الرياض تبحث عن حبل نجاة في موسكو… وواشنطن تسلّم بغرفة عمليات بغداد أردوغان يبدأ بالدم حملته الانتخابية… وفلسطين تفرض جدول أعمالها

كتب المحرّر السياسي

عندما يحدّد العسكريون إيقاع حركتهم، لا بدّ للسياسيين من اللحاق بهم، حتى الذين اعتادوا البطء ويعيشون رتابة مواعيدهم ويرتاحون لبرود اتخاذهم للقرار والتفاعل مع الأحداث، أو الذين يثقون بأنّ مكانتهم في المعادلة تتيح لهم ما لا تتيحه لغيرهم وتُجبر الآخرين على انتظار قراراتهم، شعروا أن لا أحد ينتظرهم وأنّ وهم المكانة لا يحمي البلادة السياسية، فعلى جميع اللاعبين في الشرق الأوسط، إقليميّين ودوليّين اللحاق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما يلبس زيّ لاعب الشيش، ويبدأ بالمبارزة، واستخدام عقل لاعب الشطرنج لفهم نقلاته وحركات قواته، ببرود لا مكان للانفعال فيه، لكن بسرعة لا مكان فيها للمتثائبين. بهذه الكلمات، وصف ديبلوماسي روسي سابق مخضرم أمضى خدمته في عواصم الشرق الأوسط، تسارع المواقف التي أفرزها التموضع العسكري الروسي الجديد في الشرق الأوسط على خلفية المشاركة في الحرب على الإرهاب من البوابة السورية.

يدعو المصدر إلى مقارنة ما قالته الدول الفاعلة عن التموضع الروسي الجديد ومتفرّعاته الخاصة بسورية وبالحرب على الإرهاب ودرجة التغيّر التي شهدتها خلال عشرة أيام، من تهديد سعودي لروسيا بضرورة وقف الغارات الروسية، وتلويح أميركي بأنّ روسيا ستدفع الثمن غالياً، إلى معنى وجود ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كوزير للدفاع ونجل للملك يمهّد لزيارة والده، يتحدّث ويواكبه وزير الخارجية عادل الجبير الذي هدّد روسيا بالويل والثبور وعظائم الأمور، عن الرغبة بأفضل التفاهمات مع روسيا، والسعي للتوصل معها إلى رؤية مشتركة، عدا عن تزخيم المصالح المشتركة. ومعلوم أنّ القضية المفصلية هي مستقبل سورية في ظلّ الرئيس بشار الأسد، الذي تورّطت السعودية بإعلانه خطاً أحمر لا إمكانية للتراجع عنه بدون حبل نجاة تقدّمه موسكو، بالحديث عن صيغة حلّ سياسي تنتهي في صناديق الاقتراع، وتعتبرها الرياض مخرجاً مناسباً، بينما يجري الحديث عن حلّ قريب يخرج السعودية من مأزقها اليمني بقوات دولية للسلام، يفترض أن توافق روسيا على تكوينها ومهامها، وبالتالي لا بدّ من موافقة إيران وسائر الأطراف اليمنية، وعلى كلّ هذه الجبهات لا بدّ من موسكو، وفي المقابل كانت واشنطن تحذّر روسيا من مخاطر ما تقوم به، وتعلن أن لا تفاهمات بعد ما أسمته تورّط روسيا في المستنقع السوري، لتصل إلى تسجيل احتجاجها على ضمّ العراق إلى الحلف المشترك بين روسيا وسورية وإيران وتطلب حصر التفاهمات مع العراق بصيغ ثنائية، وتعود لتعلن التأكيد على عدم وجود أيّ نية لمنطقة حظر جوي في شمال سورية، كما روّجت مصادر تركية، وأنها باشرت سحب صواريخ الباتريوت التي نشرتها سابقاً على الحدود التركية السورية، وأنها أقفلت برنامج تسليح المعارضة السورية بينما تقول المصادر المتابعة في واشنطن للتفاوض مع موسكو إنّ التسليم الأميركي بعضوية العراق في الحلفين اللذين تقودهما واشنطن وموسكو قد تمّ أخيراً، وعليه صار ممكناً الحديث عن غرفة عمليات أميركية روسية مشتركة تتابع التنسيق وتتصدّى لأيّ إشكالات ميدانية.

على إيقاع هذا التسارع تتحوّل روسيا إلى الجار الجنوبي لتركيا، إضافة لجيرتها الشمالية وتتشارك معها البحر الأسود، وتبدو حركة روسيا في الحرب على الإرهاب وهي تسجل الانتقادات القاسية لما تسمّيه الحضانة التركية اللاقانونية واللاشرعية للمجموعات الإرهابية من مكوّني «داعش» و«النصرة»، تؤكد الشراكة مع المجموعات الكردية في مواجهة الإرهاب، بينما الغرب بكلّ عواصمه يلاقي الموقف الروسي لجهة رفض منح التغطية لقيام أنقرة بضرب حضور المكوّن الكردي عشية الانتخابات، بينما كان تفجير أنقرة يفضح الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه، حيث لم تمرّ محاولات رئيس الحكومة داوود أوغلو لإلصاق تهمة التفجير، الذي استهدف اليساريين الأتراك حلفاء الأكراد في حزب الشعوب الديمقراطي، بحزب العمال الكردستاني، فاضطرت الداخلية التركية للإعلان عن إشارات لتورّط «داعش»، وما أدراك ما ومن «داعش»، إنْ لم يكن مرجع تركي يطلب منها ما طلبه بحق عين العرب، وما طلبه في ليبيا بحق الأقباط المصريين، فيدخل أردوغان الانتخابات ويداه مغمّستان بدم الناخبين وهو يواجه مصيراً محتماً بالخسارة.

وحدها فلسطين تخرج عن السياق، وتشقّ الصفوف لتعلن بصوت شهدائها فضيحة النظام العربي، وتقدّم الشيوخ والنساء والأطفال على مذبح قضية ترفض أن تقدّم على موائد البيع والشراء، صفقة في حساب أحد، أو رصيداً لأحد، فالانتفاضة تواصل حشد صفوفها، وشبابها لا يبخلون بدمائهم، واثقون من مسارهم، لا ينتظرون قيادة ولا تنظيمات، يفرضون جدول أعمالهم على طريقة الرئيس بوتين ويقولون لمن يريد دوراً في مستقبل فلسطين، نحن من يفرض الإيقاع فعليكم أن تتبعونا.

لبنان سيتبع من اليوم إيقاعاً جديداً، بعدما بدا أنّ العماد ميشال عون، من موقعه في الحكومة والحوار والتسويات المفترضة في قضية التعيينات العسكرية، يعلن بالقرب من قصر بعبدا، أمام حشود غفيرة في مناسبة لها خصوصيتها عنده وعند تياره، وهي ذكرى الخروج من القصر، أنّ التسويات انتهت، وأنّ الرئاسة ستكون معبّرة عن إرادة التمثيل الأوسع المحتشد في طريق القصر الجمهوري، وأنّ الانتخابات النيابية على أساس قانون يعتمد النسبية صارت ضرورة تسبق الانتخابات الرئاسية.

عون: التغيير آتٍ ويليه الإصلاح

يفتح الأسبوع الطالع على جملة ملفات ومسائل عالقة وفي طليعتها عقد جلسة لمجلس الوزراء مخصصة لموضوع النفايات، وبالتوازي برزت مواقف لرئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون تركزت على هذه الملفات.

وأشار عون، خلال إحياء التيار الوطني الحرّ ذكرى 13 تشرين بحشود كبيرة أمام قصر بعبدا، إلى أن «مرحلة جديدة من النضال قد بدأت وستكون نتيجتها التغيير ثم الاصلاح». وقال: «أودّ أن أطمئن الجميع، أن هذا التلاعب بالقوانين لن يمرّ مرور الكرام وسيدفعون ثمنه، والتلاعب بالاستحقاقات سيضعهم بموقع الاتهام، ويفضح عمالتهم للخارج وارتهانهم لقراراته على حساب استقلال الوطن وسيادته، خصوصاً أولئك الذين يقاتلون بسيف غيرهم، ونطمئنهم أن هذا السيف قرُب أن ينكسر».

ورأى عون «أنّ التغيير يكون من خلال انتخابات حقيقية تمثل فعلاً الشعب اللبناني، ومن هنا يأتي نضالنا بالمطالبة بقانون نسبي يمثل الجميع»، معتبرًا «أن اليوم ليس كالأمس وأن غدًا ليس كاليوم، ورح يجي التغيير ويليه الإصلاح ومن وقت لوقت رح ننزل على شوارع بيروت والحضور رح يكون أكبر».

وأضاف: «مؤسسة الجيش تعاني من خلل قيادي للتمديد في مراكزها العليا وإن هذا التمديد موضوع خطر جدًا لأنه يفككّ الدولة، حتى حكومتنا عياري لأننا لم ننتخب رئيساً للجمهورية»، لافتًاً إلى أنه «أصبح على رأس قيادة الجيش وقوى الأمن والمجلس العسكري قيادات فاقدة صلاحياتها».

استفتاء على خيارات عون

وأكد مصدر مقرّب من الرابية لـ«البناء» أنّ «المشهد الذي أحاط قصر بعبدا أمس، حسم بصورة نهائية مَن يمثل المسيحيين في لبنان، وبالتالي إما أن تذهب رئاسة الجمهورية إلى مَن يمثل المسيحيين وإما لا رئاسة ولن يمر شيء من دون إرادة المواطنين».

وأضاف المصدر: «مشاركة عشرات الآلاف في التظاهرة تشكل استفتاءً كاسحاً لمن يمثل المسيحيين واستفتاء على خيارات العماد عون، وفي مراحل لاحقة سنشهد استفتاء وطنياً، إسلامياً – مسيحياً على هذه الخيارات، فلا يفكّر أحد بمحاولة احتواء هذه الحشود ومَن يمثلها أو المساومة مهما علت الأصوات وتغيّرت المعطيات الإقليمية والدولية، لا مساومة في موضوع رئاسة الجمهورية ولا في قانون الانتخاب ولا أحد يراهن على التحوّلات الإقليمية والدولية التي ستكون لمصلحتنا وليس لمصلحة الطرف الآخر».

وأوضح المصدر أنّ العماد عون لن يدعو إلى خطوات تصعيدية في الشارع تمسّ الأمن والاستقرار الداخلي، بل سيتّخذ الخطوات اللاحقة وفقاً لتوقيته وما يراه مناسباً، وأشار المصدر إلى أنّ مسيحيّي 14 آذار هم حالة مستتبعة لقرار تيار المستقبل وأنّ محاولة إظهار الرئيس ميشال سليمان على أنه حالة موجودة ولها حيثية مسيحية هي كمحاولة إحياء العظام وهي رميم».

سيف «المستقبل» سيُكسر

وأكدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن تظاهرة الأمس هي محطة نضالية من ضمن محطات تصاعدية ستشهدها المرحلة المقبلة، فالرسالة الأهمّ التي أراد عون وجمهور التيار إيصالها، هي أنّ إرادة الشعب لن تُكسَر، بعد أن تمّ كسرها بقوة الظروف الدولية والإقليمية في 13 تشرين العام 1990 واستمرّ كسرها عند كلّ استحقاق حتى اليوم، فقانون الانتخاب والتمديد للمجلس النيابي مرتين وتعطيل المجلس الدستوري كلها أشكال لـ 13 تشرين، بالأمس كان يوم الاقتراع بالأقدام، لن نسكت بعد اليوم عن المخالفات القانونية والدستورية».

وأوضحت المصادر أنّ «الجمود في الحكومة سيستمرّ وأن طاولة الحوار غير مجدية ومشاركتنا فيها أو عدمه لم يعد يفيد، وسيبقى الموقف نفسه من مشاركتنا في جلسات المجلس النيابي إذا لم يحصل تطوّر جدي. أعطينا كل الفرص، الأمور تتجه إلى مزيد من التعقيد وكل شيء سيبقى مجمّداً بانتظار التحوّل والتغيير في المعطيات الخارجية التي ستلاقي تطورات الوضع الداخلي وبالتالي ستنتج في نهاية المطاف الحل الذي لن يكون أقله إقرار قانون انتخاب جديد على أساس النسبية وانتخابات نيابية».

ولفتت المصادر إلى أن «استمرار الجمود في المؤسسات سيطبع المرحلة المقبلة حتى نضوج الحل، فالتيار لم يعُد يهتم للتسويات في موضوع الترقيات والتعيينات، فكل ما تمّ التوافق عليه تمّ التراجع عنه من الطرف الآخر الذي هو تيار المستقبل، أما الرئيس سليمان فهو يحارب بسيف المستقبل والرئيس سعد الحريري يحارب بسيفٍ إقليمي، لكن هذا السيف سينكسر».

جلسة حكومية الخميس إذا…

حكومياً، من المرجّح أن تعقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل مخصصة لملف النفايات، إذا تم اعتماد مطمر النفايات في البقاع.

وأكد وزير الإعلام رمزي جريج لـ«البناء» عقد جلسة لمجلس الوزراء يوم الخميس المقبل والتي ستكون مخصصة فقط لملف النفايات، لكنه نفى تسلّم الوزراء دعوة رسمية للجلسة، مشيراً إلى أنّ الدعوة إلى جلسة مرتبطة ببعض الإشكاليات التي تعرقل اعتماد مطمر البقاع ومن المفترض أن يأتي الجواب اليوم إذا كان سيتمّ اعتماده».

واعتبر جريج أن موضوع الترقيات العسكرية قد انتهى، وأشار إلى أن لا جديد في مواقف العماد عون أمس، وأيّد جريج كلام عون بأنه كان على الحكومة أن تذهب حين انتهاء ولاية الرئيس سليمان، لكنه شدد على ضرورة بقاء الحكومة لملء الفراغ الرئاسي ريثما يتم انتخاب رئيس جديد.

ونفت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» أي اتصالات مع الرابية لحضور وزراء تكتل التغيير والإصلاح جلسة الخميس، وأكدت أن ملف التعيينات والترقيات أصبح وراء «التيار» وأن الحكومة أصبحت بحكم المجمدة.

وسط هذه المناخات السياسية، حذر رئيس مجلس الوزراء تمام سلام من وضع كارثي يهدّد البلاد، بسبب عدم القدرة على التصدي للمتطلبات الحياتية والمعيشية ومعالجة الاستحقاقات، معتبراً أن «الأزمة السياسية في لبنان تتجه إلى مزيد من التصلّب في ظلّ الصراع السياسي المستفحل، وصراع القوى السياسية ومقاييسها المعتمدة على مصالحها ونفوذها».

وفي الأثناء، برزت تداعيات دموية لموضوع النفايات، تمثل بالإشكال الذي وقع في مكب سرار في عكار، بين سائقي الجرافات التي تعمل والأهالي، أدّى إلى سقوط 3 جرحى، فيما ناشد الأهالي القوى الأمنية التدخل.

مدفعية الجيش تستهدف المسلحين في الجرود

أمنياً، وتزامناً مع تصاعد العمليات العسكرية في سورية والانهيار الذي أصاب المجموعات المسلحة نتيجة الضربات الجوية الروسية والعمليات البرية والجوية للجيش السوري، توتر الوضع الأمني في جرود عرسال إثر مناوشات بين الجيش اللبناني وتجمّعات المسلحين.

واستهدفت مدفعية الجيش المتمركز في عرسال ومحيطها تجمّعات وتحرّكات المسلحين في وادي الخيل بالقرب من تلة القرن، وكانت عملية القصف قد عنفت جداً إثر التحرّكات التي قام بها المسلحون في وادي الخيل ووداي العويني وتلة الفرن، حيث تتمركز أعداد كبيرة من مسلحي «النصرة» و«داعش». وأفيد عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المسلحين الذين نقل معظمهم إلى مستشفيات ميدانية في وادي حميد ووادي الخيل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى