«روسيا المشرقية»… ومفردات التاريخ الجديد!

فاديا مطر

مع اختيار ساعة الصفر لبدء العملية العسكرية الروسية المشتركة مع الجيش العربي السوري لمحاربة تنظيم «داعش» ومتفرعاته، وبعد استكمال التحضيرات اللوجستية والتقنية، كانت أول إشارة لبدء التغيير الحاصل في مسرح الأحداث العسكرية في سورية قد أطلقت فقد بدأ تدفق الدم الجديد في عروق الجيش العربي السوري لاستعادة المبادرة وتحطيم الخطوط الأولى لدفاع التنظيمات الإرهابية، ومع ما ترافق من ذهول إرهابي وأميركي لدقة السلاح الروسي المستخدم ونوعيته، وكانت معالم المشهد الاستراتيجي الجديد الروسي ـ السوري تتضح مع عوامل بارزة وفعالة حصدت انتصارات سريعة بدأت من الجو مع ما شكّله الجيش السوري من عمود فقري للانهيارات الدراماتيكية في قدرات المجموعات الإرهابية المدعومة أميركياً، فقد استخدمت القوات البحرية الروسية المُرابطة في بحر قزوين صواريخ «كاليبر إم 3» بعيدة المدى لتدمير 11 هدفاً لتنظيم «داعش» في الأراضي السورية، مما تسبب بصاعقة للتنظيم الإرهابي والولايات المتحدة وتحالفها. وهي صواريخ مزودة بنظام تحكم عبر الأقمار الاصطناعية يصل مداها إلى 3000 كم. وهي بالترتيب العسكري تُعد الجيل الثاني للصاروخ الأميركي «توماهوك» التي أعلنت الولايات المتحدة أنها أطلقت منه في اليوم الأول لعمليات تحالفها ما يزيد عن 65 صاروخاً في الأراضي السورية، ولكن التنظيمات الإرهابية لم تتأثر بهذه الصواريخ مع ما ترافق من 9000 غارة جوية نفذها التحالف. مما استدعى اعترافاً من الخبراء العسكريين الاميركيين بتفوق صواريخ «كاليبر» الروسية على صواريخ «توماهوك» الأميركية التي وصلت إلى حد وصفها «بالخردة».

وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد تحدثت في عددها الصادر في 9 تشرين الأول الحالي بأن «أميركا وبريطانيا كان باستطاعتهما توجيه ضربات من هذه المسافة البعيدة، لكن روسيا أظهرت قوتها القتالية وهذه حقيقة مقلقة لواشنطن»، ومع تعزيز الوجود الروسي والغارات المفاجئة ضد أهداف تنظيم «داعش»، والتي أصبحت مفاجأة غير متوقعة للبيت الأبيض، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تسريع الاتصالات الأميركية ـ الروسية حول الغارات في سورية، فقد أكدت وزارة الدفاع الروسية تحقيق تقدم في بلورة اتفاق محتمل بينها وبين البنتاغون بشأن ضمان سلامة الطلعات التي تنفذها قوات سلاح الجو الروسية والأميركية في سورية، فهي حتمية «مُكره أخاك لا بطل» بعد اتصال أجراه الطرفان في 10 تشرين الأول الحالي بصورة مفصلة لبحث المقترحات الروسية والأميركية المطروحة أثناء الاتصال، مما أسفر عن تقدم في التوافق على عقد اتفاق محتمل بين وزارتي دفاع البلدين بشأن ضمانة سلامة طلعات الطائرات الحربية أثناء الغارات على مواقع تنظيم «داعش»، بحسب وزارة الدفاع الروسية.

فواشنطن لا تبحث التعاون لضرب «داعش» بل تبحث عن سلامة طياريها من المواجهة التصادمية في الأجواء السورية مع الطيران الروسي المتفوق، وهي في الوقت نفسها لم تغب عن مشهد دعم الإرهاب ضد الدولة السورية بعد أن كانت طائرتا إف 16 تابعتان لما يُسمى «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة وفي انتهاك فاضح للقانون الدولي قد استهدفتا منطقة «الرضوانية» السكنية بريف حلب الشرقي ودمّرتا محطتي كهرباء مما أدى لانقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة، بعد انفضاح حقيقة أهداف التحالف الدولي المزعوم بقيادة أميركية والذي بدا في 19 آب العام 2014 على يد الضربات الروسية على مواقع «داعش» التي بدأت في 30 أيلول الفائت، والتي فضحت زيف ادعاء محاربة الإرهاب أميركياً ودولياً، فهذا قد أصبح ورقة مكشوفة الأهداف والنيات التي قد تذهب الولايات المتحدة تحت ضغط تقدم الجيش العربي السوري إلى استهداف مواقع له أو بُنى تحتية للدولة السورية بحجة محاربة الإرهاب واستهدافه. فأميركا التي بدأت بفقدان أوراق شرق أوسطية ووسط آسيوية خلقت وضعاً أضاف حالة من عدم التوازن المنطقي في مداها القصير والبعيد، خصوصاً بعد منع روسيا والصين أي خط للتدخل العسكري وإحباط محاولات المناطق العازلة في الشمال والجنوب السوري وضخ دماء جديدة متطورة في المنظومة العسكرية السورية، بالإضافة لما شكله دعم المقاومة اللبنانية بإسقاط محاور الربط الإرهابي ـ «الإسرائيلي» الحدودي. والدبلوماسية الروسية تُحاور الولايات المتحدة على ضفة وتحارب أذرعها الإرهابية على الضفة الأخرى. وهي استراتيجية «المراحل المتتابعة» والتي نواتها القضاء على الإرهاب الذي أفرزته التدخلات والاحتلالات الغربية والرجعية العربية والدعم المتكامل للعدو «الإسرائيلي» صاحب القرار والمصلحة في كل المتغيرات الأميركية الحاصلة في محيط الجيواستراتيجية العربية، لكن التقدم الروسي بخطى قوية نحو المتوسط يجعل الحذر الأميركي يتصاعد من مغبة الخطأ القاتل في تقدير الإيديولوجية التي يعتمدها المعسكر المقاوم، فهل «الحذر» يُنجي من القدر..؟ أم أن أتباع العم «سام» سيقبلون مفردات التاريخ الجديد..؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى