رسائل مصر ولبنان وباريس… والردّ المطلوب!

بشير العدل

المجزرتان اللتان شهدهما لبنان وفرنسا خلال الأيام القليلة الماضية، وراح ضحيتهما المئات من البشر والأنفس الآمنة، هما بلا شك رسالة حملها الإرهاب الأعمى إلى المنطقة العربية بالدرجة الأولى، والعالم بالدرجة الثانية، وهي على اختلاف أماكن وصولها إلا أنّ مرسلها واحد، لتبقى محاولة التعرف عليه على جانب كبير من الأهمية لمعرفة كيفية إعداد الردّ المناسب عليها.

فالتفجيرات الانتحارية الجبانة التي شهدتها الضاحية الجنوبية في لبنان، والتي أوقعت أكثر من 45 شهيداً و250 جريحاً، وكذلك المجزرة التي شهدتها فرنسا والتي راح ضحيتها ما يقارب الأعداد نفسها التي سقطت في لبنان، تعكس إلى أي مدى تحولت دول العالم إلى ساحة للإرهاب الأسود، الذي يسعى جاهداً إلى نخر جسد الأمة العربية بالدرجة الأولى، استهدافاً لتغيير معالمها لصالح قوى الشر الدولية، التي أرادت «فك وتركيب» الشرق الأوسط، بما يخدم مصالحها ويؤمن الكيان الصهيوني الذي تمّ زرعه في قلب الأمة العربية.

وما حدث في لبنان وفرنسا ومن قبلهما مصر، والبلدان مرشحة للزيادة في العدد، يحمل في طياته كثيراً من المؤشرات التي تؤكد أنّ كلّ الأعمال الإرهابية مرتبطة بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً بما يحدث في مصر وسورية، باعتبارهما الدولتين اللتين استعصتا على المرسل الأساسى للإرهاب في المنطقة، والذي نجح في النيل من استقرار عدد من الدول، هي تلك التي ظهر فيها ما يُسمى «الربيع العربي»، لتبقى مصر وسورية الهدف والجائزة الكبرى للعدو العالمى الأكبر.

بنظرة تحليلية للموقف السياسي في المنطقة يتضح أنّ الحادث الذي وقع فوق سيناء بسقوط الطائرة الروسية، وما حدث في الضاحية الجنوبية في لبنان، وما حدث في فرنسا، ارتبط كله بالتدخل الروسى في سورية، ومشاركتها في الحرب على الإرهاب هناك، وهو ما ظهر في شهادات بعض الناجين من مجزرة فرنسا، وذلك بحسب ما نشرته تقارير صحافية أجنبية، هذا بخلاف الإرهاب الذي ارتبط وما زال بالإطاحة بجماعة الإرهاب والشيطان التي كانت تُسمى بالإخوان المسلمين من الحكم في مصر، والتي كان آخرها استهداف مقر إقامة القضاة المُشرفين على الانتخابات النيابية في سيناء.

الإرهاب إذن رسالة بعث بها مرسل واحد، ويهدف من ورائها إلى تحقيق ما استعصى عليه، بتغيير معالم باقي خريطة الشرق الأوسط.

فالإرهاب هو حرب بالوكالة تشنها قوى لا ترى في استقرار المنطقة خيراً لها، وهي قوة الشر الأعظم في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية، التي تريد أن تفرض هيمنتها وسيطرتها على العالم، مستغلة انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يمثل القطب الثاني الأعظم في العالم، وهي خطة رسمت لها واشنطن وتمّ الإعلان عنها صراحة عام 2005 حينما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس صراحة، أنه آن الأوان لإقامة شرق أوسط جديد، وهو الإعلان الذي كان ينمُّ عن خطة تمّ إعدادها مسبقاً، لهذا الغرض، بدأت بالاحتلال الأنجلو ـ أميركي للعراق عام 2003، وحينما رأت أميركا وحلفاؤها أنها نجحت بمقاييسها أعلنت عن امتداد تلك الخطة لتشكل دولاً أخرى محورية، وهي الدول التي أصابها ما يطلق عليه «الربيع العربي»، وهو المصطلح الذي روج له أنصار قوى الشر في المنطقة من جماعات وأفراد وتنظيمات ودول مختلفة.

فالإرهاب هو آلة الحرب الجديدة التي تشنُّها قوى الشرّ ضدّ دول المنطقة، ورسالة أرسل بها العدو الحقيقي، وقد وصلت الرسالة بالفعل، غير أنها في حاجة إلى ردّ يتناسب مع خطورتها، وهو ما يجب أن تتنبه له دول العالم أجمع، وليس دول المنطقة العربية فقط، نظراً لأنّ مخاطر الإرهاب لن تتوقف عند دولة دون غيرها، ولن يعترف بحدود، وإنما سوف يمتد ليشمل الجميع، وهو ما يفرض ضمن عملية الردّ على تلك الرسائل، استراتيجية جديدة لمواجهة أصل الإرهاب والداعي والمرسل له، بما يتطلبه ذلك من ضرورة تغيير لغة الخطاب الديني في كثير من الدول التي ينتشر فيها الفكر الإسلامى المتشدّد.

ما حدث في لبنان ومن بعده فرنسا ومن قبلهما مصر، وكذلك ما يحدث في سورية، هو رسالة إلى العالم أجمع، بأنه في حاجة إلى تكاتف من أجل دحر الإرهاب والدفاع عن استقرار الدول وأمن شعوبها، ورسائل تستوجب وئاماً عربياً ـ دولياً ودعوة إلى مزيد من التكاتف للقضاء على الإرهاب.

كاتب وصحافي مصري

مقرِّر اللجنة المصرية للدفاع عن استقلال الصحافة

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى