«داعش»… الفرار أو الانصهار بحمم الجيش السوري الجبار

د. منيف حميدوش

أسئلة كثيرة تطرح الآن:

هل يملك تنظيم «داعش» مقومات الدولة ليعيش؟ هل له حدود الدولة ومؤسساتها وبنيتها وأركانها كي يستمرّ؟

للإجابة عن هذه التساؤلات نقول:

إنّ أهم مقومات الدولة هو تجانس مواطنيها وهذا التجانس هو أساس مهم لبقاء الدول، بالإضافة إلى وحدة الأرض واللغة والتاريخ والمصالح والأهداف والاستراتيجيات إلخ…

وإذا عدنا إلى تفاصيل ما ذكرناه سابقاً، نرى أنّ مقوماً واحداً من هذه المقومات لم يتحقق، فمواطنو «دولة داعش» يتحدّرون من جنسيات تزيد عن المئة جنسية، فلا اللغة ولا الثقافة ولا الانتماء ولا طبيعة التفكير ولا حتى اللباس، تجمع بين هؤلاء، ناهيك عن التعدُّد الجغرافي بتعدُّد الدول المنتمية إليها هذه المجموعات والذي يفرض عادات وتقاليد اجتماعية مختلفة حيناً ومتضاربة ومتناحرة حيناً آخر.

أما بالنسبة إلى التاريخ، فهؤلاء لم يشتركوا في شيء إلا في تاريخ القتل والدم، على الرغم من تنوع الأساليب، أما المصالح فلم ولن تكون واحدة وهي متضاربة فيما بينها حسب الجهة الداعمة، وحسب الدولة الممولة. فكلٌّ ينفذ تعليمات أسياده، لذلك نجد أنّ التنظيم المذكور يضمّ عناصر من جنسيات مختلفة منها بات يقاتل الجيش العربي السوري ومنها يقاتل فصائل من «المعارضة»، وبعض هؤلاء كانوا حلفاء الأمس.

وفي ما خصّ جنسيات مقاتلي «داعش»، فإنّ معظم المقاتلين وقادة التنظيم غالباً ما يأتون من الخارج، وسبق أن قاتلوا في العراق والشيشان وأفغانستان وعلى جبهات أخرى.

ووفق الخبير في الشؤون الإسلامية رومان كاييه من «المعهد الفرنسي للشرق الأوسط»، فإنّ عدداً من قادة التنظيم العسكريين، عراقيون أو ليبيون، في حين أنّ قادته الدينيين من السعودية أو تونس.

والآن يتلقى تنظم «داعش» ضربات مركزة من سلاح الجو السوري الروسي، ومن الجيش العربي السوري على الأرض وقوى المقاومة، ويتم قطع طرق الإمداد له من كلّ الاتجاهات، عدا عن الموارد المحلية التي يجنيها من سيطرته على بعض المناطق في سورية، إضافة إلى تردُّد الدول الغربية في زيادة المساعدات للتنظيم، وخصوصاً بعد هجمات باريس الدامية.

انبثق تنظيم «داعش» عن «دولة العراق الإسلامية»، المجموعة الجهادية المسلحة التي يتزعمها أبو بكر البغدادي الذي أرسل عناصر إلى سورية في منتصف عام 2011 لتأسيس «جبهة النصرة». وفي نيسان 2013، أعلن البغدادي توحيد «دولة العراق» و«جبهة النصرة» لإنشاء «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لكنّ «جبهة النصرة» بقيادة محمد الجولاني رفضت الالتحاق بهذا الكيان الجديد، وينشط كلّ من التنظيمين بشكل منفصل في سورية.

لم تعلن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ولاءها لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري الذي سمّى «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي للتنظيم في سورية. لكنّ لـ«داعش» العقيدة الجهادية نفسها التي للقاعدة، معتبرة أنّ إنشاء دولة إسلامية في سورية مرحلة أولى لقيام دولة الخلافة.

وأمام كلّ هذه الاحتمالات، ألا يمكن أن تطرح التساؤلات السابقة حول «داعش» على الدول الداعمة : هل يتهاوى التحالف الدولي قبل أن يتهاوى «داعش» لأنّ روزنامة أوباما للحرب قد تتناقض مع أهداف أعضائه الخليجيين والأوروبيين، أي محاربة الإرهاب الذي يشوِّه الإسلام، وإنهاء الأزمة السورية بإسقاط الدولة السورية؟

بدأت الولايات المتحدة الأميركية غاراتها على «داعش» في العاشر من آب الماضي بقصف محيط سدّ الموصل، والآن وبعد شهرين تقريباً، يبدو أنّ التنظيم الإرهابي لم يترنَّح، في حين بدأت معالم الترنُّح تظهر على «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب»، انطلاقاً مما يجري من خلاف في وجهات النظر في كواليس الإدارة الأميركية حيال الاستراتيجية التي يفترض اتّباعها لضرب «داعش».

تجمع تعليقات الصحف الأميركية على أنّ سيطرة الجمهوريين على الأغلبية في الكونغرس كانت نتيجة التعثّر وعدم وضوح سياسات البيت الأبيض، وخصوصاً في حربه على الإرهاب، وليس خافياً أنّ الرئيس باراك أوباما يتعرّض، منذ مدة طويلة، لانتقادات متصاعدة نتيجة تعامله مع الأزمة السورية، والآن بسبب البطء في العمليات ضدّ الإرهابيين وعدم التركيز على مواقعهم الأساسية في سورية، ولا سيِّما في الرقة والحسكة! نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أيام تقريراً يقول إنّ أوباما يتّجه إلى إقالة بعض وزرائه، وفي مقدمهم جون كيري وتشاك هيغل، على خلفية الانتقادات المتصاعدة التي تُوجَّه إلى سياسة البيت الأبيض في إدارة الحرب على الإرهاب، وجاء ذلك بعدما كشفت مصادر وزارة الدفاع أنّ هيغل أرسل مذكرة سرية إلى مستشارة الأمن سوزان رايس ينتقد فيها سياسة بلاده حيال سورية.

لم تكن مذكرة هيغل سوى صوتاً جديداً يرتفع داخل «غابة الإدارة الأميركية»، معرباً عن القلق من «استراتيجية واشنطن الشاملة» في سورية، وداعياً إلى «انتهاج رؤية أكثر وضوحاً بشأن ما يجب القيام به حيال الدولة وشخص الرئيس بشار الأسد»، وهو ما اعتبره المحللون تحذيراً من أنّ سياسة أوباما في خطر بسبب فشلها في توضيح نياتها حيال شخص الرئيس بشار الأسد، وخصوصاً في ظلّ عدم الجدية الكافية في العمل لإعادة ترتيب صفوف ما يسمى بالمعارضة المعتدلة التي يفترض أن تملأ الفراغ بعد سقوط «داعش».

جون كيري كان قد سبق هيغل في توجيه انتقادات ضمنية إلى سياسة أوباما منذ تراجعه عن التهديد بتوجيه ضربة إلى الدولة السورية، ردّاً على استعمال الأسلحة الكيماوية في الغوطتين، وهو ما وضع وزير الخارجية في موقف حرج أمام ندّه الروسي سيرغي لافروف الذي أخرج الدولة السورية من مأزق الأسلحة الكيمائية عبر اتفاق تسليم سلاحها الكيماوي.

ولفتت «نيويورك تايمز»، من جهتها، إلى أنّ كيري الذي حصد مسلسلاً من الفشل الفاضح في ملفات سورية وفلسطين وأوكرانيا، يرى أنّ السبب هو عدم وضوح الاستراتيجية السياسية في روزنامة أوباما، وعلى هذا الأساس بدا أكثر فأكثر طائراً مغرّداً خارج السرب البيضاوي ومتخذاً خطاً هجومياً في خلال النقاشات الداخلية، وبدت تصريحاته في الخارج متناقضة مع مواقف البيت الأبيض، بينما فضل هيغل الميل إلى الصمت امتعاضاً، تاركاً إدارة الأمور إلى رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي.

إذاً صراع البقاء لايزال في أوجه… أيهما أسبق بالانهيار تنظيم «داعش» اللقيط المختلط، أم التحالف الدولي ضدّ الدولة السورية، والمتعدِّد الأهداف والمصالح والجنسيات؟

إنّ الحياة لم ولن تكتب للاثنين، والميدان يفصل ذلك، فهم الآن بين فكي كماشة إما الاستسلام للجيش العربي السوري، أو الموت المحتم، أو الفرار باتجاه الأراضي التركية أو الأردنية أو العراقية.

لذلك، فإنّ العودة إلى الوضع الميداني السابق تأتي في سياقها الطبيعي، وزوال «داعش» اللقيط المخابراتي الأميركي الصهيوني الوهّابي بات قريباً فلم ولن يلق الحياة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى