قمّة طهران رسمت خرائط الغاز وثبّتت زعامة إيران وروسيا على أسواق العالم

محمد حمية

تعتمد غالبية دول أوروبا بشكل كبير على استيراد الطاقة. والمعروف أنّ أوروبا تستورد حالياً أكثر من 50 في المئة من حاجتها إلى الطاقة. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 70 في المئة عام 2030 بحسب دراسة أعدّها الكونغرس. أما روسيا، فتملك أكبر مخزون من الغاز في العالم، وتأتي إيران في المرتبة الثانية. أما الجزء الأكبر من الغاز الروسي، فيصدّر إلى دول الاتحاد الأوروبي ما يصل إلى 40 في المئة.

منتدى الدول المصدّرة للغاز عُقد هذه السنة في العاصمة الإيرانية طهران الإثنين الماضي، بحضور رؤساء 12 دولة، من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبحثت القمة محاربة الهيمنة الغربية ومستقبل الطاقة النظيفة في العالم.

تعتبر الدول المشاركة في القمة ذات ثقلٍ كبيرٍ في الاحتياطي والسوق العالميين، وهي تملك أكثر من 70 في المئة من احتياطي العالم من الغاز الطبيعي. أما الدول المصدّرة للغاز فهي 20 دولة، 13 أعضاء و7 دول مراقبة، وهذه الدول تنتج 67 في المئة من الغاز في العالم، والدولتان الكبريان هما روسيا وإيران، وبالتالي تملكان القرار في ما يتعلق بسياسة الغاز في العالم.

على رغم أهمية انعقاد هذا المنتدى، وفي طهران تحديداً، لا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، إلا أن القمة التي جمعت مرشد الجمهورية الاسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي والرئيس الروسي فلادمير بوتين خطفت الأضواء، فاختلطت الملفات بين الاقتصادية والسياسية ليتكامل الدور الروسي مع الدور الإيراني، ليرسما خرائط أسواق وإمداد الغاز، وبالتالي حدود المصالح الحيوية في المنطقة والعالم. فضلاً عن إزالة كل الالتباسات وتأكيد التحالف الكبير الاستراتيجي بين الدولتين.

الرئيس الإيراني حسن روحاني أكد أن بلاده تريد الاضطلاع بدور أكبر في إمداد السوق العالمية بالغاز، وترحّب بإقامة شراكات دولية لتطوير إمداداتها. أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فأشار إلى إنه ينبغي على مستهلكي الغاز الطبيعي في المستقبل تقاسم المخاطر الاستثمارية المتعلقة بالنفقات الرأسمالية في القطاع مع المنتجين. وذكر بوتين أنّ عقود الإمداد طويلة الأجل ـ وهي أساس صفقات الغاز التي تبرمها موسكو مع معظم العملاء الأوروبيين ـ يجب أن تستمر وألّا تحلّ محلّها آلية بديلة. وأضاف أن روسيا تنوي إمداد آسيا بكميات قدرها 128 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.

فما هي التداعيات الاقتصادية لاجتماع هذا المنتدى، وبالتالي ما هي أبعاد القمة الإيرانية ـ الروسية، وماذا يعني رسم خرائط الغاز بين هذه الدول وتحديداً بين روسيا وإيران؟ وما هي أسباب تغيب لبنان عن حضور هذا المنتدى وهو الذي يملك مخزوناً من النفط والغاز في بحره؟

أرادت روسيا من اجتماع الدول المصدّرة للغاز في طهران أن تؤمن حقوقها الاقتصادية من الغاز، والحفاظ على تصديره مستقبلاً إلى أوروبا، خصوصاً أن بعض دول المنطقة تحاول إنشاء خط أنابيب غاز من قطر عبر تركيا إلى أوروبا يمر في سورية ولبنان. ومن هنا تأتي الأزمة السورية والتدخل العسكري الروسي سببين لتضع روسيا حدّاً للتنافس الدولي على الصعيد العالمي على صادرات الغاز، لأن وجودها في سورية يعطيها الحق بالموافقة على أيّ خطّ إمدادات يمر عبرها إلى الاتحاد الأوروبي.

قرار الزيادة في حجم إنتاج الغاز لكل من روسيا وإيران مرتبط بموضوع العائدات المالية للدول، لأن الاقتصاد الروسي خسر 50 في المئة من مداخيله النفطية في المرحلة السابقة، ويعاني من نقص في الأموال بالاحتياطات الاجنبية، وبالتالي زيادة روسيا إنتاجها الغازي سيرفع من عائداتها المالية. أما إيران التي تعرضت على مدى عقود للحصار المالي والاقتصادي، فها هي اليوم تتحرّر بعد توقيع الاتفاق النووي والبدء برفع العقوبات الدولية تدريجياً، وقرّرت مضاعفة إنتاجها من النفط، وفي الوقت نفسه زيادة إنتاج الغاز 30 في المئة. وبذلك تعيد الحقوق المالية التي خسرتها. ما يعني أن الضرورات الداخلية في الدولتين فرضت زيادة إنتاج الغاز، خصوصاً أنهما تأملان في المرحلة المقبلة أن يزيد إنتاج الغاز على حساب إنتاج النفط، لأن الغاز يعتبر من موارد الطاقة النظيفة والأقل كلفة.

لا يمكن حصر أسباب الحرب على سورية في إطار الصراع على النفط والغاز الذي يعتبر أحد أهم أسباب الحروب في العالم. لكن أساس الصراع في سورية هو الدور السوري في المنطقة، وضرب محور المقاومة، ويأتي الغاز من الأسباب الثانوية لا الرئيسة.

دبلوماسية الغاز تجلّت في إحدى صوَرها في قمة طهران، إذ إن المصالح الدولية التي تقوم على النفط والغاز هي أساسية في نسج تحالفات استراتيجية ومستقبلية، ودبلوماسية الغاز تستفيد منها الدول للتأثير أكثر على الساحة الدولية في مختلف الميادين. وتظهر اليوم في العلاقة بين إيران وروسيا حيث تقاسم الأسواق وارتباط وعمق المصالح. وتجلّت ايضاً بين تركيا من جهة وروسيا وإيران من جهة ثانية، إذ لم تتوقف علاقة تركيا الاقتصادية بكل من الدولتين على رغم كل الصراع السياسي بينهما.

يمكن استبعاد احتمال أن يكون إسقاط الطائرة الحربية الروسية ردّاً تركياً على قمة طهران، لكن لا يمكن إغفال أن لهذه الحادثة ارتباطاً وثيقاً بالطاقة وبالنفط تحديداً، فالقصف الروسي لكل مضخات وصهاريج النفط التي كان تنظيم «داعش» يستخدمها، حرم تركيا من مصدر مدخول نفطي كانت تبيعه لـ«إسرائيل» وفي السوق السودا،ء وبالتالي حرمها من تمويل «داعش».

أما لبنان، فقد حرمته السياسة مجدّداً من حضور هذا المنتدى الدولي، وهو الذي يملك مخزوناً من الغاز في البحر المتوسط، وبالتالي فوّت عليه فرصة ثمينة لدخول نادي الدول المنتجة والمصدّرة للغاز بسبب عرقلة إقرار مراسيم النفط والبدء باستخراجه من البحر.

رسم خرائط الغاز

يعلق منسّق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية أنيس النقاش في حديث إلى «البناء» على الأبعاد الاقتصادية لقمة الدول المصدرة للنفط التي عقدت في طهران، ويشير إلى اطمئنان روسيا وإيران على عدم منافسة أوروبا لهما في أسواق الغاز، وبالتالي إن بعض مشاريع نقل الغاز التي كان من المفترض أن تنقل من إيران إلى البحر المتوسط عبر العراق وسورية ولبنان إلى أوروبا، قد يعاد النظر بها لعدم تمكنها من الوصول إلى أوروبا. وثانياً إن إيران مستعدة لتصدير الغاز الروسي عبر أراضيها. أي أن تعطي روسيا الغاز من شمال إيران والتي بدورها تصدره من الجنوب لأيّ دولة تريد. وهذا يساعد روسيا في تحقيق مزيد من صادرات الغاز. وهذا يعتبر نوعاً من التحالف الاستراتيجي في سوق النفط والغاز بين روسيا وإيران، لأنه من النادر في العلاقات بين الدول أن تتعاون دولتان على اقتسام الأسواق كما حصل اليوم بين إيران وروسيا.

ويؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزنة في حديث إلى «البناء» أن روسيا تواجه صراعاً في أسواق النفط في العالم بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليها، وثانياً لأن الدول الاخرى التي تملك ثروة كبيرة من الغاز تحاول مدّ أنابيب غاز إلى أوروبا بديلة عن الأنابيب الروسية.

ويشير وزنة إلى أن قمة منتدى الدول المصدرة للغاز التي عقدت في طهران تريد روسيا من خلالها أن تؤمّن حقوقها الاقتصادية من النفط والغاز والحفاظ على تصديره مستقبلاً إلى أوروبا، خصوصاً أن بعض دول المنطقة تحاول إنشاء خط أنابيب غاز من قطر عبر تركيا إلى أوروبا ويمرّ في سورية ولبنان. ومن هنا يأتي التدخل العسكري الروسي على خطّ الأزمة السورية، لتضع موسكو حداً للتنافس الدولي على صعيد صادرات الغاز عالمياً، لأن وجودها في سورية يعطيها الحق بالموافقة على أي خط إمدادات يمر عبرها إلى الاتحاد الأوروبي، لذلك تحاول روسيا مع إيران التعاون والتفاهم لضمان إمدادات النفط ولبقاء مصادر تسويقها تحت سيطرتهما، ولكي لا تدخل دول أخرى كقطر على الخط، التي هي الدولة الثالثة في احتياط الغاز عالمياً.

ويوضح وزنة أن روسيا وإيران من خلال هذه القمة ترسمان خريطة الغاز للمرحلة القادمة، ولديهما القدرة على ذلك لأنهما الدولتين الأكبر من ناحية احتياط الغاز، وذلك من خلال تثبيت وتوزيع حصص الغاز عالمياً والحؤول دون حصول تنافس في المستقبل بين الدولتين، عكس ما يحصل في موضوع النفط، مثلاً تستطيع السعودية أن تأخذ حصص بعض الدول أو تتحكم بالتوزيع او بالاسعار.

ويرى وزنة في القمة جانبين: الأول جيوبوليتيكي يتعلق بتوزيع الحصص الغازية عالمياً، والثاني اقتصادي يكمن في حفاظ كل دولة على مداخيلها من عائدات الغاز، لأن الغاز والنفط ستبقى أسعارهما منخفضة، ولن ترتفع قبل 4 سنوات وكل دولة تحاول أن تؤمن حقوقها من التوزيع والعائدات.

تأمين الإمدادات إلى أوروبا

ويضيف وزنة: روسيا تعمل على الحفاظ على إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي الذي يستهلك 40 في المئة من حاجته من الغاز من روسيا. واليوم هناك مشكلة في أوكرانيا، لأن مرور إمدادات الغاز من روسيا إلى الاتحاد الاروربي يواجه بعض المشاكل في أوكرانيا، ما يسبب خشية لروسيا بأن تعرقل أوكرانيا هذه الإمدادات، كما أن روسيا تخشى الخط الثاني الذي تعمل عليه بعض الدول كقطر لنقل أنابيب الغاز من قطر وإيران إلى العراق إلى سورية إلى تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وهو خط منافس للخط الروسي.

أسباب زيادة الإنتاج

ويشرح وزنة سبب قرار كل من إيران وروسيا رفع إنتاجهما من الغاز في المرحلة المقبلة، ويقول: الزيادة بهذه الكمية الكبيرة مرتبط بموضوع العائدات المالية للدول، لأن الاقتصاد الروسي خسر 50 في المئة من مداخيله النفطية في المرحلة السابقة ويعاني من نقص في الاموال بالاحيتاطات الاجنبية. وعلى صعيد النفط لا قدرة لديها على زيادة الإنتاج بسبب المنافسة التي تتعرض لها في السوق النفطية العالمية، لكن على صعيد الغاز، لديها القدرة على زيادة الإنتاج والهدف زيادة المداخيل لأنها في السنوات الاخيرة واجهت عدداً من المشاكل المالية. لكن المؤشرات للعام 2016 تقول إن الاقتصاد الروسي سيتحسن نسبة إلى السابق.

أما في ما يتعلق بإيران فيضيف وزنة: منذ العقوبات التي فرضت عليها، تعتبر إيران ان إنتاجها من النفط والغاز دون المستوى المطلوب التي تستطيع الوصول اليه. ولكن بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، والبدء برفع العقوبات بشكل تدريجي، قرّرت طهران مضاعفة إنتاجها من النفط، وفي الوقت نفسه زيادة إنتاج الغاز 30 في المئة، وبذلك تعيد الحقوق المالية التي خسرتها.

قمة طهران ودبلوماسية الغاز

وعن الصراع الدولي على الغاز والنزاعات العسكرية المحتلمة لا سيما ما تشهده سورية، يوضح النقاش، أنه لطالما كان الصراع على النفط والغاز أحد أهم أسباب الحروب في العالم، لكن من الخطأ اعتبار أن أسباب الأزمة السورية هو الصراع على الغاز فقط، بل أساس الصراع هو الدور السوري في المنطقة وضرب محور المقاومة ويأتي الغاز من الأسباب الثانوية لا الرئيسة.

ويلفت المحلل السياسي إلى أن دبلوماسية الغاز تجلت بإحدى صورها في قمة طهران، إذ إن المصالح الدولية التي تقوم على النفط والغاز هي أساسية في نسج تحالفات استراتيجية ومستقبلية، فعندما تتفاهم دولتان أو أكثر على مشروع غاز أو نفط طويل الأمد، تصبح مصالحها الأمنية مشتركة أيضاً وليست فقط الاقتصادية، لأنه لا يمكن مد أنابيب للنفط أو للغاز تبلغ كلفتها المالية ما بين عشرة مليارات وعشرين مليار دولار، وتعيش الدولتان دائماً حالة من اللااستقرار أو من الصراع، ودبلوماسية الغاز تستفيد منها الدول للتأثير أكثر على الساحة الدولية في مختلف الميادين، وتظهر اليوم في العلاقة بين إيران وروسيا حيث تقاسم الأسواق وارتباط المصالح، كما حصل أيضاً بين تركيا وإيران حيث لم تتوقف علاقاتهما الاقتصادية واستمرت تركيا بشراء الغاز الإيراني على رغم كل الصراع السياسي بينهما.

بوتين يحسم: لن نطعن حلفاءنا

ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي أمين قمورية في حديث إلى «البناء» أن قمة طهران مهمة جداً على المستوى الاستراتيجي، أولاً عنوان القمة هو الغاز، والغاز كسلعة لها معنى سياسي في ظل الصراع الكبير على خرائط وإمدادات الغاز في العالم وتحديداً إلى أوروبا، واليوم عندما تحصل هذه القمة وهذا التعاون بين الدول المصدرة للغاز له معاني كبيرة على المستوى السياسي تفهمها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.

ويشير قمورية إلى مسألة ثانية ذات أهمية أيضاً، تتمثل باللقاء بين الزعيمين الإيراني والروسي خامنئي وبوتين، خصوصاً بعد الأجواء التي أشاعت قبل حصول هذا الاجتماع أن هناك تباين كبير بين روسيا وإيران على الملف السوري. ويضيف قمورية: كل المعلومات حول اللقاء بين بوتين وخامنئي تشير إلى أنه تناول بصراحة مطلقة ما يجري في سورية والمنطقة من حيث المخاوف التي يبديها الطرفان وتحديداً القلق الإيراني من مدى عمق التفاهم الأمني الروسي ـ «الاسرائيلي»، وهذا في غاية الأهمية. أما القلق الثاني لدى إيران فهو مدى تمسك روسيا فعلاً بالرئيس السوري بشار الاسد في المرحلة الانتقالية والخوف الإيراني كان من صفقة بين الاميركي والروسي على حساب حلفاء روسيا، أما نتيجة القمة واضحة وقالها بوتين، «أننا لا نطعن أصدقاءنا من الخلف» وعندما يقول ذلك للمرشد فضلاً عن الهدية التي قدّمها اليه، يعني وجود نية لإزالة كل الالتباسات وتأكيد على التحالف الكبير والاستراتيجي بين الدولتين.

روسيا وتركيا وسورية

ويستبعد النقّاش أن يكون إسقاط تركيا الطائرة الروسية الحربية ردّاً تركياً على قمة طهران، لا بل يبدي اعتقاده بأنها جاءت كرد تركي على القصف الروسي لكل مضخات وصهاريج النفط الذي كان تنظيم «داعش» يستخدمها، لأن هذا القصف الروسي حرم تركيا من مصدر مدخول نفطي كانت تبيعه لـ«اسرائيل» وبالتالي حرمها من تمويل «داعش» عن طريق دفع أموال النفط، وهي اليوم ـ اي تركيا ـ إذا أرادت الاستمرار بدعم «داعش»، عليها أن تدفع له أموالاً نقدية، إلا انها خسرت سوق النفط التي كانت تورده لـ«اسرائيل»، ومن المعروف أن المقربين من الرئيس التركي رجب أردوغان في عائلته وفي حزب العدالة والتنمية هم المستفيدون من عائدات مبيعات النفط.

ويعرب قمورية عن اعتقاده أن هذا التحالف الروسي ـ الإيراني له تأثيرات كبيرة على المستوى السياسي والأمني والعسكري ويزعج أميركا جداً ودولاً أخرى في المنطقة، وأولى تأثيراته كان الردّ التركي بإسقاط طائرة حربية روسية قالت إنها خرقت أجواءها، وهذا التحالف أيضاً له انعكاسات على الساحة الميدانية في سورية.

ويؤكد قمورية أن من يسيطر اليوم على القلب السوري سيسيطر على قلب اللعبة السياسية في العالم. لذلك، دول كثيرة لا تريد لهذا التحالف الإيراني ـ الروسي أن يستمر وينجح، بل تريد فك هذا التحالف، ولكن ما يحصل هو العكس، وهذا اللقاء بين بوتين والمرشد خطوة هامة ستثير مخاوف وتغيّر قواعد اللعبة والاشتباك والتعاطي على الساحة الدولية. وحادثة الطائرة تشير إلى ذلك القلق الفعلي الذي ينتاب بعض الدول من ذلك.

ويعتبر وزنة أن تركيا وروسيا اليوم ترتبطان بمصالح اقتصادية وجيوبوليتيكية عميقة، على رغم التباين في الآراء السياسية، ولم تؤد إلى وقف العلاقات الاقتصادية، أما في ما يتعلق بقمة طهران، فإن تركيا لا علاقة لها، بل سيبرز دورها في إمدادات الغاز التي ستمر في أراضيها والتي ستستفيد منها مادياً.

لبنان والفرصة الضائعة

ويأسف وزنة لأن السياسة في لبنان منعت بيروت من حضور اجتماع المنتدى على رغم أن المخزون الأكبر من ثروة لبنان الطبيعية في البحر هي من الغاز. وبالتالي حضوره في المؤتمر ضرورة، وفوّت عليه فرصة ثمينة، إذ كان يجب أن يحضر ويأخذ بالآراء الدولية والمعلومات الدقيقة لجهة أسماء الشركات التي ستتولى استخراج الغاز والنفط، وعن الأسوق التي سيصدّر إليها. لكن للاسف السياسة عرقلت حضوره كما عُرقل إقرار مرسومَي النفط والغاز، ما يؤدي إلى خسارة لبنان مصداقيته في عالم النفط، وتراجع اهتمام الشركات النفطية العالمية، وتقلص المنافع الجيوستراتيجية التي يمكن أن يستفيد منها، لأنه بلد نفطي في علاقاته السياسية والاقتصادية مع الدول الإقليمية والدولية، اضافة إلى إضاعة الأسواق المحتملة لتصدير غازه، خصوصاً في ظل منافسة إقليمية إسرائيل، قبرص، سورية شرسة، وعدم حصوله على استقلالية نفطية وبقائه معتمداً على الخارج،، والإتاحة لـ«إسرائيل» الاستيلاء على جزء من ثروته النفطية.

ويضيف وزنة أنّ مخزون الغاز اللبناني بعد استخراجه سيصدّر إلى أوروبا، ولبنان معنيّ أيضاً بالإمدادات المستقبلية للغاز، لكن كمية الغاز في لبنان أو في سورية ليست ضخمة، ولا يمكن قياسها بمخزون روسيا وإيران والدول الكبرى، ولا تشكل مخاطر على الغاز القطري أو الروسي أو الإيراني، وهو يكفي لسدّ حاجات اقتصاد سورية ولبنان فقط.

صراع إقليمي ـ دولي على الغاز

يشكّل الغاز مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين سواء من حيث بدائل الطاقة بعد تراجع احتياطي النفط عالمياً، أو من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا، فإن السيطرة على مناطق احتياطي الغاز في العالم تعتبر بالنسبة إلى القوى العالمية الكبرى أساس الصراع دولياً وإقليمياً.

كان الترتيب العالمي للغاز يتأرجح بين روسيا وتركمانستان وأذربيجيان وجورجيا وإيران وقطر. وباتت الدراسات تتحدث عن ترتيب جديد يقرّه واقع المخزون الاستراتيجي الجديد، حيث أولاً روسيا: في حوض غرب سيبيريا: باحتياطي يُقدّر بـ 643 تريليون قدم مكعب وثانياً الربع الخالي 426 تريليون قدم مكعب + حقل غوار الكبير شمال شرق السعودية 227 تريليون قدم مكعب وثالثاً غاز البحر الأبيض المتوسط 345 تريليون+5.9 مليار برميل من الغازات السائلة +1.7 مليار برميل من النفط وأكثر هذا المخزون في سورية، حيث تتحدث دراسات أخرى عن أن ما يُرى في البحر المتوسط مركزه في سورية وأن اكتشاف حقل «قارة» بما يحقق 400 الف متر مكعب يومياً قد حسم أمر واقع ثراء سورية بالطاقة وصولاً إلى اعطائها المرتبة الأولى ورابعاً حزام حقول الغاز على امتداد الخليج العربي حزام زاغروس من إيران إلى العراق 212 تريليون قدم مكعب .

سباق استراتيجي بين مشروعين

المشروع الأميركي «نابوكو»: ومركزه آسيا الوسطى والبحر الأسود ومحيطه. فيما موقعه المخزِّن في تركيا، ومساره منها إلى بلغاريا فرومانيا ثم هنغاريا فالتشيك وكرواتيا وسلوفينيا فإيطاليا.

المشروع الروسي في شقّيه الشمالي والجنوبي:

ـ السيل الشمالي: وينتقل من روسيا إلى ألمانيا مباشرة.

ـ السيل الجنوبي: ويمر من روسيا إلى البحر الأسود فبلغاريا ويتفرّع إلى اليونان فجنوب إيطاليا وإلى هنغاريا فالنمسا.

الغاز والبحر المتوسط

إن انتقال الغاز إلى البحر المتوسط يستوجب المرور عبر سورية لتصديره إلى أوروبا، كما أن اختيار إيران طريق العراق ثم سورية، فالبحر المتوسط لنقل الغاز قد أطاح بمشروع الأميركيين «غازبابوكو»، وثبّت مشروعي السيل الشمالي والجنوبي الروسيين مع ما يضاف إليهما من استثمارات في شرق المتوسط كأولوية على حساب الأميركيين والغرب. إذ لا يستثمر الأميركيون إلا في «إسرائيل» وقبرص، ويتطلعون إلى الغاز والنفط اللبنانيَين بعد ضياع فرصة الغاز السوري.

الغاز سلعة حيوية إقليمية

يعتبر الغاز الطبيعي سلعة حيوية إقليمية لا سلعة دولية مثل النفط، إذ تشكل كلفته الإجمالية ثمنه في أرض المصدر مضافاً إليها أجرة نقله بوساطة الأنابيب. فإذا كان البلد المستورد للغاز الطبيعي قريباً إلى بلد المصدر كان سعر الغاز في البلد المستورد أقل. وإذا مرّت أنابيب الغاز في عدة دول، فإن الدول التي يمر بها الغاز تستوفي ضريبة على مرور الغاز في أراضيها، ما يرفع الثمن الإجمالي للغاز المصدر إلى دولة ثالثة أو رابعة.

الغاز الأميركي

هناك غاز أنتج حديثاً في الولايات المتحدة من خلال صخور مشكلة من صلصال أو طين بها طبقات تنفلق بسهولة إلى طبقات وفيها مواد هيدروكاربونية وغازية.

وسمي هذا الغاز بالغاز الصخري shale gas «وفي دراسة أجريت عام 2011 من قبل إدارة معلومات الطاقة EIA الأميركية، أظهرت الدراسات تقنياً بأن الغاز الصخري الذي يمكن استخراجه في العالم ربما بكميات تفوق احتياطيات الغاز الطبيعي». ولكن هناك كلفة أعلى لاستخراج الغاز الصخري وقد أشارت دراسة للهيئة الأميركية لمعلومات الطاقة EIA بأنه يمكن استخراج غاز صخري في أوروبا باحتياطات تصل إلى 500 تريليون قدم مكعب ما يساوي استهلاك أوروبا لمدة 25 سنة».

غاز قطر وخطر النضوب

تزوّد قطر 10 في المئة من واردات أوروبا من الغاز المسال، وتعتبر دولة قطر من أغنى دول العالم بالثروة البترولية والغازية، إذ تم استغلال الواردات القطرية أفضل استغلال. ولكن احتياط قطر من النفط يتوقع أن ينضب عام 2023 إذا استمرت على مستوى الإنتاج الحالي. وتأتي قطر في المرتبة الثالثة بعد روسيا وإيران من حيث الاحتياط العالمي من الغاز الطبيعي. و يقدّر احتياط قطر بـ896 ترليون قدم مكعّب بحسب إحصاءات عام 2010، ويمثل 14 في المئة من الاحتياط العالمي، كما تسعى لتكون مصدراً للغاز الطبيعي عبر أنابيب تعبر إلى أوروبا من خلال السعودية والأردن وسورية وتركيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى