بين حزب الله وروسيا حرب مقدّسة من نوع آخر

روزانا رمّال

لطالما عبّرت «إسرائيل» عن مخاوفها من أن تكون شحنات السلاح الروسي المتطوّر التي ترسلها روسيا إلى سورية قد وصلت إلى حزب الله، المخاوف «الإسرائيلية» انعكست دوماً سلسلة من محاولات التعبير عن هذه الهواجس في كلّ مرة تلحظ تحركاً لشحنات سلاح في سورية زاعمة أنها تابعة لحزب الله وأنه قد حصل عليها من الجانب السوري، أو عبر أراضيه، وأنها في طريقها إلى لبنان، فتقوم باستهدافها للتذكير الدائم بأنّ نقل السلاح خط أحمر، فكيف بعدما امتلكت إيران حليفة سورية صواريخ فائقة القدرات من موسكو، خصوصاً بعد صفقة صواريخ «أس 300» التي أجبرت نتنياهو حينها على السفر إلى موسكو لاستطلاع الأمر والاستفسار عن إمكانية الحصول على ضمانات، وكانت موسكو قد سلمت في وقت سابق دمشق صواريخ «ياخونت» المتطوّرة.

روسيا أكدت في غير مرة منذ الأزمة السورية أنها لن تتوقف عن إرسال السلاح اللازم إلى سورية ضمن صفقات قديمة موقعة بين الطرفين، وضمن حلف يحتّم عليها كخيار ثابت لا تريد الوقوع في خطر الإخفاق في انتهاجه، كما حصل معها في ليبيا وخروجها الكامل منها وعدم استخدامها حتى لحق الفيتو الذي كان من الممكن أن يغيّر الكثير من الأوضاع.

وعلى هذا الأساس يتوجب على روسيا إظهار عمق الدعم للدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد من أجل ضمان حضورها النافذ وحفظ أمنها الوطني والقومي من مخاطر الإرهاب.

المخاوف «الإسرائيلية» ليست نابعة من فراغ، إنما من حلف يثبت يوماً بعد يوم ثباتاً متقناً يتمثل بمحور مؤلف من سورية وحلفائها وأبرزهم حزب الله إضافة إلى إيران حتماً، وهو مسار رسمته روسيا منذ أول شهور الأزمة السورية، فكانت زيارة وفد من حزب الله، برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بداية الأزمة، أدقّ تعبير عن الحرص الروسي على بناء علاقة جيدة ورسمية مع الحزب، للاتفاق على ثوابت المرحلة بعد تبنّيها لفكرة تعرّض نظام دمشق للاستهداف، وكان ذلك في شهر تشرين الأول من عام 2011 في لحظة سياسية تزاحمت فيها التطورات والمتغيّرات على مساحة المنطقة، وأكدت حينها على أهمية دور المقاومة في حماية لبنان، واستمعت إلى قراءة حزب الله للأحداث المتسارعة في المنطقة من فلسطين مروراً باليمن ومصر والعراق وصولاً إلى سورية، وعن حديث حزب الله عن تكرار محاولات الغرب لضرب قوى المقاومة والممانعة، لإخضاع المنطقة والتحكّم بقرارها ومواردها.

وفي ذروة الاستهداف الأميركي لحزب الله وتصنيفه منظمة إرهابية أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان «أنّ موسكو لا تعتبر حزب الله منظمة إرهابية بل تقيم معه قنوات اتصال وعلاقات»، واليوم هو مناسبة للتذكير بموقف الكونغرس الذي صوّت بغالبية ساحقة على مشروع قرار ضدّ حزب الله يشدّد الخناق عليه وعلى المؤسّسات المالية والأفراد الذين يدعمونه، وجاء في الفقرة الأخيرة منه: «إجبار الرئيس على رفع تقارير إلى الكونغرس حول الدول التي تدعم حزب الله، حيث للحزب شبكات لوجيستية وشبكة تبرّعات وتمويل وغسل أموال. ورفع تقارير عما إذا كانت هذه الدول تأخذ الإجراءات الكافية لضرب شبكة حزب الله التمويلية»، وهنا من غير المؤكد إذا ما كان الكونغرس قد التفت إلى الدعم الروسي لحزب الله والى الحلف المتماسك الذي يظهر أكثر فأكثر، ويبدو أنه وصل إلى ذروته، بحيث قدّم حزب الله نموذجاً عن الحليف الملتزم والجدّي بمكافحة الإرهاب إلى جانب سورية وروسيا وإيران. والأخطر بالنسبة إلى «إسرائيل» سيكون ما كشف المشهد من تعاون وتنسيق عسكري، فالطيار الروسي الناجي الثاني الذي فقد إثر استهداف تركيا لطائرة السوخوي أول أمس قد تمّ إنقاذه بعملية كومندوس خاصة تمّت بين الجيش السوري وعناصر من حزب الله. وقد ذكرت التقارير الروسية أنّ 6 عناصر لحزب الله من أصل 18 مع الجيش السوري فتشوا عن ملاّح الطائرة في غابات منطقة الكوم الحدودية، وأنه نُقل إلى قاعدة حميميم الجوية في سورية.

ستتعامل روسيا مع هذا الإنجاز بقدر من الدقة وستعمل عليه لمزيد من التنسيق، وهنا سيكون المشهد الذي لطالما توجّست منه «إسرائيل» قد أصبح واقعاً، فالتعاون بين حزب الله والقوات الروسية في سورية تخطى حدود التعاون لمكافحة الإرهاب، وكسر حدود الخصوصية التي كان من الممكن لروسيا أن تطالب فيها كحق بعدم خرقها من قبل أيّ قوة قتالية خارجية، وعلى هذا الأساس تشكل هذه الحادثة مفترقاً ومفصلاً للعلاقة بين روسيا والحزب، وهي تأكيد على أنّ الأخير قد قطع شوطاً هاماً في ملف مكافحة الإرهاب وتعزيز قدراته القتالية ما قد يؤسّس لاحقاً لسلسلة من جولات التعاون العسكري والتدريبات أو المناورات ومَن يدري صفقات سلاح مباشرة.

تعرف «إسرائيل» أنّ هذا الحادث يضع أمنها على المحك ويدحض كلّ النداءات الأميركية أيضاً الداعية إلى اعتبار حزب الله منظمة إرهابية بعدما قدّم للعالم نموذجاً من القتال والإقدام والبسالة التي ضربت بعُرض الحائط أيّ مجال للحديث عن تطرّفه وطائفيته وفئويته، فالمعركة التي يقدّمها محور المقاومة اليوم نموذجية لناحية توحّد المذاهب والطوائف والأديان والدول، حيث الجميع السوري واللبناني والروسي والإيراني والعراقي و… المسيحي والمسلم… الأرثوذكسي والسرياني والماروني والآشوري والأرمني والعلوي والشيعي والسني والدرزي و… بقلب واحد لقتال الإرهاب في معركة مقدّسة تخطت السياسة نحو الإنسانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى