روكز يتقاعد وسليمان يأخذ بالثأر وقهوجي مرشحاً أقوى

روزانا رمّال

ربّما يعرف العميد شامل روكز أنّ أسرع طريقة للوصول إلى الكرسي السياسي الذي لم يطلبه هو التوريث السياسي، وقد تأكد اليوم أنّ أسرع طريقة لمغادرة السلك العسكري هي وضع اسم الضابط الكفوء في البازار السياسي فيحترق، كما تأكد أنّ الوصول إلى قيادة الجيش لا علاقة له بالمناقبية إنما يتمّ بتوقيع كبار الساسة في البلاد.

هؤلاء الساسة الذين احتموا يوماً بقائد المغاوير النادر بالتزامه أزاحوه اليوم عن الخريطة العسكرية وهو الضابط الذي أجمع الساسة أنفسهم على أنه الأكثر مناقبية وقدرة على قيادة الجيش اللبناني، وهم أنفسهم أيضاً الذين حفروا حفرة يُخشى أن يقع لبنان وجيشه فيها .

نجح الرئيس ميشال سليمان وفريقه السياسي في إفشال مرور ترقية العميد روكز، مبرّراً ذلك بضرورة حماية المؤسسة العسكرية.

ربما يدرك سليمان قسوة الذهاب إلى التقاعد والابتعاد عن الإعلام والعودة إلى البيت رئيساً سابقاً. وهو الذي رفض هذا الدور مفضلاً البقاء تحت الضوء مستفيداً من علاقاته الداخلية والخارجية لخوض غمار اللعبة السياسية. يعرف سليمان مرارة أن لا يُمدّد له في الرئاسة وربما يكون قد ردّ هذا الثأر السياسي للذين عرقلوا التمديد له، فبات اليوم أكثر الفرحين بتطبيق القانون بتقاعد روكز الذي لا يمثل بالنسبة إليه اسماً مرفوضاً كشخص، إنما كصهر رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، ذلك الجنرال الذي قهره وحلفاءه فلم يمدّدوا له، علماً أنه يردّد دائماً أنه لم يطلب التمديد، لكنّ الذين طلبوا التمديد عنه داخلياً وإقليمياً قوبل طلبهم بالرفض الشديد من حزب الله والتيار الوطني الحر .

ربّما كاد التمديد للرئيس ميشال سليمان أن يمرّ، وربما كاد روكز يصبح قائداً للجيش، لكنّ المرسوم للبنان أكبر من ذلك وأعقد، لأنّ مَن يخطط يعرف جيداً كيف يردّ النقاط وبأي أدوات وكيف يبقى حاضراً على الساحة، مستغلاً بعض الخلافات السياسية الداخلية، كالخلاف بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، علماً أنّ مصادر رئيس مجلس النواب نبيه بري ترفض ذلك.

إنّ قضية روكز أكبر وأعقد بكثير لأنّ وصوله إلى قيادة الجيش اللبناني لا يمتّ بصلة إلى الداخل اللبناني وحساباته الضيقة، إنما يندرج في إطار قرار استخباري دولي أكثر ما يهمّه قادة جيوش هذه المنطقة، خصوصاً في لبنان حيث حزب الله، كما أنّ هناك خشية من أن يحكم هؤلاء القادة، وها هو الرئيس ميشال سليمان خير دليل على قائد للجيش إذ وصل إلى كرسي الحكم وإلى زعامة سياسية يطمح لتعزيزها. فلماذا إعطاء روكز فرصة زعامة مجانية وهو محسوب على الجنرال عون، وبالتالي حليف حزب الله؟

المفارقة أنّ شامل روكز اليوم، بات زعيماً، في عيون اللبنانيين، من دون تخطيط، فالمظلومية التي وقع فيها جراء صلة القرابة عايشها اللبنانيون، كما أن خصومه، قبل مناصريه، يعترفون بمناقبيته وأحقيته من دون جدال.

ستؤكد الأيام هذه الزعامة، لأنّ القضية المحقة لا تموت في بلد كلبنان، فمحبّو روكز الكثر لن يرضوا بغيابه وربما سيُضطر العماد عون إلى ترفيعه مستقبلاً إلى واجهة السياسة ومَن يدري فقد نرى روكز وزيراً للدفاع، كترضية للجنرال، كما روّجت إحدى الصحف الخليجية التي كانت قد أكدت استحالة الاتفاق على روكز.

إنّ وزارة الدفاع لا تعني، بالنسبة إلى روكز، سوى أنّ وزير الدفاع هو رجل السياسة الذي يحضر ويشارك في اجتماعات مجلس الوزراء، وهي لن تكون في نظر الطامحين مجالاً مؤاتياً لتعزيز موقع روكز بطلاً وزعيماً، بالنسبة إلى اللبنانيين. فمع الأسف لا يستذكر لبنان أي دور وزعامة وبصمة لوزراء الدفاع المتعاقبين، وبالتالي فإنّ القضاء على روكز الحلم كان الهدف الأبرز.

يتمتع روكز بصفات قيادية، وهذا ما أجمع عليه اللبنانيون، وإن لم يفلح هذا الإجماع في تحقيق أي شيء، لذلك يعتذر لبنان واللبنانيون من المغوار الذي حماهم، لعدم قدرتهم على حمايته، كما كان يجب.

يعتذر اللبنانيون لروكز اليوم عن زجّ اسمه في البازار السياسي المقيت الذي لا يليق بالنجوم التي تعمّدت بالدم أكثر من مرة على كتفيه. شامل روكز من حقك سماع صوت اللبنانيين الشاكرين بطولاتك، ومن حقنا أن نخرج عن الحيادية والموضوعية وما يُسمّى مهنية اليوم، ونشكر أخلاقك العالية والرفيعة وتضحياتك ونقدّم الاعتذار .

وبين ما له وما عليه قُضي الأمر، وأخرج روكز من اللعبة السياسية ليبقى العماد جان قهوجي مرشحاً رئاسياً قوياً غير مضطر لقبول بقاء اسم روكز فيما لو رُقي إلى رتبة لواء حاضراً إلى أن تتم تسوية الأمور.

نجحت القوى السياسية في التخلّص من اسم العميد روكز الذي فرض بقوة حضوره إرباكاً غير مسبوق أدّى إلى تعطيل مسار الحكومة والقوى الإقليمية الحاضرة استطاعت وضع لبنان مجدّداً أمام عجز مخيف عن البتّ في أدقّ استحقاقاته الوطنية، وخصوصاً تلك المتعلقة بقيادة الجيش .

عذراً شامل روكز!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى