بوتين والخامنئي يرسمان معادلات الحرب… والعلاقات بالسعودية وتركيا وفرنسا الحريري يمرّر قبوله السلة المتكاملة تحت غبار اللقاء بفرنجية ومساعي جنبلاط

كتب المحرر السياسي

بينما الرياض منهمكة بتحييد ما أمكن من الذين استثمرت عليهم وفيهم أموالاً طائلة، ويشكلون رهانها السوري، عن لوائح الإرهاب، وتبذل ما تستطيع لحشد أوسع تجمّع للجماعات المسلحة تحت يافطة المعارضة، وترتبك وتتلعثم مع معارضيها المنعقدين في عقر دارها، أمام عقدة تصنيف «جبهة النصرة» التي تشكل أكبر هذه الجماعات، والتي لا يجرؤ الآخرون على إعلان العزم على قتالها كتنظيم إرهابي، يتقدّم الجيش السوري ومعه مقاتلو المقاومة على جبهتَيْ حلب وتدمر، بسقوط المزيد من التلال والقرى في ريفي اللاذقية وحمص بين أيديهم.

حراك الميدان العسكري المائلة كفته بوضوح حاسم لمصلحة الجيش يقابله حراك التشاور الدولي الإقليمي الذي ينتظر باريس نهاية الشهر المقبل بعد اكتمال لوائح تصنيف المعارضة المرشحة للعملية السياسية ولوائح التنظيمات الإرهابية، والقضية التي نجحت روسيا بفرضها بذكاء استراتيجي، هي استبدال عنوان صنعه الغرب هو موقع الرئيس السوري ودوره في العملية السياسية، بعنوان عملاني هو مَن هم الإرهابيون؟ ومَن هم المعارضون؟ وبعدهما مَن يقوم بتمويل الإرهابيين؟ ومَن يساندهم فهو شريكهم، وسيعامَل على هذا الأساس. وهذه هي فحوى الافتتاحية التي استبقت بها صحيفة «البرافدا» المقرّبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته إلى طهران، متوجّهة إلى كلّ من تركيا والسعودية وقطر، بلغة التهديد من مغبة اللعب بالنار ومواصلة العبث مع التنظيمات الإرهابية، مذكّرة بدخول الجيش الروسي إلى برلين في الحرب العالمية الثانية لأنّ من يقوم بسفك دماء الروس تلاحقه روسيا حتى عاصمته، مستعيدة اغتيال زعيم المتمرّدين الشيشان بعدما رفضت قطر طلباً لتسليمه، لتقول في الخاتمة إنّ الذين يلعبون مع روسيا يجب أن يخشوها، كما يخشون الطاعون.

العلاقات بتركيا والسعودية وفرنسا كانت محور القمة التي جمعت الزعيمين الروسي والإيراني الرئيس فلاديمير بوتين والسيد علي الخامنئي، ومثلما وضعت خطط وتوجهات وشروط الاحتواء، ضمن خيار أولوية الحرب على الإرهاب تمّت صياغة البدائل من موقع الأولوية ذاتها، وحيث صنّفت فرنسا في موقع متقدّم على السعودية وتركيا، صنّفت تركيا في موقع متقدّم على السعودية، التي سيحلّ ملكها سلمان بن عبد العزيز ضيفاً على الرئيس الروسي الليلة قبل أن يحلّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ضيفاً عليه بعد يومين.

مصادر متطابقة في العاصمتين الروسية والإيرانية قالت لـ«البناء» إنّ الزعيمين منحا الوقت الرئيسي من لقائهما لخارطة الحرب في سورية وحجم الجهود والمقدّرات التي تحتاجها للاقتراب بسرعة أكبر من تحقيق النصر، طالما أنّ التغيير في الميدان هو الذي ينتج التغيير السياسي.

وأضافت المصادر أنّ تلبية طلبات الدولة السورية العسكرية والاقتصادية كانت هي الأساس في تزخيم النجاحات التي يرتقب أن يشهدها الميدان العسكري قبل لقاء باريس المفترض نهاية العام.

لبنانياً كان نبأ لقاء الرئيس سعد الحريري بالوزير السابق سليمان فرنجية في باريس، وسفر النائب وليد جنبلاط لملاقاتهما، مصدر تحليلات متعدّدة طاولت الملف الرئاسي، فيما أكدت مصادر متابعة لـ«البناء» أنّ الحوار هو توجه قوى الثامن من آذار والدعوات للتلاقي كانت دائماً محور خطابها، وأنّ المشكلة لم تكن لدى فرنجية كما لم تكن من قبل لدى العماد ميشال عون، بقبول اللقاء، بل بتجرّؤ الفريق الآخر، ولذلك يصير السؤال عن نضج شيء ما لدى الرئيس الحريري سؤالاً مشروعاً وماهية هذا الشيء؟

تقول المصادر إنّ الرئاسة موضوع لا يتصرف به الحريري منفرداً، ووقته لم يحِن، ولو أنّ الحريري يريد الإيحاء بما يراهن عليه لفكفكة وإرباك التحالفات التي نشأت خلف العماد عون وترشيحه، لكن الجميع لا يعيش وهم الظنّ بأنّ الرئاسة تصاغ خلسة أو بالتذاكي، لذلك يقع حراك الحريري عند ارتباطه بتنظيف ما تركه الرئيس فؤاد السنيورة على طاولة الحوار من مناخ سلبي تجاه دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لسلة تفاهمات متكاملة، نضجت كإطار لدى الحريري ولدى السعودية ولدى الغرب، لكن لما بعد نضوج توقيت التسويات، ولا مانع من تمرير القبول الآن وإطلاق ورشات تهدئة وتفاوض حول قانون الانتخابات، تمهيداً لاستكشاف المناخ الإقليمي للانتقال إلى عناصر السلة التي تتضمّن الحكومة والرئاسة.

ترقب يسبق جلسة حزب الله ـ «المستقبل»

تعيش البلاد حالة من الترقب لما ستتسم به جلسة حوار حزب الله تيار المستقبل اليوم في عين التينة، وجلسة الحوار الوطني غداً الأربعاء في عين التينة، في ظل التسوية السياسية الشاملة التي طرحها الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصرالله لملفات انتخاب رئيس الجمهورية والحكومة وقانون الانتخاب، وإثر لقاءات باريس الأسبوع الماضي بين رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري من جهة، ولقاء الحريري أمس كلاً من رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل.

وفيما لا يزال المعنيون في تيار المردة يلتزمون الصمت ويتكتمون حول مجريات اللقاء بين فرنجية والحريري، دعا تيار المستقبل على لسان عدد من وزراه ونوابه إلى عدم تحميل اللقاء أكثر مما يحمل. وقال وزير العدل أشرف ريفي «كل شخص مرتبط بالرئيس بشار الأسد لا يمكن أن نراه نموذجاً لتولي رئاسة الجمهورية في لبنان أبداً، والوزير فرنجية، وهذا رأيي الشخصي، لا يمكن أن يكون رئيساً لجمهورية لبنان».

وبانتظار الموقف الرسمي الذي سيصدر عن كتلة المستقبل اليوم، أشار مصدر مطلع في تيار المستقبل لـ«البناء» إلى أن الانتخابات الرئاسية باتت قريبة جداً وان القرار اتخذ والعمل يجري على كيفية الإخراج. وإذ تحدث المصدر عن لقاء الحريري مع جنبلاط والجميل، لفت إلى انه في «حال تم التوافق على انتخاب فرنجية رئيساً، فالسيناريو الجنبلاطي سيكون على غرار تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي»، مع إشارته إلى «تأمين نواب تيار المستقبل النصاب بحضورهم الجلسة من دون التصويت». واعتبر المصدر أن «التوافق الروسي الأميركي الفرنسي على فرنجية لن تقف في وجهه السعودية إذا كان فعلاً هناك قرار دولي بإجراء انتخابات رئاسية وعدم انتظار التطورات الإقليمية».

ترشيح فرنجية في 8 آذار ليس بمعزل عن موقف عون!

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن الرئيس الحريري الذي يحاور حزب الله ويحاور العماد ميشال عون، يسمح لنفسه أن يفتح حواراً مع فرنجية من ضمن الحوارات التي يجريها مع المكونات السياسية»، مشيرة إلى أنه في «هذا التوقيت الملتبس جداً لا يمكن الاكتفاء بتبريرات تيار المستقبل للقاء الباريسي، بمعزل عن الصورة الأكبر، بخاصة أن فرنجية من أبرز حلفاء حزب الله، وفي الوقت نفسه لا يمكن الحديث عن أي ترشيح لفرنجية داخل 8 آذار بمعزل عن موقف العماد عون، لكن إذا السعودية طلبت من 14 آذار السير به كمرشح رئاسي، يتغيّر الحديث هنا، لأنه لا يعود بإمكان 8 آذار تجاوز هذا الاعتبار بسهولة أما أن يختاره الغرب ويقبل به الرئيس الحريري بغير رضى السعودية، فهذا لا يمكن أن يحصل».

محاولة لفرط عقد 8 آذار!

وشددت أوساط سياسية لـ«البناء» على «أن ما يجري من قبل تيار المستقبل محاولة لفرط عقد 8 آذار»، مشددة على «أن فرنجية على دراية بذلك ولن يقع في هذا الفخ لا سيما أن المملكة العربية السعودية لن تقبل برئيس يجلس في اليوم الثاني من انتخابه رئيساً إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد، فانتخاب رئيس من أقطاب 8 آذار سيكون بمثابة الضربة القاضية».

والتقى الرئيس الحريري، في مقر إقامته في باريس، النائب جنبلاط يرافقه وزير الصحة العامة وائل ابوفاعور، حيث جرى التباحث بالأوضاع العامة في لبنان والمنطقة وبالأزمة السياسية المتمادية وما باتت تمثله من مخاطر جمة على ميثاق لبنان واستقراره وأمنه واقتصاده الوطني في ظل الحوادث الدامية في المحيط العربي.

وعلمت «البناء» أن الحريري «اطلع جنبلاط على الأجواء الإيجابية التي سادت لقاءه فرنجية»، مشيرة إلى أن «البحث تناول العمل على تسوية للأزمة تتضمن رئاسة الجمهورية والحكومة وقانون الانتخابات النيابية». وأشارت المصادر إلى «أن الحريري أكد ضرورة إنهاء الشغور الرئاسي أولاً، لأن ذلك سيكون باباً لحل كل الملفات الأخرى».

وتم الاتفاق خلال لقاء جنبلاط الحريري على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لإيجاد تسوية وطنية جامعة تحفظ الميثاق الوطني وتكرس مرجعية اتفاق الطائف وتعالج بدايةً أزمة الشغور الرئاسي وتضع حداً لتداعي مؤسساتنا الوطنية وتطلق عمل المؤسسات الدستورية وتفعّل عمل الحكومة والمجلس النيابي وتؤمن المظلة السياسية والأمنية لحماية لبنان والنهوض باقتصاده الوطني من أوضاعه الحالية وتوجد حلولاً للأزمات الاجتماعية المتراكمة، وتم الاتفاق على متابعة الاتصالات مع باقي المكونات الوطنية والقوى السياسية للبحث في سبل إطلاق وإنجاز هذه التسوية بأسرع وقت ممكن.

السفير السوري في الرابية

في غضون كل ذلك، حطّ السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي في الرابية والتقى الجنرال ميشال عون، وكان مصغياً أكثر من متحدث. وأشار السفير السوري إلى أن «عون كان مستبشراً بنجاح نظريته عندما قال منذ البداية إن سورية بصمودها وكفاءة قيادتها ستنتصر».

ترحيل النفايات بحاجة لـ 48 ساعة

حكومياً، يحاول رئيس الحكومة تمام سلام الإحاطة بملف ترحيل النفايات من كل جوانبه قبل الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء. وأكد وزير الإعلام رمزي جريج لـ«البناء» أن ملف ترحيل النفايات يحتاج إلى 48 ساعة ليصبح جاهزاً»، ولفت إلى أن رئيس الحكومة لن يدعو إلى جلسة إلا بعد الانتهاء من دراسة العروض التي قدمتها الشركات لترحيل النفايات». ولفت إلى «توافق بين المكونات الحكومية على مبدأ الترحيل، لكن البحث جار في شروط الترحيل فنحن نسعى إلى الوصول لأفضل الشروط وبأقل كلفة ممكنة، والحصول على موافقات البلد المعني لاستقبال النفايات».

تصديق مشروع قرار أميركي ضد حزب الله

إلى ذلك، تواصل الولايات المتحدة سياستها العدائية تجاه حزب الله، أقر مجلس الشيوخ الأميركي بغالبية ساحقة مشروع قرار ضد «حزب الله» يشدد الخناق عليه وعلى المؤسسات المالية والأفراد الذين يدعمونه، كما ربط أنشطة الحزب المزعومة بتهريب المخدرات بالعقوبات الأميركية الجديدة عليه. ودعا القرار إلى إجبار الخارجية الأميركية على التعريف بوسائل الإعلام الداعمة للحزب والتي تموّله، «مثل المنار وتوابعها»، في تقرير سنوي وتحديد الأقطاب الداعمة بالاسم، والطلب من وزارة الخزانة فرض شروط قاسية على فتح أي حساب لأي جهة خارجية تسهل تعاملات «حزب الله» أو تغسل أموالاً للحزب أو «تتآمر» بإرسال تحويلات لأشخاص أو مؤسسات على صلة بالحزب. كما طلب القرار تقارير عن «إدراج حزب الله كمنظمة تهريب مخدرات أجنبية ومنظمة إجرامية عابرة للحدود».

ورأى حزب الله في بيان «أن هذا القرار يعبر عن نزعة السيطرة التي تحكم القيادات في الولايات المتحدة، وعن الرغبة في التحكم بكل ما يجري في العالم وفق مصالح وأهواء السياسة الأميركية، دون أي اعتبار للمبادئ والقوانين والأخلاق التي ينبغي أن تحكم العلاقات بين الدول والمنظمات في العالم». ولفت إلى «أن ما يواجهه الحزب من قرارات ومن افتراءات ومن اعتداءات من قبل المؤسسات الرسمية الأميركية هو ثمن لالتزامه بخط المقاومة لكل المشاريع الخبيثة» التي تستهدف «مقدساتنا وحقوقنا وأوطاننا وشعوبنا، وهي مقاومة مستمرة في حماية كل ذلك، بغض النظر عن الأوصاف التي يطلقها علينا مستكبرو العالم، أو الإجراءات التي يتخذونها بحقنا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى