أوباما أيضاً يعرف كيف يبيع الوقت للبنانيين

روزانا رمّال

يتحدّث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عواقب وخيمة ستترتب على الخطوة التي أقدمت عليها تركيا بإسقاطها طائرة «سوخوي 24» التي تقول إنها اخترقت حدودها، على الرغم من أن موسكو تؤكد أنها قادرة على إثبات انّ الطائرة كانت ضمن المجال الجوي السوري. تركيا التي تتحدّث عن حقها في حماية أمنها لم تتصرّف على أنها وروسيا واقعتان ضمن نفس المنظومة والرؤية والهدف في مجال مكافحة الإرهاب، وأظهرت أنها على النقيض من التشخيص الروسي، وأنها مستعدة للتدخل مباشرة لحماية مجموعاتها التي باتت غير قادرة على المواجهة، والأهمّ أنّ تركيا لا تريد أن تكون واحدة من ضمن هذا المشروع والذي جرى بإسقاط «السوخوي» يؤسّس للكثير من المخاطر معنوياً قبل أيّ شيء من حسابات السياسة واعتباراتها، لأنّ اختراق طائرة لمجال جويّ لإحدى الدول قد يحصل عادة بين الأصدقاء وبين شبه الأصدقاء من الدول، وقد تمرّ مروراً عادياً، فكيف بالحال إذا كانت روسيا تنفذ مهمة معروفة الهدف وواضحة الحسابات والأبعاد والبعيدة عن نيات الاعتداء على السيادة التركية أو أيّ من دول الجوار؟

يستغرب بوتين ويتحدّث عن طعنة من الخلف وكأنه يتحدّث عن غدر تركي ومفاجأة هي نفسها المفاجأة ربما التي عاشها الرئيس الأسد بانقلاب تركي مفاجئ على نظامه، وهي المفاجأة نفسها التي عاشها حزب الله بعدما سبق وكان أمينه العام السيد حسن نصرالله وقال عن الرئيس التركي «الطيب أردوغان».

تضرب تركيا اليوم بعرض الحائط العلاقة مع روسيا ومن بعدها إيران، على الرغم من أنّ الأخيرة قد أغدقت عليها بالإغراءات المتوازية مع رفع العقوبات عنها بين مصالح وعقود ومشاريع كبرى.

المشهد يزداد تعقيداً وعلى هذا الأساس تنحبس الأنفاس في المنطقة بارتباط الملفات ببعضها البعض، فالخلاف على الملف السوري الذي من المفترض أنه السبب الرئيسي بالخطوة التي كسرت «الجرّة» بين تركيا وروسيا وألغت زيارة وزير خارجية الأخيرة فوراً إلى انقرة، هي الملف الذي تطبخ الحلول فيه على نار حامية فرضتها روسيا في المنطقة، وإذا كان الخلاف على «تشريع» التكفيريين وجماعات تركيا عقّد المشهد على طاولة المفاوضات السورية الجامعة التي تنتظرها كلّ الملفات المقابلة في الجوار، فإنه من غير المفهوم التفاؤل الذي يتحدث عنه الرئيس الاميركي باراك أوباما في لبنان وحلفاء الولايات المتحدة بعد رفضهم مراراً دعوات فريق 8 آذار في تحريك العملية السياسية لبنانياً في زخم إيجابي غير مسبوق وعقد لقاءات في لبنان وخارجه للبحث في التوافق على رئيس للجمهورية حتى بدا الملف الرئاسي قد كسر الجمود بعيداً عن كلّ الحسابات والتعقيدات الدولية.

رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل يزور رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في فرنسا، ومن ثم يزور الرياض، وقبل هذه الزيارة الحديث عن الزيارة التي شغلت بال الحلفاء قبل الخصوم، وهي لقاء الوزير فرنجية بالحريري في فرنسا، ما اعتبر مزيداً من الجدية في أوقات كهذه لا تحتمل المراوغة.

تأتي نصيحة باراك أوباما لتتقاطع مع اللبنانيين وحراكهم، ولتشرح ربما انفتاح قوى الرابع عشر من آذار على تحريك العملية السياسية في البلاد والتفاعل مع المبادرات التي يطرحها الرئيس بري في الحوار والسيّد نصرالله في تسوية شاملة ممكنة لبنانية لبنانية.

يقول أوباما في رسالة الاستقلال التي بعثها إلى رئيس الحكومة تمام سلام نظراً لغياب رئيس للجمهورية إنّ الولايات المتحدة تدعم لبنان منذ فترة طويلة في سعيه لتحقيق السيادة الكاملة والأمن والاستقلال، ويضيف انّ العلاقات الوثيقة بين بلدينا تكون أكثر وضوحاً عندما يكون لبنان في حاجة، كما هو عليه الآن، بسبب الآثار الجانبية للصراع السوري. إننا ملتزمون استقرار لبنان، كما يظهر من خلال مساعداتنا ودعمنا الذي لا يتزعزع للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، بالإضافة الى مساعداتنا الإنسانية والإنمائية المستمرّة. ولكن، ويا للأسف، إنّ يوم الاستقلال الوطني هذا هو الثاني على التوالي من دون رئيس منتخب للجمهورية اللبنانية. فمن أجل استقرار لبنان وأمنه، الآن هو الوقت المناسب للزعماء اللبنانيين للعمل على المصلحة الوطنية وانتخاب رئيس.

عن أيّ وقت مناسب يتحدث الرئيس الاميركي باراك أوباما في معرض نصيحته للبنان واللبنانيين وهو الذي يربط في سياق كلامه تأثر لبنان بالصراع السوري الذي يزداد تعقيداً؟ هل هي مناورة اميركية تندرج ضمن اطار المساعي لكسب الوقت؟ ام انها مسارعة لتلقف فرصة قد لا تتاح بعد تقدّم موقع حزب الله من بوابة الملف السوري ببقاء الأسد رئيساً وصرفه رصيده العسكري سياسياً في لبنان فلن يعود حينها ممكنناً التوصل إلى حلول وسط؟

يعرف باراك أوباما جيداً أنّ الأمور تزداد تعقيداً، لكنه على ما يبدو يؤكد على قرار رئيسي يتعلق بعدم تفجير الوضع في لبنان لكي لا يؤخذ حزب الله نحو حسم داخلي سريع بانتظار الحلول والتسويات، حتى ولو استخدم لبنان صندوق بريد بعض الرسائل الدولية والإقليمية على غرار الذي جرى في تفجير برج البراجنة الأخير.

نصيحة أوباما التي تجزم انه الوقت المناسب لينتخب لبنان رئيساً تبدو ابعد من الواقع غير القادر على تخطي المتاهات التي يدخلها الصراع السوري، إلا إذا أراد الأميركيون فصل لبنان عن النزاع، وهو استحالة يدركونها بظلّ وجود حزب الله لاعباً ميدانياً هاماً في سورية ومكوناً سياسياً كبيراً في لبنان… أوباما أيضاً يعرف كيف يبيع الوقت للبنانيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى