خريطة «داعش» في أفريقيا

د. رفعت سيد أحمد

لم يول الباحثون في شؤون الحركات الإسلامية، ولا المراكز البحثية المتخصصة، أهمية بالقدر الكافي، لواقع ومستقبل تنظيم داعش في أفريقيا، لقد اهتموا به في العراق وسورية، ولكن أهملوا أو قللوا من شأنه داخل القارة السوداء، لأسباب عدة، ربما لأنّ إرهاب هذا التنظيم لم يصل بعد داخل أفريقيا إلى نفس الدرجة الدامية من العنف التي مارسها خلال السنوات الماضية في العراق وسورية، وربما لأنّ الراعي الأكبر لهكذا تنظيمات ونقصد به هنا واشنطن وتل أبيب لم يرغب في استخدامه بشكل موسع ومخيف في أفريقيا الآن، مستبقياً إياه لمراحل ووظائف مستقبلية آتية، وربما لأسباب أخرى لا نعلمها.

على أية حال نحن أمام واقع جديد ومهمّ تمدّد لـ«داعش» في أفريقيا وأمام وظائف جديدة لهذا التنظيم الأكثر شهرة وإرهاباً بين تنظيمات التطرف الإسلامي، وفي ما يلي رسماً لخريطة انتشاره في أفريقيا وكذلك أهداف مستخدميه لأهداف استراتيجية لهم داخل القارة نقصد تحديداً واشنطن وتل أبيب .

أولاً: تحدّثنا خريطة تواجد وانتشار تنظيم «داعش» في أفريقيا أنها تتوزع على عشرة أماكن قلقة ودامية وهي:

1 داعش في سيناء: والتي كانت تسمّى تنظيم «أنصار بيت المقدس» ثم أضحت تسمّى ولاية سيناء وتعدادها الحالي لا يتجاوز خمسة آلاف عنصر، هذا وتجمع الحقائق المتوفرة حول تنظيم داعش ـ ولاية سيناء أنّ اسمه الأصلي الذي عرف به هو أنصار بيت المقدس ، قد عُرف بهذا الاسم منذ عام 2011 من عناصر فلسطينية سلفية وبدوية من أهل سيناء ، وبعد أن بايع هذا التنظيم أبو بكر البغدادي سُمّي بـ داعش ـ ولاية سيناء وكان ذلك في 10/11/2014.

إنّ تاريخ الإرهاب والغلوّ الديني في سيناء، ينبئنا بأنّ النشأة الأمّ لهذا التنظيم بدأت عام 2004 وكان الاسم المعروف به هو التوحيد والجهاد والذي إليه تنسب أحداث إرهاب طابا ذهب شرم الشيخ في أعوام 2004 2005، والذي كان يقوده الفلسطيني السلفي هشام السعيدني الشهير بـ أبي الوليد المقدسي ، وهو الرجل الذي تتلمذ على أيدي أبو اسحاق الحويني وفتاويه التكفيرية القائمة على إلغاء الآخر والشطط الديني، وبعد أن قتل السعيدني في 2011، ينبئنا تاريخ التنظيم أنه قد توالى على قيادته كلّ من محمد حسين محارب الشهير بـ«أبو منير» وبعد مصرعه عام 2013 تولى كلّ من محمد فريج زيادة الذي قتل أيضاً ثم شادي المنيعي وهشام العشماوي قيادة التنظيم، والأخير انشقّ حديثاً مكوّناً تنظيمياً إرهابياً جديداً أسماه المرابطين ، وتولى أمور الفتوى وإباحة القتل لهذه التنظيمات دعاة من أبرزهم حمادين أبو فيصل محمد عزام أسعد البيك سلمى سليم وغيرهم! تلك أبرز الأسماء للقادة والمفتين كما ينبئنا تاريخ داعش ـ ولاية سيناء .

ولقد ارتكب تنظيم داعش ت ولاية سيناء أكثر من 50 حادثاً إرهابياً في سيناء وبعض المحافظات المصرية وفي المنطقة الغربية حادث الفرافرة مثالاً ، بعض تلك الأعمال الإرهابية كان محدود الأثر والصيت والبعض الآخر صاحبه ضجيج دعائي وسياسي واسع مثل مذبحتي رفح الأولى والثانية محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم – مذبحة كرم القواديس الكتيبة 101 والعريش ومديريتي أمن القاهرة والمنصورة اغتيال النائب العام هشام بركات واقعة الشيخ زويد في 1/7/2015 ، التي كانت تستهدف الاستيلاء على الأرض لإقامة الولاية المستقلة وهو مموّل من بعض الدول الخليجية تحديداً قطر وتركيا ومخترقاً «إسرائيلياً» على مستوى التسلّح والمعلومات.

2 داعش في ليبيا: ويتواجد التنظيم الذي يضم حوالى عشرة آلاف مقاتل في منطقتي سرت و درنة وأسس مع جماعات أنصار الشريعة ومجلس شورى شباب الإسلام وبعض عناصر جماعة فجر ليبيا الفرع الليبي للإخوان المسلمين وبقايا «الجماعة الإسلامية المقاتلة»، شكلوا معاً تهديداً أمنياً خطيراً على حدود مصر الغربية، ويتردّد أنهم كانوا خلف إنشاء ما يسمّى بجيش مصر الحر أسوة بالجيش العميل في سورية الذي يقاتل الدولة وبتمويل قطري وتركي وتدريب أميركي، ومن أشهر عمليات «داعش ليبيا» قيامه بذبح العمال الأقباط المصريين 15/2/2015 والمواطنين الأثيوبيين وتمّ تسجيل المذبحة في أفلام فيديو ذائعة الانتشار، أساءت للإسلام الذي يتحدّث هؤلاء باسمه.

3 داعش في تونس: وتنضوي تحت لواء تنظيم يسمّى عقبة بن نافع وهو منشقّ عن تنظيم «القاعدة» في تونس ويضمّ عدة مئات من المتطرفين الإسلاميين الذين قاتل بعضهم في سورية في بدايات الأزمة السورية آذار 2011 ثم عادوا إلى تونس ليرتكبوا مذابح مروّعة، منها حادث جبل الشعابيني متحف باردو وحادث فندق أمبيريال مرحبا في سوسة وغيرها من الأعمال الإرهابية التي لا تزال مستمرة في مواجهة الحكم التونسي الجديد الذي جاء إثر انتفاضة ديمقراطية واسعة ضدّ حكم «الإخوان» كما هي الحال في مصر بعد 30/6/2013 والذي كان يمثل أي حكم «الإخوان» في كلا البلدين حاضنة دافئة لترعرع وازدهار هذه الجماعة المسلحة داعش .

4 داعش في الجزائر: وينضوي تحت تنظيم جند الخلافة وهو بقيادة خالد أبو سلمان متعاوناً مع قيادات تنظيم القاعدة والتي من أشهرها عبد المالك دوركدال ومختار بلمختار وقوري عبدالملك وغيرهم، وهذا التنظيم مكروه شعبياً وثمة معاداة وطنية واسعة ضدّه، خاصة بعد تجربة التسعينات الدامية التي راح ضحية لها أكثر من مائة ألف جزائري.

5 داعش في المغرب العربي: والتنظيم هنا جاء انشقاقاً عن التنظيم الأكبر القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ووفقاً لبيانات وزارة الداخلية المغربية فإنّ 1354 مغربي قد ذهبوا للقتال في سورية تحت مسمّيات ودعوات مضللة باسم الجهاد في سورية وهو جهاد مزيّف تقوده هناك المخابرات الأميركية والقطرية والتركية بالتحالف مع «الموساد»، وهذا ليس تحليلاً بل معلومات باتت معروفة الآن للجميع، وبعد عودة جزء منهم إلى المغرب قاموا بأعمال عنف خاصة خلال عامي 2014 و2015 وقتل منهم حوالى 300 عنصر، و«داعش» في المغرب مثله مثل باقي فروع التنظيم في المنطقة لا يجد قبولاً أو ترحيباً شعبياً.

6 داعش في نيجيريا: ويمثله بوضوح وقوة تنظيم بوكو حرام بقيادة أبو بكر شيجو، وهو تنظيم إرهابي بات يسيطر على حوالى 20 في المئة من مساحة نيجيريا التي تعدّ أكبر دولة أفريقية من حيث التعداد البشري 177 مليون نسمة وأكبر دولة في إنتاج النفط، ولقد بايع التنظيم خلال عام 2014 تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق داعش وانضوى تحت لواء الخلافة الخاصة به، ويهدّد هذا التنظيم دول الجوار وهو يضمّ عدة آلاف من النيجيريين الذين دخلوا فيه لأسباب تتعلق بالفقر والتهميش والمعاداة الطائفية للجنوب المسيحي ولذلك حاول التنظيم تسمية نفسه أهل السنة والدعوة والجهاد .

7 داعش في مالي: وهو ينضوي تحت لواء يسمّى الملثمون ويعمل في شمال مالي، وكان يقوده مختار بلمختار والذي يتردّد أنه قتل بعد قيامه بعدة عمليات إرهابية وهدم للآثار الإسلامية وقامت فرنسا بحملة عسكرية موسعة ضدّ هذا التنظيم بمباركة دول أفريقيا عام 2014 وحجمته كثيراً.

8 داعش في الصومال: وهو ينضوي تحت اسم الشباب المجاهدين في الصومال وهي جماعة قديمة وسابقة على نشأة «داعش» في بلاد الشام والعراق، ولكنها أعلنت عام 2014 مبايعتها لتنظيم «داعش» بقيادة البغدادي ولقد هدّدت هذه الجماعة كينيا بعدة عمليات إرهابية، وهي تحاول الوصول إلى أثيوبيا والاستيلاء على بعض المواقع والدخول في مناوشات مسلحة مع الدولة الأثيوبية التي تمثل عقبة دينية حيث الأغلبية الشعبية في أثيوبيا تدين بالمسيحية وهي عقبة مهمة في سبيل تمدّد جماعة الشباب المجاهدين والتي تضمّ في عضويتها مئات الصوماليين وتجتذبهم عبر وسائل الإغراء الديني والمالي نتيجة الأوضاع الاقتصادية البائسة.

9 داعش في السودان: ويتردّد أنها تتمركز في إقليم دارفور ممثلة في جماعات متطرفة صغيرة وأنها على تواصل مع «بوكو حرام» ومع الجماعات المسلحة في ليبيا وهي تحارب انطلاقاً من مصالح نفطية وعقائدية متطرفة.

10 جماعات داعشية صغيرة ومنتشرة: وهي موجودة في بعض الدول الأفريقية منها دولة جنوب أفريقيا وفي موريتانيا وبوركينا فاسو، وإنْ كانت بلا تأثير فعّال مثل الجماعات السابقة.

هذه الخريطة لجماعات «داعش» وفروعها، تقول الحقائق بشأنها الآتي:

أولاً: انّ أغلب هذه الجماعات ذات صلات وثيقة بأجهزة المخابرات «الإسرائيلية» والأميركية والخليجية على تنوّعها، وتحت مسمّيات زائفة عدة منها نشر الدعوة الإسلامية والوهابية تحديداً هناك وهذا على سبيل المثال !! وهي جماعات تتواجد في مناطق غنية بالثروات الطبيعية، وثمة أطماع ومصالح غربية واضحة في تلك البلاد سيناء ليبيا نيجيريا الجزائر نموذجاً ومن هنا لا نستبعد الأدوار الخارجية في توظيف تلك الجماعات في الاتجاهات والأدوار التي يريدها تحقيقاً لمصالحه، وإنْ ادّعى غير ذلك من قبيل محاربته لـ«داعش» في العراق وسورية، وهي ليست حرباً بل ضربات محدودة الأثر وهي أشبه بتغذية تنظيم «داعش» بالفيتامينات لأنه إثر كلّ ضربة جوية أميركية يتمدّد وينتشر أكثر.

ثانياً: إنّ مقاومة هذه الجماعات الداعشية بما فيها تلك الموجودة في مصر تحتاج إلى استراتيجية شاملة للمواجهة تضمن القوة العسكرية الإعلام التنمية الاقتصادية الدعوة الإسلامية المستنيرة التعليم الديني الواعي تجديد الخطاب الديني إلخ… وبدون هذه الاستراتيجية لن تنتصر الدول الأفريقية التي ابتليت بهذه الجماعات المتطرفة، خاصة أنها في أغلبها دول ضعيفة في بنيانها الوطني الداخلي وضعيفة في حماية حدودها وتلك جماعات عابرة للحدود والأوطان، والمواجهة لها ينبغي أن تفهم ذلك وتدرك دلالاته.

ثالثاً: أخيراً إنّ الأمن القومي المصري يتأثر سلباً بنشاط هذه الجماعات، سواء داخل القارة الأفريقية ككلّ أو داخل بعض دولها خاصة المجاورة لمصر ونقصد هنا تحديداً ليبيا التي تمتدّ حدود مصر معها إلى حوالى 1200 كم، والتي باتت تمثل في حالتها الفوضوية الراهنة خطراً جسيماً على الأمن القومي المصري.

إنّ الضرب الانتقائي والمخابراتي المبكر لهذه التجمّعات الإرهابية على حدود مصر الغربية دون التورّط في المواجهة البرية، بات يمثل ضرورة أمنية كبرى لمصر، مع دعم الجيش الليبي وحاضنته الشعبية بكلّ وسائل الدعم العسكري والاقتصادي المتاح.

والحال ذاتها في منطقة دارفور بالسودان الممزق، وأيضاً نفس الأمر يُقال عن العمق الأفريقي للأمن القومي المصري، وهو عمق يمتدّ إلى 9 دول أفريقية تعيش على ضفاف النيل وداخل القرن الأفريقي.

خلاصة القول: إنّ مصر في ضوء هذه الخريطة لتنظيم داعش وأخواته من الجيل الرابع لتنظيمات الإرهاب الديني المعاصرة تحتاج إلى استراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية شاملة، فهل نقدر على ذلك؟ هذا هو التحدّي.

E mail: yafafr hotmail. com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى