السلام المستحيل

بلال شرارة

منذ مطلع الأسبوع وصلت حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» لتشارك في الحرب العالمية المقدسة ضدّ الإرهاب، ومن جهته ديفيد كاميرون رئيس حكومة بريطانيا الذي فكر في خوض غمار هذه الحرب سينتظر حتى يوافق مجلس العموم والولايات المتحدة الأميركية التي تقود حربها المتأخرة ضد «داعش». أقول حرباً متأخرة ، لأنّ هذه الحرب غير مجدية دون أن يبادر حلفاء الولايات المتحدة إلى تجفيف الموارد البشرية والمالية والتسليحية لـ»داعش». وحقيقة الأمر أنّ الحليف التركي المباشر لواشنطن والذي هو أحد أركان حلف الأطلسي بادر حسب إعلانه متأخراً إلى العمل لإغلاق المنافذ البرية للإرهاب عبر حدود تركيا مع سورية، فيما تسعى واشنطن بالملموس إلى إفراغ الشمال السوري من داعش، أما البقية، خصوصاً العرب الخليجيين، فإنهم يواصلون إرسال الإمكانيات لمنظمات سورية حربية بما فيها داعش، باعتبار أن معركة أنماط سلطات الخليج باستثناء سلطنة عُمان تعمل على إسقاط «نظام بشار الأسد».

حتى الآن إذن جدول الأعمال الدولي الإقليمي – العربي لا زال غير متفق بشأنه، بالرغم من تكليف اجتماع فيينا المبعوث الدولي دي ميستورا جمع اللجان أطراف المعارضة ثم جمع الفرقاء السوريين حول طاولة ما في مطالع العام 2016 وتكليف الأردن وضع المعايير الدولية للمنظمات الإرهابية.

فيينا 3 سيعقد في منتصف الشهر المقبل ليرى مدى التقدم في صياغة التفاهمات السابقة ومحاولة صياغة المخارج لما هو غير متفق عليه.

وعليه فإنه وبدءاً من الاثنين 23/11/2015 فإن شتاء ملتهباً سيعمّ سورية والعراق على وجه الخصوص، وقد يصل إلى أطراف الحدود الشرقية مع لبنان وذلك على وقع جملة أمور:

1 ـ مشاركة فرنسا الجدية في الحرب على وقع العمليات الإرهابية التي استهدفت باريس.

2 ـ التحضيرات لعملية تركية أميركية لإنشاء منطقة حدودية خالية من «داعش».

3 ـ العمليات العسكرية الملموسة التي يقوم بها الجيش السوري على مختلف الجبهات.

4 ـ الضربات الجوية المكثفة لروسيا وتحالف الولايات المتحدة على مواقع «داعش».

طيب! ماذا عن الجبهة الجنوبية لفلسطين مع سورية ولبنان ومَن يضمن ضبط حركة المسلحين والسلاح والمال العابر للحدود من الأرض المحتلة إلى سورية؟ ومَن يضمن الدور الإسرائيلي؟

أخبار كثيرة تتحدّث عن اقتراب الحلّ السوري. هذا أمر جيد، بل أمر ممتاز، ونسأل الله، أن يتوقف شلال الدم السوري، ولكن هل جميع الأطراف السوريين والعرب والإقليميين والدوليين مؤهلون لدخول استحقاق السلام السوري؟ ومَن يوافق على خيارات الشعب السوري لنظامه السياسي؟

وهل من الممكن القبول بأن تضع أنظمة ملكية مثلاً صيغاً لقيام نظام جمهوري وتشارك في كتابة دستور للدولة في سورية ودور الدولة ومشاركة الشعب السوري في كل ما ينتج حياة المجتمع والدولة؟

مَن سيتفق مع موسكو أقصد الرئيس بوتين للمشاركة في حملة دولية تعتبر أولى أولوياتها ضرب الإرهاب وليس «داعش» فحسب؟

نقول إنّ السبيل الوحيد لعودة الاستقرار إلى سورية وإعادة بناء ما دمّرته الحرب هو إبعاد شبح الإرهاب وتحديداً الإرهاب الرسمي أو الإرهاب الذي تخطّطه وتدبّره دول، وصولاً إلى إرهاب الدولة الذي تمثّله «إسرائيل» والذي يهدّد السلم والأمن الإقليميين في الشرق الأوسط والدوليين انطلاقاً من الشرق الأوسط.

الخطر المقبل هو أن «إسرائيل» ستحاول الهرب إلى الإمام من استحقاقات القيامة الفلسطينية الراهنة بشنّ حروب عبر الحدود بحجة التهديدات للأمن الإسرائيلي.

إسرائيل ستعود لفتح النار على حدود احتلالها لقطاع غزة من الخارج وعبر المناطق الفلسطينية، وهذا الأمر يجري بموجب القوانين الإسرائيلية الجديدة إطلاق النار من دون رادع على راشقي الحجارة وعلى جبهة جنوب لبنان والجولان السوري.

إذن، الحرب لن تنتهي بهذه البساطة، حتى ولو اعتبر الرئيس بوتين أن هناك مليون إسرائيلي من أصول روسية هو المسؤول عن أمنهم إذ إن الأمن الإسرائيلي أمن الكيان يختلف عن مفاهيم الأمن الروسية .

ونحن في الشرق الأوسط نعرف أن شريعة قتل الأغيار التي تشكل أساس الأمن الإسرائيلي لا تطيق شركاء ولا تعترف سوى بأمنها.

سورية، برأيي المتواضع، ليست ذاهبة إلى سلامها بل إن جبهات أخرى ستحتل الأولوية وزعزعة استقرار الأنظمة ستقع في مكان آخر.

سيكون الأمر على هذا النحو إلى الخليج دُرْ وسوف لا ترفع السكين الإرهابي عن رقبة الشرق وسوف تعلق حركة السلاح والمسلحين والأموال التي تدفقت نحو المغرب العربي والتي وضعت ليبيا والجوار الليبي على منظار التصويب – سوف تطلق – حروباً صغيرة وحرائق في غير مكان، وهكذا نتوحّد بالحديد والنار من الخليج إلى المحيط.

العام 2016 سيكون عام اتساع مساحة الحرائق دون إطفاء النار المشتعلة في غير مكان، ستبقى الحرب الأساس من أجل سورية وستبقى سورية هدف الإرهاب الذي هو إرهاب رسمي مصدره أنماط سلطات تمتد من تل أبيب إلى المحيط والخليج، وسوف لا ينحاز إلى سورية سوى المقاومة ومصر وروسيا لأسباب عقائدية وتاريخية ومصلحية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى