تقرير

كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية: أعاد القتل الجماعي للمدنيين في باريس طرح النقاش وبشكل حتميّ حول إمكانية استخدام القوة العسكرية في الشرق الأوسط لمحاربة تنظيم «داعش». فهذا النقاش، كأيّ نقاش آخر، تتشابك أطرافه في أوساط سياسة الرئاسة الأميركية يعتبر بعيداً عن أرض الواقع. ولكن الولايات المتحدة ودولاً أخرى تقوم حالياً ببعض العمليات العسكرية على الأرض في العراق وسورية بالفعل.

ردود الفعل المتوترة، والمدعومة من اليمين المتطرّف في الولايات المتحدة وأوروبا، لإعلان الحرب على تنظيم «داعش» هي على الأغلب مطالب غير جادة. لذا، لم يتمكن أي من المطالبين بتلك الردود من تقديم أقل قدر من الأفكار عن كيفية القيام بتلك الأعمال العسكرية.

وقد بيّن الرئيس الأميركي أوباما تصوّراته في خطابه يوم الاثنين الماضي، أن العمليات العسكرية لن تكون سوى جزء من استراتيجية واسعة يجب أن تقوم بها الولايات المتحدة وشركاؤها خلال السنوات المقبلة. وسيتطلب الأمر أن تتوقف الدول الإسلامية المهمة كالمملكة العربية السعودية على وجه التحديد، عن تقديم الدعم المالي والسياسي لبعض المساجد والأئمة والجوامع شبه العسكرية التي تدعم المتطرّفين وأفكارهم المنحرفة عن الإسلام. ويجب على المسلمين المعتدلين بالمقابل أن يضاعفوا من جهودهم التي بدأت بعد أحداث 9/11 للتأكيد على انتشار رؤيتهم لإسلام معتدل وشامل ورواجها.

كردّ فعل على مذابح باريس، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن فرنسا كانت على حق تماماً في إرسال طائراتها الحربية لقتال قوات «داعش» في الرقة ـ سورية. وبينما قامت الولايات المتحدة بتنفيذ أكثر من 8000 طلعة جوية لضرب أهداف تابعة لتنظيم «داعش» في العراق وسورية، قال الرئيس أوباما إن هناك مزيداً من هذه الضربات كذلك.

وبالنظر إلى التهديدات الموسعة، فقد حان الوقت لإشراك آليات الدبلوماسية التي تربط المجتمع الدولي قانونياً وسياسياً بقضية واحدة مشتركة. وقد طلبت فرنسا يوم الثلاثاء رسمياً المساعدة من شركائها الأوروبيين. ما ينبغي أن يتبع ذلك أن يصدر قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجيز رسمياً استخدام القوة ضد «داعش»، والذي يمكن فرنسا أن تطلب من حلف شمال الأطلسي تفعيل «المادة 5» من المعاهدة، التي تلزم تحالف الدول المشاركة فيها بالدفاع عن أحد أعضائها في حال تعرّضها لأيّ اعتداء.

إن أميركا ـ العالم بأسره ـ ستكون بأفضل حال إذا ما تجنب الكونغرس المشاحنات الحزبية قليلاً، وبدأ بمناقشة الإطار القانوني للعمل العسكري الأميركي المستمر بالفعل منذ أكثر من سنة، من دون أيّ أسس من هذا القبيل. وبينما يفضل المشرّعون الجمهوريون ببساطة لوم الرئيس أوباما عوضاً عن عملهم بجدّ، فإن أيّ إجراءات عسكرية قد تتخذ وبشكل معقول وفعال ناجمة عن مثل هذا النقاش، إن وجدت، تعتبر غير واضحة. يتعين على أميركا عدم تكرار أخطاء الماضي من خلال التزامها بإرسال الآلاف من الجنود في معارك الشرق الأوسط البرية، كما يحث على ذلك بعض الجمهوريين.

يوم الاثنين الماضي، رفض السيّد أوباما وبحكمة بالغة الموافقة على تصعيد التدخل الأميركي. وإضافة إلى الضربات الجوّية، فإن الوجود الأميركي يضمّ فعلياً 3500 جندي في العراق بمهمات تدريبية على الأرجح ، وحوالى 50 من قوات العمليات الخاصة في سورية.

يشكل تنظيم «داعش» تحدّياً لا يمكن لأميركا التعامل معه بمفردها، فإن كان وجود قوات برّية ضرورياً أكثر من أيّ وقت مضى، فإنه يجب أن تأتي تلك القوات من دول المنطقة مدعومة من القوات الجوية والاستخبارية والدعم اللوجستي، وربما من الولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا وغيرها من الدول.

واحدة من المشاكل الكبرى هي أن الدول العربية ذاتها منقسمة حول من هو العدو الرئيس، ما يجعل من المستحيل تركيز الموارد على هزيمة قوات تنظيم «داعش». فبينما ينصبّ اهتمام المملكة العربية السعودية على إيران وإسقاط الرئيس بشار الأسد في سورية، تريد تركيا على الجانب الآخر الإطاحة بالرئيس الأسد وإخماد حركة الانفصاليين الأكراد. بينما تنشغل الحكومة المركزية العراقية في المقام الأول بالحفاظ على حكم الغالبية الشيعية فيها.

وإذا ما وافقت أميركا وروسيا وغيرهما من الحكومات على تسوية سياسية لإنهاء الحرب السورية، فستكون هناك بداية واقعية للأطراف المتحاربة للتحول من قتال الأسد إلى محاربة «داعش». يجب أن تقتنع موسكو «بوجوب المساعدة في خلع الأسد من السلطة» وبطريقة لا تزعزع استقرار سورية أكثر من ذلك، خصوصاً عقب حادثة تفجير الطائرة في مصر، وأن تكون جادة في مواجهة قوات «داعش».

يوم الاثنين، وسّعت كل من أميركا وفرنسا نشاطهما في تبادل المعلومات الاستخبارية الأمر الذي ينبغي أن يضمّ معه بلداناً أخرى. وحتى قبل عمليات القتل في باريس، فإن الولايات المتحدة قد كثفت الأسبوع الماضي من هجماتها على المنشآت التي تساعد في تمويل «داعش» من خلال بيع النفط. ويجب في الوقت ذاته بذل المزيد من الجهود لإغلاق كل مصادر الدخل لـ«داعش»، بينما لا تزال الحدود التركية مع سورية مليئة بالثغرات، ما يمثل مشكلة كبيرة في هذا المجال.

من المستحيل منع جميع أشكال العنف من قبل المجانين المليئين بالكراهية والمنظرين الذين هم على استعداد للموت، بينما مواجهة خطر التطرف من «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية يتطلب عدداً من الاستراتيجيات. ولكن أياً من هذه الاستراتيجيات لا يتطلب هدم القيم التي تعتبر قلب المجتمعات الديمقراطية، بما في ذلك حرية التنقل للأشخاص وحرية المعلومات. لذا فإن حظر جميع اللاجئين، كما يطالب البعض في أميركا وأوروبا، سيكون غير ذي فعالية ويعتبر استسلاماً مريعاً للخوف. وينبغي للحكومات تحسين الرقابة واليقظة على الحدود، ولكن يجب مقاومة أي توسع في مجال التنصت والمراقبة في المجتمعات الحرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى