الحديث مجدّداً عن منطقة آمنة

حميدي العبدالله

ثمة حديث جديد عن منطقة آمنة تبدأ من جرابلس وتنتهي بأعزاز، على أن تكون هذه المنطقة الآمنة موجهة ضدّ «داعش»، كون تنظيم «داعش» هو الذي يسيطر على هذه المنطقة.

وواضح أنّ الحديث عن هذه المنطقة الآمنة يأتي من تركيا أكثر من أيّ جهة أخرى، علماً أنّ الولايات المتحدة تتحدّث عن إغلاق هذا المقطع في الحدود لكي لا تصل أية مساعدات لـ«داعش» من داخل تركيا، ولا تتحدّث عن منطقة آمنة.

لكن على فرض أنّ الحديث عن المنطقة الآمنة وفق المفهوم التركي، فإنّ هذا المفهوم يطرح أسئلة ويخلق مشكلات أكثر من المشكلات التي يقود إلى حلها. ومن بين الأسئلة: هل تعني المنطقة الآمنة حظر حركة الطيران الروسي أو السوري، إذا استهدف مواقع «داعش» في هذه المنطقة؟ وإذا ما تمّ ذلك ألا يعني هذا حماية «داعش» بدلاً من محاربتها؟ وألا يعني ذلك أيضاً احتمال عدم الالتزام من قبل روسيا وسورية بأيّ منطقة حظر غير مصرّح بها قانونياً لا من مجلس الأمن ولا من الحكومة السورية؟ ألا يحمل ذلك مخاطر اندلاع حرب عالمية إذا تمّ الإصرار على ذلك؟

أما المشاكل التي يطرحها المفهوم التركي للمنطقة العازلة، أيّ وجود قوات في هذه المنطقة غير «داعش» على أن لا تكون هذه القوات هي قوات الحماية الكردية، فهل تملك تركيا والولايات المتحدة قدرات على الأرض تمكنهم من القضاء على «داعش» وإبعاد لجان الحماية الكردية عن هذه المنطقة؟ أما إذا سمح للأكراد بالانتشار في هذه المنطقة على حساب خروج «داعش» منها، ألا يتعارض ذلك مع السياسة التركية المعلنة؟

ثم كيف يمكن أن تكون هذه المنطقة منطقة آمنة إذا كانت مرشحة لاندلاع أعنف وأشدّ المعارك، سواء ضدّ «داعش»، أو حتى ضدّ وحدات الحماية الكردية إذا أصرّت أنقرة على منع الأكراد من الحلول محلّ «داعش»، وهم القوة البرية الوحيدة القادرة على الاستفادة من الإسناد الجوي الذي يقدّمه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

يمكن أن تسمّى هذه المنطقة بأيّ اسم إلا اسم المنطقة الآمنة، لأنّ تعبير آمنة يفترض سهولة السيطرة عليها، وتوفير الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وإبعادها عن كلّ أشكال القتال والمعارك التي تشهدها مناطق سورية عديدة، وكلّ ذلك متعذّر في المدى المنظور، ولا سيما في هذه المنطقة التي تكثر فيها الجماعات المسلحة المتصارعة والمتضاربة مصالحها ومصالح مشغليها الإقليميين والدوليين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى