الغرب ومحاربة الإرهاب… عقيدة أم استثمار وردود فعل؟

محمد ح. الحاج

سنوات خمس والإرهاب يقصف أعمار المدنيين الأبرياء على مساحة المشرق العربي وبدأ يتمدّد نحو العالم شرقاً وغرباً، في كلّ المدن السورية، في لبنان. حجم الضحايا عصي على الإحصاء، عدا الخسائر المادية في البنية التحتية والممتلكات والمؤسسات التعليمية والصحية، ومع ذلك هو «حراك شعبي» أو ثورة سلمية بالتوصيف الغربي وقد تمّ تسخير كلّ «الميديا» المتوفرة لدعمه إعلامياً، وهذه «الميديا» تتجاهل الضحايا المدنيين في الوقت الذي تتهم فيه الدولة بضرب المدنيين الأبرياء من العصابات المسلحة في مناطق انتشارهم وهذه خلت من أهلها ولم يبق فيها سوى رجال العصابات ومن معهم من عائلاتهم يتخذونها دروعاً بشرية، الذين سقطوا في أحياء دمشق الآمنة أو حمص وحلب وغيرها من المدن السورية هم «أزلام الدولة»، كلّ من يقف مع الدولة هدف مشروع حتى لو كانت الغالبية العظمى من الشعب وهي الحقيقة كاملة، وإضافة إلى الدعم الإعلامي وتبني الإرهاب جاء الدعم المادي عتاداً وأموالاً ومرتزقة من جميع أنحاء العالم، أيقظوا وحش التاريخ واستثمروه إلى الحدود القصوى… فهل جاء دورهم الآن ليحصدوا ما زرعوا؟

ردّ الفعل الغربي على تفجيرات ضاحية بيروت وسقوط المئات من الضحايا لا يأخذ أبعاده الإنسانية، بل يجد البعض تبريرات لها مشاركة المقاومة اللبنانية في الدفاع عن وجودها، المقاومة لم تستهدف مدنيين، بل حملة سلاح باشروا العدوان على المقاومة والبيئة الحاضنة لها، وجوداً وثقافة، وعلى قرى وبلدات محسوبة على بيئة المقاومة في الوقت الذي التزم إعلام الغرب والإعلام المحلي الدائر في فلكه الصمت والتعتيم الكامل، وكأنّ تلك القرى والبلدات معسكرات أو مراكز أمنية في وقت لم يكن مسموحاً وجود الجيش أو السلاح فيها، مثلها مثل أحياء دمشق القصاع ـ المزة ـ العدوي ـ التجارة ـ وأحياء حلب في الزهراء، الجامعة، الجميلية إلخ… في المقابل وفي باريس يضرب الإرهاب مكاناً عاماً، يقدم راحة الفكر وغذاء الروح، مركزاً للموسيقى فيسقط العشرات، يضجّ العالم بكلّ جهاته، ليس استنكاراً فقط، بل تهديداً ووعيداً. هنا في باريس، إرهاب مدعوم من حكومتها يضرب ليأتي ردّ الفعل الفرنسي قصفاً انتقامياً وليس عن عقيدة حقيقية لمحاربة الإرهاب، وقبول بالتنسيق مع الروسي، في دمشق وبغداد وباقي المدن السورية له توصيف آخر، بعضهم يقول إنه ثورة شعبية، وآخر يقول هو الجهاد في سبيل الله! والله منه براء، من أجل الحرية، مع أنه يدعو إلى عبودية مغرقة في تخلفها، من أجل الديمقراطية…! هو يمارس أبشع أنواع الديكتاتورية، إلى حقوق إنسان، هو يمتهن كرامة الإنسان ويجعل من نصف المجتمع سلعة للتجارة… إرهاب يطمح إلى إقامة دولة عنصرية ـ دينية متخلفة ترجع بالمجتمع المشرقي أربعة عشر قرناً إلى الوراء، جاهلية متخلفة في مسمياتها، في طقوسها، وحتى في لباس أفرادها وسلوكهم، ومع ذلك فإنّ قليلاً من قيادات العالم الغربي يعترف ضمن أضيق نطاق أنه إرهاب فعلي وأنه الأخطر على مستقبل العالم، لكنّ صمت هؤلاء مدفوع الثمن لأنّ هذا الإرهاب موضوع في الاستثمار لمصلحة الاحتكارات الكبرى، والشركات المتعدّدة الجنسيات، ومشاريع الهيمنة، وغير ذلك وجميعها تشكل جوهر مشروع حكومة الظلّ العالمية ـ الماسو ـ صهيونية.

شكّل التحالف الغربي، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة «داعش» الستار الفعلي لحماية هذا التنظيم وتوفير مقومات القوة له بطرق مختلفة كان أبرزها لعبة الاستخبارات المركزية في تسليم الموصل ومسرحة استسلام فرق من الجيش العراقي، بالأحرى انسحاب عناصرها وترك أحدث الأسلحة والمعدات الأميركية التي دفع ثمنها الشعب العراقي لتقع في يد «داعش»، بعدها بدأت عمليات التمدُّد ضمن العراق والتخطيط لمثل ذلك في الشام. التحالف الذي أعلنته الولايات المتحدة جاء إثر تجاوز «داعش» للخطوط الحمر الموضوعة وخروجه على المخطط المرسوم استخباراتياً، فأراضي الشمال العراقي ـ الكردي، تشكل منطقة نفوذ صهيو ـ أميركية، ولذرِّ الرماد في العيون جرى إعلان تحالف الحرب على «داعش» علناً، في الوقت الذي تمّ إنذار التنظيم وتوجيهه نحو المخطط الجديد، جنوباً وغرباً. الرمادي ووسط الشام، وصولاً إلى دمشق على أن تتم التغطية الجوية لأنّ وجود طيران التحالف في الأجواء العراقية والسورية لا يسمح بوجود طيران آخر، هكذا دخلت قوات «داعش» إلى تدمر بعد عبور البادية من ثلاثة محاور: معبر البوكمال ـ دير الزور ـ الرقة، وكان طيران التحالف يحلق فوق الأرتال يقوم بالتصوير والحماية من دون أن يقصفها، هذه اللعبة لم تكن خافية، فعيون السماء الأخرى كانت تراقب ويتم التحليل والاستنتاج، عام كامل من ادّعاء قصف «داعش» الكاذب واستقراء المخطط عجل بالقرار الروسي القاضي بدعم الجيش السوري وإعلان مرحلة جديدة : المشاركة في الحرب مباشرة حيث جاءت نتائج العمليات خلال شهر لتكشف الأسرار وتفضح التحالف الغربي بشكل كامل، أيضاً، هناك أسرار يتم تداولها ومنها أنّ الاستخبارات العالمية وأموال النفط المنهوب ورغبة تحالف العدوان على سورية وفرت لدولة «داعش» مقومات مبدئية ومواد قد تمكنها من إنتاج قنبلة قذرة من نوع ما، ويتم استهداف واحدة من المدن الكبرى ـ دمشق أو حلب، تقلب الموازين على أرض الواقع، بعدها يمكن لتحالف العدوان إعلان استنكاره وتنصله من الجريمة، بل المبادرة إلى تدخل فعلي على الأرض بقوات مشتركة وبظلّ قرار دولي، فتصبح الأرض السورية مستباحة ويتم تقسيمها إلى مناطق نفوذ وتنصيب الأزلام والأتباع ليسيروا في ركاب التبعية للغرب وحكومته السرية، ويقال أنّ هذا الأمر كان واضحاً للروس والإيرانيين، وكذلك للحكومة السورية، منذ ما قبل اللحظة التي أعلن فيها الوزير المعلم عن مفاجأة قريبة بعد اجتماعات مطولة ولقاءات مع الجانبين الروسي والإيراني. استعجال بوتين للتدخل كان وراءه أكثر من أمر خطير بعد استعراض المعلومات التي وفرتها الاستخبارات المتحالفة وتحليل مواقف التحالف الغربي ـ العربي، والواقع القائم على الأرض الذي أظهر تطوراً متعاظماً في حركة «داعش» والمعدات التي يستخدمها بعد إمداد لوجيستي جوي أميركي فضحته الاستخبارات العراقية وغيرها.

قصف التحالف الغربي لمناطق وجود «داعش» في سورية كان يجري ضمن منهاج محدَّد، حيث يتم إبلاغ «داعش» عبر غرفة عمليات مشتركة في تركيا بالأهداف التي تشكل بنية تحتية للدولة السورية فيتم تدميرها بعد إخلائها، حصل ذلك في دير الزور والرقة، ومطار الطبقة وغيرها من مواقع، بينما تركز القصف الروسي على مناطق القيادة والسيطرة وغرف العمليات ومخازن الأسلحة ومراكز التدريب، وفي حين كان الأول لعبة مسرحية جاء القصف الروسي فاعلاً ومؤثراً ضمن فترة زمنية قصيرة، وأما فاعليته فقد تمّ استكمالها بحركة الجيش السوري الهجومية التي لا تُفسح في المجال للتنظيم لإعادة التجميع والانتشار في أغلب المناطق المستهدفة، التوسع والانتشار في ظلّ قصف التحالف الغربي قابله انحسار وهزائم وخسائر فادحة نتيجة القصف الروسي الذي دفع بالغرب للاعتراف بفشل عملياته ومسايرة الروس من دون الاستسلام الكامل لمخططهم، وعلى العكس يجري الالتفاف عليه بطرق مخادعة حيث الخطاب الموارب يحافظ على ديمومة الأهداف الغربية السرية في استثمار الإرهاب لمصالحه رغم الضربات الموجعة التي نفذها الإرهاب في العديد من مناطق العالم أو التي يتم التحضير لها لتكون قيد التنفيذ مع ما يرافقها من حالة رعب واستنفار في دول أوروبا، لكنّ أميركا آمنة، كذلك العدو الصهيوني، وهما يشكلان خطوط حمراء بالنسبة لقيادة «داعش»، ويبقى استهداف الروس عبر تفجير طائرة مدنية هو الانتقام الأسوأ الذي لن تجرؤ دولة «داعش» على تنفيذ مثيله بمواجهة الغرب!

تركيا تحتجّ على القصف الروسي لما أسمته قرى تركمانية شمال حلب…! القصف لم يحصل لأنها قرى مدنية تركمانية آمنة، بل لأنها مراكز إرهابية تضم مقرات قيادة وغرف عمليات ومخازن ذخيرة، وهي قرى سورية وسكانها سوريون، تركيا التي تسمح لنفسها بقصف مراكز ضمن الأراضي العراقية والسورية بدعوى الدفاع عن أمنها القومي عليها أن تتوقع إجراء مماثلاً من قبل سورية والعراق مع أنّ أياً منهما لم يمارس هذا الحق حتى اللحظة. الروسي يدافع عن أمنه القومي وقد أصبح المتضرِّر الأكبر من الإرهاب المدعوم من تحالف الغرب الذي تسرب إلى حدائقه الخلفية والأمامية في عملية تطويق مكشوفه مع أنه القطب العالمي الثاني الذي يحاول الغرب استبعاده أو تحجيمه، أما الحديث عن مؤتمرات بدءاً من جنيف مروراً بموسكو والقاهرة وصولاً إلى فيينا فقد قلنا ونؤكد أنها استهلاك للزمن وليس الهدف منها وضع نهاية لمعاناة شعوب المنطقة بل يهدف الغرب إلى ممارسة أقصى حدود الابتزاز واستثمار الإرهاب للحصول على أكبر نصيب من كعكة سورية التي سيكون مذاقها شديد المرارة في حلوق الطامعين.

الشعب السوري ليس ناقصاً أهلية، هو صاحب القرار، وإذا كان البعض يقرُّ بذلك فالمطلوب خلوص النوايا وإثبات القول بالفعل… لن يقف الألم والمعاناة عند حدود دمشق وحلب، وبغداد، أو بيروت وصنعاء، تذوقه البعض في أكثر من مدينة تركية، وفي مدن خليجية و أوروبية، ومرشح أن ينتشر أبعد من ذلك بكثير والأيام المقبلة تحمل في جعبتها الكثير، الذين تقودهم غرائزهم وأطماعهم لا يبدو أنهم يحسبون حساب مستقبل أسود تلوح معه بوادر حرب عظمى تنهي البشرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى