقاتليكم إلى جهنم». لذلك رفضنا سحب قواتنا أو ترك سلاحنا.

والجدير بالذكر أنّ الهدف من توجهات الدولة التركية هو التأثير على الفئات القومية المتعصبة، رغم أنّ حكومة أردوغان تعلم جيداً أنه لا يمكننا قبول هذا الشيء. نقول، وبكلّ وضوح: إذا لم يتم القضاء على أسباب ظهور حزب العمال الكردستاني فإنّ وجوده سيستمر لا محالة، وإذا استمرّ الإصرار على هذه التوجهات نحن أيضاً نقول لهم: الجيش والشرطة التركية قوات استعمارية ويجب أن تترك أرضنا.

إنّ من يريد الحلّ لا يصرّ على استسلامنا. هذه المقاربات، وكما يقال، تشبه وضع العربة أمام الحصان. لذلك لا نأخذها بعين الاعتبار.

أميركا طرف ثالث

تطلبون ضمانات أميركية لإطلاق عملية السلام المتوقفة بين Bkk والدولة التركية بسبب تراجع أردوغان عن الأهداف التي اتفق عليها بين الجانبين، هل تثقون بحليف تركيا الذي يعتبر حزبكم حركة إرهابية؟

ـ في الكثير من التجارب في العالم هناك دائماً طرف ثالث. الطرف الثالث يقوم بتسهيل الأمر. في حين نعلم، بالطبع، أنه لا يكون المعين. وإذا تمّ التفاوض أم لم يتم، سيقوم الطرف الثالث بدور الشاهد على المناقشات الجارية. للأسف الشديد، جميع الدول التي تصنفنا إرهابيين تعلم جيداً أننا نمثل الشعب الكردي، ولكن مراعاة لعلاقات هذه الدول مع تركيا فهي تستخدم هذا المصطلح.

أميركا وأوروبا تعلمان جيداً أننا نخوض نضالاً تحرّرياً، وقد قمنا بالتوقيع على اتفاقية جنيف ونحن نعمل في ضوئها، وإذا كان هناك من يخلّ بهذه الاتفاقية ويقوم بقتل المدنيين، فهو بالتأكيد الدولة التركية. حزب العدالة والتنمية شنّ ولا يزال حرباً قذرة، وما زلنا نذكر قول أردوغان عن شعبنا «امرأة كانت أماً لطفل لا يوجد فرق يمكن أن تقتلوهم في وقت الحاجة». وبالفعل قاموا بقتل الأطفال والنساء، وتمّ ذلك على مرأى ومسمع أميركا وأوروبا.

إن نضالنا عادل وفي وجود شعبنا، حتى الآلهة الظالمة الموجودة في الأساطير لا يمكن أن تنكر كفاحنا من أجل الحرية. أميركا تعلم جيداً كيف يمكن حلّ مثل هذه القضايا. لذلك نحن واثقون بأنّ موقف أميركا سيكون حيادياً وعقلانياً أمام الحلول الموضوعية.

عندما بدأت تركيا حربها ضدّ شعبنا، طالبت أميركا وأوروبا، معاً، بوقف إطلاق النار من قبل الطرفين والعودة إلى الحوار. هذا التوجه يؤكد أنّ الغرب يعلم تماماً ما هي جذور المشكلة. باختصار إننا واثقون من موقفنا ونرى أنّ أي دولة تقوم بالوساطة يمكن أن تقترب من العدالة.

سياسة عزل أوجلان

تفرض الدولة التركية حالة من العزلة على عبد الله أوجلان، وتجعل من قضية الاتصال معه وزيارته من قبل محاميه وذويه، عرضة للبازار السياسي، مثلما عملت هذه الدولة بشخص أردوغان على تخريب محادثات حلّ أكثر القضايا تعقيداً وأهمية في تركيا. في رأيك، هل أراد أردوغان التوجه إلى الحرب على حزب العمال الكردستاني لشدّ العصبية الطورانية قبل الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها؟

ـ الجميع يعلم مدى أهمية عبد الله أوجلان بالنسبة إلى الشعب الكردي. إنّ كلّ اقتراب إيجابي وسلبي ينعكس، بالدرجة الأولى، على الموقف من أوجلان. من هنا رأينا، وبعد رفض الاتفاق في 28 شباط الماضي من قبل أردوغان، كيف تمّ فرض العزلة مباشرة على القائد أوجلان. العائلة والمحامون أيضاً لا يمكنهم مقابلته. ليس هذا فحسب، فمنذ 6 أشهر يتم ممارسة العزلة على خمسة رفاق موجودين في السجن نفسه.

بالطبع في مدة التجريد هذه تتم ممارسة ضغط نفسي كبير على أوجلان. منذ 16 سنة يتعاطون معه كرهينة. إننا والقائد أوجلان نعلم أسباب هذه الممارسة بشكل جيد. لذلك نحن نرفض أن يتحول هذا الوضع إلى ورقة ضغط. أوجلان هو قائد شعبنا، وإذا ما تمّ التفاوض يجب أن يكون معه وفي ظروف تحقق له الحرية للقيام بدوره.

حركتنا تؤكد دائماً على أنّ الممارسات المطبقة في حقّ القائد أوجلان هي ذريعة للحرب والسلام، وهذه العزلة هي بمثابة إعلان حرب، إذ بدأت الدولة التركية بتطبيقها، أولاً بحرب شفهية وبعدها بحرب عسكرية. قبل انتخابات 7 حزيران أراد حزب العدالة والتنمية أن يكسب الانتخابات عن طريق هذه السياسة، لكنه أراد، بعد أن خسرها، أن يحمي سلطته عن طريق إعلان الحرب، بحيث منع تشكيل الحكومة الائتلافية ومن ناحية أخرى قام بإعلان الحرب من أجل تحقيق مشروعية للحكومة. بالطبع هذه السياسة تؤدي إلى تعقيد القضية الكردية بشكل أكبر، بالرغم من أنّ الحكومة تعلم جيداً أنّ سياسة العزلة ستكون لها ردود فعل كبيرة من قبل شعبنا، لكنّ استمرارهم في هذه الممارسة يؤكد أنهم سيستمرون في توسيع هذه الحرب بشكل أكثر.

حروب نفسيّة ضدّنا

حاولت الحكومة التركية دقّ إسفين من خلال الحديث عن تباين بين موقف أوجلان وكل من حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي. كيف تردّون على ذلك؟

ـ منذ عشرات السنين تمارس الدولة التركية الحرب النفسية، بهدف بث الشكوك في صفوفنا ومن أجل أن تحقق التأثير السلبي على ارتباطنا بقائدنا. فهي تدرك مدى حساسيتنا تجاه قائدنا لذلك تعمل بشكل دائم على تحريضنا. هذه المحاولات كلها من دون جدوى. أوجلان يعرفنا ونحن نعرفه بشكل جيد. هذه الحركة هي حركة قائدة لذلك هي تقوم في كلّ خطوة من خطواتها من أجل تحقيق النصر لما رسمه القائد أوجلان من استراتيجية، ولا يمكن أن يكون هناك موقف آخر. هذه الشائعات لا تؤثر علينا ولا على القائد أوجلان لأننا نعلم جيداً ضراوة الحرب التي تمارسها الدولة التركية.

إنّ محاولات بث التفرقة بين الحركة وحزب الشعوب الديمقراطي لا جدوى منها، لأنّ حزب الشعوب هو حزب تشكل وترعرع في خضم النضال التحرّري، وهو جزء من نضال شعبنا، بالإضافة إلى أنّ تأسيس حزب الشعوب الديمقراطي هو تطبيق لتوجيهات القائد أوجلان بصدد الأمة الديمقراطية. لذلك لا يمكن أن يتم خلق تناقض. ولأنّ حزب الشعوب الديمقراطي حزب علني لذلك يتم الضغط عليه بشكل دائم، عبر الطلب منه أن يضع مسافة بينه وبين حزب العمال الكردستاني. هم يفرضون عليه أن يدعو حزب العمال الكردستاني إلى ترك السلاح ومناهضة عمليات قوات حماية الشعب.

في دولة فاشية مثل تركيا إن يقوم حزب مثل حزب الشعوب الديمقراطي بممارسة هذه السياسة صعب بالطبع. ومن أجل الوقوف ضدّ هذه الضغوطات هناك حاجة إلى إرادة قوية. إنّ حزب الشعوب الديمقراطي يعتمد على ميراث عمره 25 سنة وهو صاحب القوة والوعي اللذين يمكنانه من مواجهة هذه السياسات. هو يملك المناعة أمام هذه الممارسات.

في الحقيقة إنّ هذه السياسات موجهة في الوقت نفسه، إلى شعبنا والقوى الديمقراطية، إلا أنّ شعبنا وتلك القوى، ونتيجة تجربة السنوات، لا تتأثر، وقيام حزب العدالة والتنمية بممارسة هذه الطرق البالية يؤكد ما يعانيه من ضعف. نحن أصحاب القوة الإيديولوجية والسياسية التي تفرغ هذه السياسات.

تصريحات ح د ك خطأ

كيف تقيّمون علاقتكم مع «إقليم كردستان» بشكل عام، وما هو رأيكم بتصريحات رئيس الإقليم مسعود البرزاني الذي طالب مقاتلي Bkk بالخروج من شمال العراق؟

ـ إن سوء علاقة الأحزاب القريبة من ح د ك والموجودة في «روجآفا» أي شمال سورية مع حزب الاتحاد الديمقراطي ينعكس وبشكل مباشر على علاقتنا أيضاً. يعلم الجميع أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي هو حزب قوي في «روجآفا» وهو الذي يقوم بوضع سياسته الخارجية والداخلية.

ففي مسألة «شنكال» في شمال العراق ظهرت بعض الاختلافات. إننا نريد أن يكون لشنكال خصوصيتها كونها أيزيدية وأن يكون لها قوة دفاعية خاصة بها وهذا لا يمنع أن تكون جزءاً من «إقليم كردستان». وبعد المذبحة التي تعرض لها شعبنا الأيزيدي على يد «داعش»، يعتبر اتخاذ مثل هذه التدابير أمراً لا بدّ منه، وهذا لا يرضى به ح د ك.

إننا واثقون بأنه إذا ما تمّ التوافق بشكل بناء وبدراية يمكن تجاوز هذه التناقضات بسهولة، بدلاً من أن تصبح بعض الساحات أرضية للتناقضات، بل بالعكس تماماً علينا أن نجعلها أماكن للتعاون والقواسم المشتركة بيننا.

بالطبع لم تكن المطالبة بأن تخرج قواتنا من «إقليم كردستان» بعد قصف الطائرات التركية منطقية. وإنّ عدم تنديد ح د ك بالهجمات التركية لم يكن موقفاً صحيحاً. ففي الوقت الذي تمّ فيه قصف المدنيين في قرى قنديل وحرق الأراضي، بدلاً من أن يتم وضع الموقف أمام تركيا، صرحوا بأنّ حزب العمال الكردستاني يجب أن يترك أماكنه.

إنّ إطلاق هذه التصريحات لا يخدم الوحدة الوطنية الكردية، في الوقت الذي يعيش القائد أوجلان وضع العزلة ويتم رفض الاتفاق من قبل أردوغان إلا أنّ ح د ك لم يندّد بذلك ولو بجملة. كلّ هذا يبرهن للعالم أنّ هناك مشاكل جدية بيننا وبينهم. بما إننا نناضل ضدّ تركيا وما دامت علاقات ح د ك وتركيا «جيدة»، فإنّ هذه التقييمات وهذه الأسئلة ستستمر.

الملف السوري هو أزمة المنطقة

كيف تقيمون واقع الأزمة السورية ودور وحدات حماية الشعب في مناطق عين عرب وتل الأبيض والقامشلي؟

– إنّ الأزمة السورية هي جزء من أزمة الشرق الأوسط. منذ سنوات ومنطقتنا تعاني من حرب عالمية ثالثة. التوازنات الجديدة في العالم والسنوات العشر المقبلة هي التي ستحدّد مصير هذه الحرب. لذلك نرى أنّ جميع القوى تشارك في الحرب السورية. التوازنات الجديدة التي ستتشكل في سورية ستؤثر وبشكل مباشر على التوازنات والأنظمة السياسية في المنطقة. الحرب في سورية عنيفة جداً، ومن أجل الوصول إلى نتيجة يتم استخدام كلّ الطرق. الحرب في سورية هي حرب قذرة، وقد خلقت أرضية لاتفاقات غير متوقعة، منها الاتفاق الموجود بين كلّ من تركيا و«داعش» و«جبهة النصرة».

إنّ الدور التركي كبير جداً في تعميق الأزمة السورية، وهذا الدور يتطور على أساس العداوة للأكراد، من أجل القضاء على ثورة الأكراد هناك قامت تركيا بتقديم كلّ ما في وسعها لـ «داعش» و«جبهة النصرة». من هنا يمكن أن نتعرف على طريقة مقاربة أنقرة للقضية الكردية داخل تركيا أيضا.ً

تركيا تحاول، عن طريق «داعش»، أن تقضي على أكراد سورية وأن تكون ذات تأثير في سياسة الشرق الأوسط، كما كانت الامبراطورية العثمانية بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، لكنّ موقف أكراد سورية قضى على حلمها الإمبريالي هذا.

الأزمة السورية مستمرة ولكن هناك إمكانية لتأسيس سورية جديدة تمثل وتضم الجميع. والأكراد في سورية مرشحون للقيام بدور كهذا.

إذا ما تمّت إدارة الأزمة في سورية بشكل صحيح يمكن أن يتم تحويلها إلى نقطة انطلاق من أجل سورية وشرق أوسط ديمقراطي. إنّ الأزمة يمكن أن تتحول إلى فرصة وهذا لا يحصل بسرعة وإنما كلّ مئة أو مئتي سنة. حيث تولد أنظمة سياسة واقتصادية واجتماعية جديدة ليتم تحقيق الاستقرار بعدها. إنّ سورية تبحث الآن عن البنية السياسية الجديدة التي تلائمها، ويمكن أن يتحقق ذلك عن طريق الحوار الديمقراطي.

إنّ وحدات حماية الشعب تقوم بتحقيق النجاحات اعتماداً على نهج سياسي. إنّ أيديولوجية القائد أوجلان ومفهومه في عملية الدفاع الذاتي لها تأثير كبير ومصيري في النجاحات التي حققتها حتى الآن. ووحدات حماية الشعب ليست فقط قوة حماية للأكراد وإنما تحمي العرب والسريان والآشوريين والأرمن وكلّ المكونات الموجودة في المناطق.

لولا وحدات حماية الشعب لكانت المناطق الكردية عاشت أيضاً عمق الأزمة السورية، بعد أن يحول «داعش» هذه المناطق إلى أنقاض. في حين أنّ حمايتها جعلت من هذه المناطق جزيرة آمنة مستقرة ومكاناً يدعو إلى الأمل والطموح لحياة جديدة. مثال على ذلك أنّ المواطنين العرب الموجودين في الحسكة ودير الزور يلجأون إلى القامشلي ومئات الآلاف من ساكني عزاز وحلب أيضاً لجأوا إلى منطقة عفرين.

الأكراد قوة تغيير في المنطقة

أصبح نلسون مانديلا رئيساً لجنوب أفريقيا بعد أن سُجن 27 عاماً وأصبح رجلاً أفريقي الجذور هو باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة بعد اغتيال داعية الحقوق المدنية الأميركي مارتن لوثر كينغ، عام 1968. إذا ما أخذنا في الحسبان الوقائع الميدانية المتغيرة في تركيا والمنطقة، هل تتوقعون أن يصبح أوجلان رئيساً للوزراء في تركيا مثلاً، مثلما أصبح جلال طالباني رئيساً للعراق؟

– بالطبع هذه الأمثلة تدلّ على أنّ الشعوب والمجتمعات المُضطهدة إذا ناضلت يمكنها أن تقضي على الأنظمة البالية. إنّ منطقتنا الآن تعيش مرحلة انهيار الأنظمة الديكتاتورية وتدخل عصر الشعوب، وخصوصاً أنّ الاستعمار الممارس على الشعب الكردي فقد إمكانية استمراره. تحول الأكراد، نتيجة نضال السنوات، إلى قوة تغيير في المنطقة، وإذا لم يتم أخذ الأكراد بعين الاعتبار لا يمكن أن يتم تطوير الاستقرار في تلك الدول. وفي القرن الحادي والعشرين فإنّ الشعوب التي تحمل القيم الديمقراطية هي التي ستكون في المقدمة. لذلك أي شعب أو قائد يتحرك وفق هذه القيم ويكون صاحب سياسة حلّ سيكون هذا الشعب وهذا القائد في الريادة. ومن أجل إخراج المنطقة من هذه الأزمة هناك حاجة إلى قادة سياسيين مبدعين. وهذه المواصفات موجودة في القائد أوجلان.

من دون شك القوة الإيديولوجية، العمق الثقافي والمهارة السياسية الموجودة لدى أوجلان حولته إلى قوة في المنطقة. إنه قيادي يمكن أن يقدم الحلول لما تعيشه المنطقة، وهو يعرف نفسه كشخصية وقيادة شرق أوسطية. إنه بالطبع يمثل في شخصه القيم الكونية أيضاً. حتى إنه يرى نفسه المدافع عن حقيقة الشرق الأوسط تجاه النظرة الاستشراقية الدونية المتطورة من قبل الغرب تجاه شعوبنا. لذلك أكثر من كونه قائداً كردياً، إنه قائد وشخصية قامت بالكشف ثانية عن القيم الثقافية والتاريخية لمنطقة الشرق الأوسط. لذلك فإنّ تقييم القائد أوجلان على أنه قائد كردي فقط سيكون تقييماً غير عادل. فهو الذي طرح مشروع الأمة الديمقراطية، وهي نقيض القومية العنصرية والشوفينية.

أوجلان بقوته الفكرية، بإيديولوجيته الاجتماعية ومفهومه السياسي الذي يعتمد على مفهوم الأمة الديمقراطية بقدر مانديلا. أوباما وطالباني جديران بالقيادة. حتى إذا ما تمّت المقارنة لا يوجد نقص بل هناك ما يزيد عنهم في شخصية أوجلان. يمكن ألا تكون شعوب الشرق الأوسط قد أضافت المعنى الكافي لما يمثله القائد أوجلان من أجلها، ولكنها ستشهد مستقبلاً. أوجلان هو القائد الذي سيقوم بجعل منطقة الشرق الأوسط مركز الحضارة الإنسانية من جديد. إنني واثق بأنه بقدر ما يتم استيعاب فكر وفلسفة أوجلان من قبل شعوب المنطقة، لن يكون مستحيلاً وصول الشرق الأوسط إلى المكان اللائق به، في الوقت الذي أصبح فيه الأكراد قوة فاعلة في المنطقة. لا يوجد سبب يعيق أن يصبح قائداً يتمتع بالكفاءة مثل أوجلان قائداً في تركيا. إنني واثق بأنه تحت قيادة أوجلان ستتحول تركيا إلى وطن جذاب ونموذج للمنطقة من ناحية الديمقراطية. وبمفهومه الديمقراطي المناهض للهيمنة والتوسعية سيحقق لتركيا وكلّ الشعوب حياة يحتذى بها. الشعوب التركية بما قدمته من تضحيات من أجل الديمقراطية خلال نضال سنوات طوال لائقة بقائد مثل أوجلان.

إلا إنني أودّ القول إنّ أوجلان قائد مناهض للسلطة، وضدّ كل أنواع وشخصيات السلطة. إنه صاحب ذهنية تعتمد على الشخصية الديمقراطية، ويدعو إلى نظام ديمقراطي. لذلك في المكان الذي تسود فيه الديمقراطية والحرية القائد أوجلان ومن دون أية صلاحية أيضاً، يمكنه أن يلعب دوره. إنه وبالرغم من وجوده في السجن الانفرادي خلال 16 عاماً، لا يزال يطبع الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا بطابعه. ولأنه مؤمن بذهنيته الاجتماعية الديمقراطية، وواثق من قوة نظريته، كان يقول: «حتى ولو كنت في القبر يمكن أن ألعب دوري». إنّ القائد أوجلان، بقوته الفلسفية والفكرية والعلمية وخطه السياسي الديمقراطي، مرشح لأن يكون قائداً على مستوى المنطقة أجمعها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى