حديث في الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

رامز مصطفى

تأثيرات الانتفاضة

فلسطينياً:

– أحدثت حالات من التراشق والسجال السياسي والإعلامي، ووفق حملات الاتهامات المتبادلة بين حركتي حماس وفتح .

– حركت الجمود السياسي الذي ساد الساحة الفلسطينية لفترات طويلة، من خلال دفع قيادات الفصائل إلى التلاقي وعقد الاجتماعات التي شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت في الآونة الأخيرة، من دون أن نمني النفس بأنّ الانقسام سيجد طريقه إلى الانتهاء، وإن كنا نحرص على ذلك، لكنّ الطرفين الفاعلين في الانقسام بعيدان كلّ البعد عن تحقيق المصالحة .

– كسرت الحاجز النفسي عند الشبان الفلسطينيين في التأكيد على القدرة في مواجهة قوات الاحتلال ومستوطنيه، وإيقاع خسائر في صفوفهم، من خلال عمليات الطعن والدهس التي تشهدها أحياء القدس ومناطق الضفة، وأيضاً القدرة في الدفاع عن النفس .

– أثبتت القدرة الفلسطينية على مواجهة سياسات الاحتلال ومنعه من تحقيق أهدافه، فيما لو توفرت الإرادة السياسية لدى السلطة في أن تسير نحو المواجهة مع حكومة نتنياهو .

– أعادت الأضواء إلى القضية الفلسطينية على الساحة الدولية والإقليمية، بعد أن جرى عمداً تهميش حضورها على جدول أعمال المجتمع الدولي والكثير من الدول العربية والإسلامية.

– وحّدت جهود الشعب الفلسطيني من القدس إلى الضفة والقطاع إلى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 ، في إطار الانتفاضة من خلال مسيراتهم وفعالياتهم تحت مظلة العلم الفلسطيني في مواجهة قوات الاحتلال والمستوطنين.

– عرت منطق التسوية السياسية المرتكزة على المفاوضات العبثية، وهذا ينسحب أيضاً على التنسيق الأمني الذي وفرَّ الحماية للمستوطنين وقوات الاحتلال التي جعلت من احتلالها الأقل كلفة. وبذلك وجهت الانتفاضة ضربة قاصمة إلى مشروع الجنرال «دايتون» الذي راهن على خلق أجيال تعمل من خارج سياقها الوطني لصالح أمن فُصِلَّ على مقاس أمن «إسرائيل» ومستوطنيها وقوات احتلالها.

«إسرائيلياً «:

– وضعت مشروع نتنياهو وغلاة المستوطنين الصهاينة والذي يهدف إلى السيطرة على المسجد الأقصى في مهب الريح، بسبب الإصرار الفلسطيني على منعه من تحقيق أحلامه وأهداف حكومته وحركته الأم الحركة الصهيونية.

– ضربت نظرية الأمن في الكيان، بحيث باتت حالة الهلع والخوف تطبع الحياة والسلوك اليومي للأجهزة الأمنية والمستوطنين، وقد أشار باحث أكاديمي في دراسة له إلى أنّ مليون ونصف المليون منهم يعانون حالة نفسية مضطربة بسبب أعمال المقاومة. وأكد كلّ من البروفيسور يوحانان أيشيل ومولي لاهد وشاؤول كيمحي، من قسم علوم النفس في كلية تل حاي أنّ البحث قد ركزَّ على تأثير الأحداث الأمنية الأخيرة على المجتمع «الإسرائيلي». وهذا ما ذهبت إليه صحيفة «هآرتس» العبرية حين كتبت «نحن أيضاً نجد صعوبة في التمييز بين الخوف من كراهية الجميع لنا وبين الواقع الحقيقي الذي تراجع فيه وضع إسرائيل الأخلاقي بشكل كبير، وبدلاً من فهم أسباب التراجع فإننا نفضل الحديث والغضب بسبب الملاحقة».

– أثرت في الاقتصاد «الإسرائيلي» الذي يشهد ركوداً بالإضافة إلى إغلاق العديد من الأسواق والمحلات التجارية وتحديداً في مدينة القدس، بسبب خوف وهلع المستوطنين والتزامهم البيوت ، كما أنّ رفع حالة الطوارئ واستدعاء الاحتياط قد أرهق الموازنة من جهة، وأدى إلى تراجع الحركة السياحية بعد إلغاء الكثير من الحجوزات الفندقية. وقد تأثرت البورصة في كيان العدو، وهذا ما حذر منه مدير وزارة مالية الكيان السابق البروفيسور آفي بن باست الذي رأى أنّ دولة الاحتلال تواجه «خطر ضرر اقتصادي كبير». وقال: «إنَّ آثار هذه الانتفاضة والعمليات التابعة لها أخطر على الاحتلال من الآثار الاقتصادية للانتفاضة الثانية، ويعود ذلك إلى كون الأحداث الحالية تأتي في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الإسرائيلي تباطؤاً في النمو، وتعاني الاستثمارات من انخفاض حاد». وأضاف بن باست: «إنّ الموجة الحالية من زعزعة الأمن سوف توقف استعداد المستثمرين لعمل مشاريع، وذلك سيلحق ضرراً بالاقتصاد لسنوات طويلة». وقالت الخبيرة الاقتصادية آيليت نير، بدورها: «إنّ فقدان الإسرائيليين للأمن انعكس على خروجهم من المنزل، وألحق ضرراً بالمتاجر والأسواق». وأكدت أنه «على الرغم من أنّ صيف 2014 شهد حرباً حقيقية وليس انتفاضة شعبية، فإنّ الضرر الذي لحق بالسوق الإسرائيلي من جراء الانتفاضة الشعبية أكبر بكثير مما ألحقته الحرب الأخيرة على قطاع غزة «. وكانت منظمة «راند « الأميركية للأبحاث والدراسات، نشرت دراسة حول الخسائر الاقتصادية التي ستلحق بالكيان الصهيوني في حال اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، أكدت فيها أنّ حجم تلك الخسائر سيصل إلى 250 مليار دولار ، مقسّمة بين خسائر مباشرة وفرص ضائعة .

– ساهمت في كشف المزيد عن الطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، ما سيزيد من حالة العزلة التي يعيشها الكيان في العالم، بسبب سياساته الإجرامية التي عرضت وتعرض الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته وأرضه للخطر الشديد.

– وضعت حكومة وقادة الكيان أمام مأزق «الخيارات السياسية» في رؤيتهم للحلّ النهائي، الذي تحدّدت عناوينه بما سمي بـ«حلّ الدولتين» أو بـ«حل الدولة الواحدة»، مع القناعة بأنّ نتنياهو يعمل من خارج هذه الخيارات لصالح مقولة أن «ليس للفلسطينيين أي حقوق»، التزاماً بتوجهات اعتمدها الصهاينة منذ اغتصاب فلسطين عام 1948.

الإجراءات القمعية الصهيونية

في الأصل الكيان الصهيوني، بأجهزته الأمنية لم يتوقف عن إجراءاته العقابية، وممارساته القمعية بحقّ الشعب الفلسطيني ونشطائه وقياداته، وهو لا يحتاج إلى أية مبررات أو مسوغات حتى يُقدم الاحتلال على التصعيد من أساليبه العقابية، وهي في حالة تصاعدية حتى ما قبل اندلاع الانتفاضة الثالثة، والتي اتخذت في مواجهة المنتفضين أشكالها الردعية من وجهة النظر «الإسرائيلية»، والتي اتخذت أشكالاً متعددة أبرزها :

– احتجاز جثامين الشهداء الذين ينفذون أعمال الطعن والدهس، وهناك معلومات عن سرقة أعضاء من جثامين الشهداء.

– هدم منازل عائلات منفذي عمليات المقاومة سواء في القدس أو الضفة الغربية.

– الاعتقال الإداري للنشطاء في الميادين، أو على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد اعتقلت قوات الاحتلال الطفلة المقدسية تمارا أبو لبن، على خلفية كتابتها على صفحتها عبارة «سامحوني إذا زعلت أحداً».

– السجن وإطلاق النار لكلّ من يقذف قوات الاحتلال بالحجارة .

– تشريع إطلاق الرصاص الحي والمطاطي باتجاه الشبان المنتفضين في القدس والضفة والقطاع.

– حجز ومصادرة البطاقات الزرقاء من عائلات منفذي العمليات وتهديدهم بالإبعاد.

– تشجيع حكومة نتنياهو قطعان مستوطنيها على مهاجمة منازل الفلسطينيين والاعتداء عليهم واستباحة المسجد الأقصى.

دور الإعلام

لا شيء يدفع إلى الحزن والأسى أكثر من تلك اللامبالاة وحالة التخلي وإدارة الظهر التي يُظهرها الكثيرون إزاء ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من أعمال انتفاضة في مواجهة الاحتلال والمستوطنين الصهاينة. والأسوأ تلك البلادة التي تتعمدها غالبية وسائل الإعلام، وكأنّ ما يتعرض له الشعب الفلسطيني المنتفض، يجري في بلاد ومناطق لا اسم لها، أو شعب ليس منهم، ولا تربطهم به أية علاقة تتصل بالتاريخ والحاضر والمستقبل واللغة والثقافة والمصير المشترك.

هذه هي حال الإعلام العربي في تغطيته للانتفاضة الباسلة وجرائم الاحتلال بحقّ أبنائها وشبانها، الأمر الذي يذكرنا في كيفية تعاطيه خلال واحد وخمسين يوماً من الحرب العدوانية الثالثة في تموز 2014 على قطاع غزة . هذا الإعلام الذي لم يرتق في مواكبته إلى مستوى الوجع والألم الفلسطيني ونبض إرادته التي لا تلين ولا تنضب، طالما هناك نفس ودماء في عروق أبناء شعبنا.

إنّ الإعلام العربي غير المكترث وطريقة تعاطيه مع الانتفاضة الفلسطينية، إنما يقدم خدمة مجانية لصالح الرواية «الإسرائيلية» القائمة على أنّ ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنما هو، بحسب توصيف نتنياهو وغيره من قادة الكيان الصهيوني، «إرهاب قلسطيني»، على حساب الرواية الفلسطينية التي يكتبها أهلنا وشعبنا يومياً بدماء أبنائهم الشهداء من فتية وشباب وفتيات. في الوقت الذي تجهد فيه وسائل إعلام الكيان على تظهير صورة المستوطنين «الأبرياء» الذين تطاردهم أدوات الموت الفلسطيني في كلّ مكان من القدس والضفة الغربية وحتى الأراضي المحتلة في العام 1948، وبأنّ ردّ الفعل «الإسرائيلي» يقع في خانة الدفاع عن النفس في مواجهة ما يصفونه بـ«الإرهاب الفلسطيني».

والمفارقة أنّ وسائل إعلام أجنبية تعمل على تسليط الأضواء نحو الانتفاضة وتصاعدها، وعلى الإجراءات القمعية والإجرامية لقوات الاحتلال والأجهزة الأمنية الصهيونية وقطعان المستوطنين، الأمر الذي دفع أدوات الضغط الصهيوني خارج فلسطين إلى ممارسة ضغوطها على العديد من وسائل الإعلام لثنيها عن تغطيتها وتبنيها للرواية الفلسطينية، ومنها من رفض واستمر في تغطيته، ومنها من استجاب وأذعن كما فعلت الجزيرة الإنكليزية التي تراجعت واعتذرت من الصهاينة على ما أوردته من تغريدة، وجاء في نص الاعتذار: «نحن ملتزمون بالمسؤولية والشفافية ونقدر عالياً ردود القراء، وندعوهم إلى إبلاغنا على الفور بأي أخطاء وتعريفنا بها» . وعلقت صحيفة «معاريف» العبرية بأنّ اعتذار «الجزيرة الإنكليزية» جاء بعد موجة احتجاجات وانتقادات شارك فيها آلاف «الإسرائيليين».

من خارج هذا النشاز الإعلامي البائس، تخرج بعض الوسائل التي حملت راية المقاومة والانتفاضة، معاكسة بذلك تياراً جارفاً ممن يقدمون ولاءاتهم وأوراق اعتمادهم إلى دول تتحكم بقطاع واسع من شركات إعلامية فضائية، غير عابئة بما سيجلب عليها ذلك من مواقف وعقوبات ، وقناة الميادين نموذج.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى