المهنّد كلثوم ينثر ياسمينه في مدارس بنات الشهداء

دمشق ـ آمنة ملحم

من ألم البرد ومعاناة التهجير وقسوته التي يعيشها أطفال الحرب في سورية اليوم، وعلى وقع خطى طلاب المدارس، لا بل تلك الطالبة «ياسمين» التي تهشّمت أحلامها على عتبات الطرقات، وبقيت مصرّة على تخطّي الركام لتصل إلى مقعدها المدرسي، ليهزّ وحدتها صدى يذكّرها بأمها وأبيها، فتعود بها ذاكرتها إلى الماضي، مسترجعةً ألحان العود الذي لطالما أطربها عزف والدها عليه. ويلحّ ذلك الصوت عليها، فتسترجع مخيلتها أحلامها وأحلام أصدقاء طفولتها وهم يمضون مرحاً في مدارس احتضنت عبير طفولتهم، الذي صار اليوم منثوراً هنا وهناك، وضاعت نشوته بعد اختلاطه برائحة البارود ولون الدم.

«ياسمين» التي لن تصغي لوعود أحد بلقاء عائلتها مجدّداً، بقيت متشبثة بمقعدها المدرسيّ المحاط بالركام، لتكون نموذجاً من حياة أطفال هزمت الحرب أحلامهم.

ومن «ياسمين»، انطلق المخرج الشاب المهند كلثوم في رحلة فيلمه الوثائقي «ياسمين»، الذي افتتحه بعرض خاصّ على مسرح مدارس بنات الشهداء في العاصمة السورية دمشق لمناسبة يوم الطفل العالمي.

أبطال «ياسمين» أطفال: طفلة فقدت والديها، وآخر سرقت آلة الحرب قدرته على المشي ولعب كرة القدم التي لطالما كان بارعاً فيها. وثالثة أضاع الخطف صديق دراستها والجار في حيّها، ورابعة تحوّلت آمالها في العودة إلى فلسطين، إلى آلام التهجير ما بين المخيم ومراكز الإيواء. أطفال لا يريدون سوى أن تتفتح الوردة وتغمض على أصوات لعبهم وهدير براءتهم الذي نطق على لسان وتر العود الدمشقي «منرفض نحنا نموت»، مهما علا صوت الرصاص من حوله.

أطفال «ياسمين» نماذج حقيقية عن أطفال الحرب. ونظرتهم إلى مجرايتها الشرسة على أرضهم وبيوتهم ومدرستهم ضمن نظرة حالمة بمرآة أصابتها شظية لكنها ظلت تعكس صورة نقيّة لغد محمول على عطر الياسمين. فالياسمين طفل الشام الذي لا يشيخ، المحمّل بعبق ضحكات الأطفال وعبراتهم السخية مع نفوسهم الأبية. لذا، هو يرسم الغد الأجمل.

أطفال الحرب شهدوا وامتلأت مخيلاتهم بصور لحرب مزّقت فسيفساء حياتهم السورية، واستبدلتها بدماء وأشلاء لأحبة لم يبقَ لهم مكان سوى في الذاكرة. تلك الذاكرة التي ستنطلق بها هذه الطفولة المحملة بالآلام لتكون شاهداً على ما اقترفته أيدي الإرهاب. وهذا ما حمله الفيلم من رسالة نطقت ملامحها بالإنسانية وعذوبة الطفولة المجروحة، فغصّت الحناجر بها، لتخبر العالم عن تلك الانتهاكات التي تطاول حقوق الانسان والطفولة، ضمن محاولة سينمائية للدفاع عن مستقبلهم. «ياسمين» المهند كلثوم، انطلق من مدارس بنات الشهداء عرفاناً بالجميل لمن ضحّوا بأرواحهم ودمائهم ليحيا الوطن عزيزاً شامخاً. ووفاءً للمكان الذي تخرّج منه مخرج «توتر عالي»، ابن الشهيد، الذي اعتاد افتتاح أفلامه في المكان الذي احتضن طفولته، ومنه بزغت ملامح نجاحه.

كلثوم، وفي حديثه عن الفيلم، لفت إلى أنّ «ياسمين» الرسالة الأولى وأبطالها أطفال سورية. ويقول: «أردنا عبر هذا الفيلم محاكاة الواقع ولو بنسبة واحد في المئة. فما يحصل اليوم مؤلم جدّاً. أبطال الفيلم أطفال حقيقيون فقدوا مقرّبين، وفي الوقت نفسه خسروا منازلهم، وحملوا معاناة وتكلّموا عنها. في الفيلم، خرجنا عن المألوف بالوثائقي، وقدّمنا ديكودراما متجسدة بتزويد الفيلم وتدعيمه بمشاهد تمثيلية لفقر المادة الوثائقية، فأعيد تصوير الواقع على أنه حقيقة عبر مشاهد مصوّرة». وفور انتهاء العرض، قدّمت المديرة العامة لهيئة مدارس أبناء الشهداء وبناتهم شهيرة فلوح، درعاً تكريمية للمخرج كلثوم، وكذلك لمنعم السعيدي الذي كتب سيناريو الفيلم بالتعاون مع كلثوم. ونوّهت في كلمة ألقتها بأن «ياسمين» حاكى الواقع الذي نعيشه، وأكد على أهمية الطفولة والطفل، وأن الأطفال بناة المستقبل لا سيما عندما نثروا الياسمين في نهاية الفيلم، وعادت الأشجار إلى لونها الأخضر. وتابعت: «أملنا كبير بأبناء الشهداء وأطفال سورية جميعاً، لتعود سورية كما كانت مزدهرة مفعمة بالحياة والحضارة والعلم».

يشار إلى أنّ فيلم «ياسمين» من إنتاج «صورة الحياة للانتاج السينمائي والتلفزيوني»، وهو من بطولة الأطفال: هبة المرعي، لونا الأخرس، ثروت كبتول، وعبد الرحمن مصطفى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى