قانون الإيجارات… بين سندان الرفض ومطرقة القانون

يوسف الصايغ

في جديد السجال الحاصل حول قانون الإيجارات نظمت لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين اعتصاماً أمام قصر العدل، جدّدت خلاله رفضها محاولة البعض تطبيق القانون المطعون فيه وغير النافذ، خصوصاً أثناء تعديله من اللجان المختصة، كما أشارت إلى أنّ مليون مستأجر مُهدّدون بالتشرّد من مساكنهم، مطالبة الدولة اللبنانية بإعطاء الحقوق للمستأجرين.

في المقابل أكدت «نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة» بأنّ القانون الجديد للإيجارات نافذ وواجب التطبيق بصياغته الحاليّة، وبأنّ المحاكم قد باشرت التطبيق منذ 28 كانون الأوّل 2014.

كرم

في هذا الإطار يشير عضو لجنة المتابعة في لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين أنطوان كرم في حديث لـ«البناء» إلى أنّ قانون الإيجارات الجديد والغير شرعي الصادر عن المجلس الدستوري يعتبر أولى النفايات التي تمّ رميها على المواطنين، لافتاً إلى أنّ المستأجرين هم المتضرّرون بالدرجة الأولى من هذا القانون الذي يجب ان يكون مُنصفاً للطرفين، أيّ المالك والمستأجر في الوقت نفسه.

ويضيف: «نحن لا نريد للمالك أن يعيش بدون كرامة، لكن في الوقت نفسه هناك مستأجر يجب على الدولة أن تكون بمثابة الحاضن بالنسبة إليه، وتؤمّن له المسكن وضمان الشيخوخة، لا أن ترمي به في الشارع وتبقى حياته مهدّدة، كما أنّ هناك الكثير من الشقق التي يتمّ تأجيرها وفق قانون التعاقد الحرّ التي تضع المستأجر تحت رحمة المالك.

ويستنكر كرم الاستنسابية التي أعطاها مجلس القضاء الأعلى للقضاة ويلفت في هذا الصدد الى إصدار القاضي عويدات حكماً بإخلاء أحد المستأجرين قبل صدور قانون الإيجارات بحجة استرجاع المأجور بهدف هدم المبنى، وبالتالي لم يحصل المستأجر على أيّ تعويض بموجب القانون الجديد أو حتى القديم، فالصندوق الخاص بدعم المستأجر فارغ بشهادة وزير المال الذي أكد عدم وجود أموال لدعم هذا الصندوق.

كما يشير كرم الى أنّ الخطورة في الأمر تتعلق بسعي الشركات العقارية التي تعمل على مخطط في غضون الـ25 سنة المقبلة للإطباق على المناطق المحيطة بالعاصمة وتهجير أهلها منها، بعدما قامت شركة «سوليدير» في الأعوام السابقة بتهجير أهالي وسط بيروت، وبالتالي فإنّ مخطط قضم العاصمة يتمّ تنفيذه من خلال قانون الإيجارات الجديد، الذي يمكن تطبيقه في بلد مثل سويسرا، وليس في لبنان الذي بات أشبه بقندهار حيث الحدّ الادنى للأجور لا يزال عند عتبة الـ 450 دولاراً أميركياً في الشهر.

كما يلفت عضو لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين إلى أنّ الشركات العقارية تقوم بالاحتيال على المالكين، فهي تشتري المباني بأسعار منخفضة بذريعة أنها ستقوم بدفع التعويضات للمستأجرين المقيمين في تلك المباني، بينما تقوم بالعمل على إخراج المستأجرين من دون أن تدفع لهم تعويض، وبالتالي يقع المالك ضحية هذه الشركات.

بناء على ما سبق ذكره يشدّد كرم على رفض هذا القانون التعسّفي الذي يريد تهجير أهل بيروت، بينما نحن نريد تثبيت المستأجرين في بيوتهم والحفاظ على التنوّع الديمغرافي في العاصمة، ويؤكد مجدداً دعم مبادرة الرئيس نبيه بري التي تحافظ على تراث بيروت.

رزق الله

في المقابل يرى رئيس تجمع المالكين باتريك رزق الله في تصريح لـ«البناء» ضرورة التقيّد بما صدر عن القضاء من أحكام تؤكد صحة قانون الإيجارات الذي تمّ إقراره، لافتاً الى أنّ قانون الإيجارات الجديد أعطى المستأجر مهلة 12 عاماً، كما أنه يراعي أوضاع المستأجرين الذين لا يتعدّى راتبهم ثلاث أضعاف الحدّ الأدنى للأجور، والذين سيحصلون على حقوقهم في حال تمّ إنشاء صندوق دعم المستأجرين أم لم يتمّ إنشاؤه، كما أنه بإمكان الكبار في السنّ التقدّم بطلب الى القاضي المدني للنظر في وضعهم وعندها المحاكم تفصل في أوضاعهم.

وإذ يسأل رزق الله: ألا تعتبر مدة 12 سنة كافية للمستأجر المُقيم في المأجور منذ 20 سنة أو أكثر لكي يرتّب أوضاعه؟ يلفت إلى أنه ورغم صدور قانون الإيجارات الجديد لم نر حالة تشريد واحدة لعائلة من منزلها، ولو حصل وسجلت هكذا حالة، لتمّ توظيفها في الإعلام ضدّنا للقول بأننا نقوم بطرد الأهالي.

وحول رفض المستأجرين دخول القوى الأمنية الى المأجور والقيام بعملية التخمين يلفت رزق الله إلى أنه يحق للمالك ساعة يشاء تفقّد منزله برفقة عناصر أمنية ضمن الدوام الرسمي المعمول به، والخبراء يتمّ تكليفهم بناء على قرار قانوني صادر عن مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود، وبالتالي هم لا ينتهكون القانون ويقومون بعملهم استناداً الى قانون واضح.

أما في ما يتعلق بمسألة بيع الأملاك من قبل المالكين لشركات عقارية والتي بدورها تقوم برفع دعاوى على المستأجرين لإخلائهم من دون دفع تعويضات، يشير رئيس لجنة المالكين إلى أنّ القانون القديم هو الذي يمكنه أن يدفع بالمالكين لاتخاذ هذه الخطوة، وليس القانون الجديد الذي تمّ إقراره والذي نريد تطبيقه، كي لا نقوم ببيع أملاكنا لأنه ينصف المالك ويعيد له حقه، بينما القانون السابق يشرّد المالك، وكلّ ما يتمّ ترويجه في هذا الخصوص لا يتعدّى كونه «بروباغندا إعلامية».

ويلفت رزق الله الى التحرّك الأخير لمن يدّعون تمثيل المستأجرين بالقول: «رأينا أنه لا يتعدّى المئة شخص بحسب الصور التي نشروها عبر وسائل الإعلام بينما يتحدّثون عن أرقام تهويلية تصل الى حدّ المليون مستأجر، فيما الواقع يثبت عكس ذلك بالاستناد الى إحصاءات رسمية من قبل لجنة الإدارة والعدل النيابية، ويختم مؤكداً أنّ القانون الصادر منذ حوالى عام يعتبر أكثر من عادل للمستأجر خصوصاً أنه أعطاه مدة 12 عاماً إضافية، وللمالكين في الوقت نفسه رغم حملات التشويه الحاصلة.

«حرب كلامية»…

أكدت «لجنة الطّعن وتعديل قانون الإيجارات» أنّه «ليس هناك شيءٌ جديدٌ للردّ عليه في بيانات من يدّعون تمثيل المالكين»، معتبرةً أنّ «كلماتهم لا تتضمّن إلا القدح والذم والتحقير والتهديد»، ومشيرةً إلى أنها «ستكون قيد الملاحقة القانونية».

ورفضت اللجنة «محاولة البعض تطبيق القانون المطعون فيه وغير النافذ، خصوصاً أثناء تعديله من اللجان المختصة»، معيدةً التّذكير بموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير العدل أشرف ريفي ورئيس «المجلس الدستوري» وهيئة التشريع والاستشارات، التي أعلنت أنّ «قانون الإيجارات غير نافذ وغير قابل للتطبيق».

واعتبرت أنّ «تعيين الخبراء للكشف على البيوت وقرار المؤازرة باطل»، مشيرةً إلى أنّ «عدم إمكانية تنفيذ القانون لانعدام الصندوق البدعة الذي من المفترض وجوده وإنشاؤه قبل البدء بتنفيذ القانون».

إلى ذلك، وصفت اللجنة «المزاعم أنّ اللبنانيين المستأجرين أغنياء في معظمهم بالجاهل والمضحك المبكي»، مشيرةً إلى أنّ «الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنّ أكثر من مئة ألف عائلة من المستأجرين القدامى عاجزة عن دفع بدلات الإيجار الخيالية».

ردّت نقابة «مالكي العقارات والأبنية المؤجّرة»، بدورها، على بيان اللجنة بالقول «نستغرب لجوء أحد المحامين، باسم لجنة وهمية وغير موجودة يطلق عليها اسم اللجنة المولجة طعن وتعديل قانون الإيجارات، إلى إطلاق أرقام غير صحيحة إطلاقا عن أعداد المستأجرين، ومن دون أيّ مستند رسمي للإحصاء».

واعتبرت، في بيان، أنّ «اللجنة لا تمثّل إلا صاحبها المستأجر المحامي أديب زخور»، مؤكدةً أنّ «آراءها أو آراء من يكتب بياناتها أي تأثير في هذه القضية».

وشدّدت على أنّ «المحاكم هي الجهة الصالحة للبت بنفاذ القوانين»، ناصحةً المستأجرين بالاستفسار عن النفاذ من النواب مباشرة الذين يعلمون علم اليقين بأنّ مجلس النواب قد أقرّ القانون الجديد للإيجارات وأنّ المجلس الدستوري ردّ الطعن بالقانون».

المالكون: القانون الجديد نافذ

قبل حوالي الأسبوع عقدت نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة» اجتماعاً شارك فيه حقوقيون واقتصاديون وخبراء في علم الاجتماع، شكرت في بيان صادر عقب الاجتماع «اعتراف هؤلاء الأشخاص بأنّ القانون الجديد للإيجارات نافذ ودخل حيّز التطبيق وذلك من خلال مطالبتهم التحريضيّة بردّه إلى مجلس النواب». مؤكدة أنّ «القانون واجب التطبيق بصياغته الحاليّة، وبأنّ المحاكم قد باشرت التطبيق منذ 28 كانون الأوّل 2014، وليست دعوات التحريض والتمرّد ضدّه إلا محاولة يائسة لمنع المالك، صاحب الحق: من نيل حقوقه تدريجيّاً، ولتمديد الإقامة المجانية لبعض الأشخاص». ومعتبرة عبارة «حيتان المال والسماسرة» مردودة لمطلقيها، وسائلة: «أليس حوت المال مَن يدفع 20 و30 ألف ليرة بدل إيجار، فيما البدل العادل يفوق ذلك بعشرة أضعاف وأكثر بعد 40 سنة من الإقامة المجانية؟»

وذكّرت النقابة في بيانها «أنّ مطالب الحراك المدني ضدّ الفساد حظيت بتأييد شعبيّ واسع وعارم بغضّ النظر عن الخلفيات والأهداف لأنّها مطالب محقّة، ونذكّر بأنّنا الضحيّة الأولى للتواطؤ الرسمي الذي قام لأربعين عاماً خلت بين طبقة من الرّسميين من جهة وفئات الميسورين والأغنياء من جهة أخرى، وتمّ من خلاله استغلال تعب المالكين وعرق جبينهم والسيطرة على أملاكهم بالقوّة في احتلال سافر وغاشم للنّفوس والكرامات قبل الأملاك، وفي مخالفة واضحة لجوهر الدستور والقيم الإنسانية. لن نسمح لأيّ أحد بعد اليوم بتشويه التاريخ واستغلال الحاضر لمحوِ الواقع الظالم من ذاكرة اللبنانيين وتحويل الظالم إلى مظلوم والمستفيد إلى متضرّر».

وأكدت النقابة عدم وجود خصومة شخصيّة مع أحد من المستأجرين، لكنّنا بادرنا وسنبادر على الدوام إلى الدفاع عن حقوقنا، «ونؤكّد للمستأجرين بأنّ القانون الجديد غير تهجيري أو تشريدي وننصحهم بتوقيع العقود فوراً مع المالكين حفاظاً على حقّهم بالاستقرار السكني».

طرح بري… بين الدعم ورفض واقع الضغط

أكدت «لجنة المحامين للطعن وتعديل قانون الإيجارات» موقفها، مع باقي لجان الدفاع عن المستأجرين، «تبني طرح الرئيس نبيه بري بشراء أو بيع المأجور لقاء المحافظة على حق التعويض للمستأجر»، معتبرةً أنّه «الأقرب إلى الواقع في حلّ مسألة الإيجارات».

وإذ حذّرت من «تمرير تعديلات لجنة الإدارة والعدل من دون الرجوع إلى الشعب اللبناني والمستأجرين»، واصفةً إياها بـ«الكارثيّة والتهجيرية»، اعتبرت اللجنة أنّ «مجلس النواب أو من سيصوّت على هذه التعديلات الكارثية، من دون الأخذ بطرح الرئيس نبيه بري أو عدم الأخذ بالتعديلات المقترحة كاملة على القانون والمقدّمة من لجنتنا، يتحمّل مسؤولية الشروع بتنفيذ قانون تهجيري لشعب بكامله»، مشيرةً إلى أنّ «تلك التوضيحات واقتراحات التعديلات التي اقترحناها منصفة للمالك والمستأجر».

كما اعتبرت أنّ «بعض النّواب في لجنة الإدارة والعدل ترتبط مصالحه بتمرير منافع كبار المالكين والمتموّلين لمحاولة خلق سوليدير على نطاق لبنان»، مؤكدةً أنّ «هذا القانون بات مفضوحاً ومعروفاً من الجميع».

في المقابل ردّت نقابة «مالكي العقارات والأبنية المؤجّرة»، من جهتها، على اللجنة، رافضةً «تخيير المالك ببيع الملك بالقوة أو شرائه من جديد تحت واقع الضغط، أو حتى أي طرح آخر خارج إطار القانون الجديد للإيجارات.

بين الاعتراضات والمناقشات

يبدي المستأجرون اعتراضهم على القانون من خلال رفعه بدلات الإيجارات خلال السنوات الست الأولى بشكل يتجاوز ما هو رائج في سوق السكن، وألغى حقوقاً مكتسبة للمستأجرين على امتداد عشرات الأعوام شكلت ضمانات للاستقرار السكني، وتضمّنتها قوانين الإيجارات الاستثنائية، ألا وهي تعويض الإخلاء.

كما يصف المستأجرون القانون بأنه تهجيري لهم من أماكن سكنهم، وفي حال تطبيقه يؤدّي بهم الى العراء، ويطالبون بخطة سكنية أهملتها الحكومات المتعاقبة وتخلّت عن مسؤوليتها في ضمان حق السكن.

وفي سياق متصل تناقش لجنة الإدارة والعدل النيابية مجموعة اقتراحات، تتناول موضوع قيمة البدل لتحديد قيمة الزيادة، حيث جرى توافق على تخفيضها الى 4 في المئة من قيمة المأجور، بعدما كانت خمسة في المئة، وتمّ الاتفاق أيضاً على توسيع شريحة المستفيدين من صندوق الدعم من 3 مرات الحدّ الأدنى للأجور الى 5 مرات، كما انّ اللجنة أعادت صياغة المواد المبطلة من قبل المجلس الدستوري.

ولا يرى المالكون أنّ الأمور تتجه لمصلحة المالكين القدامى في لجنة الإدارة والعدل، لأنّ مداولات اللجنة حول قضية الإيجارات القديمة لا ترقى إلى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها في رفع الظلم عن كاهل المالكين القدامى، لكون أعضائها يتمادون في طرح التعديلات غير المحقة على القانون الجديد النافذ للإيجارات لمصلحة الأغنياء من المستأجرين، كتخفيض القيمة التأجيرية التي سيدفعها الأغنياء والميسورون إلى 4 في المئة فيما يفترض أن يدفع الصندوق عن الفقراء منهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى