تقرير

كتبت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية: الرئيس أوباما محقّ حيال اللاجئين السوريين الـ10.000. ولكن ماذا عن الـ3.990.000 الآخرين؟

انتقد أوباما الجمهوريين بسبب خذلانهم القيم الأميركية منذ هجمات باريس الإرهابية. وهو يريد أن تقبل أمتنا 10.000 لاجئ هاربين من الصراع المرعب في سورية، الذين يريد الجمهوريون طردهم. المرشحون الرئاسيون الجمهوريون انتقدوا المسلمين المسجلين وقارنوا المسلمين بالكلاب ودعموا استقبال المسيحيين فقط. الأمر برمته مقرف على هذه الشاكلة.

ولكن حتى إيواء 10.000 لاجئ من أي ديانة، ليس أكثر من مجرد قيمة رمزية. هناك أكثر من أربعة ملايين سوري فروا من ديارهم، وأكثر من ذلك شرّدوا داخل البلاد. نصف سكان سورية أجبروا على ترك بيوتهم.

وهنا، تحمل إدارة أوباما بعض المسؤولية، وينبغي ان تكون هذه أسباباً يتوجب على الناخبين التفكير بها عام 2016. جاء أوباما إلى سدة الرئاسة عام 2009 وهو مصمم على إنهاء الحروب الطويلة التي دخلت بها البلاد في الشرق الأوسط ووسط آسيا. فقد أراد التركيز على ما اعتبره مناطق أكثر أهمية آسيا والمحيط الهادئ وأهداف ذات أولوية أعلى استعادة العافية للاقتصاد الأميركي والسيطرة على الأسلحة الكيماوية .

سحب أوباما القوات الأميركية من العراق في الحين الذي نصح فيه الخبراء أن القوة المتبقية التي تتكون من حوالي 15000 جندي يمكن أن تساعد في الحفاظ على السلام الهش. وقام بقصف ليبيا من أجل إسقاط القذافي، ولكنه رفض وجود قوات تدريب صغيرة تابعة للناتو من شأنها أن تساعد في استقرار الحكومة الجديدة. كما أمر بزيادة محدودة في عدد القوات المرسلة إلى أفغانستان ولكنه سرعان ما بدأ في سحبهم وفق جدول زمني غير مرتبط بشروط معينة.

من المستحيل معرفة ما هي الأمور التي كان ممكن أن تنتج لو أنه قرر أموراً مختلفة. ولكننا نعرف أن النتيجة التي خرجت عن هذه الحالات الثلاث كانت كارثية مع وجود أفغانستان التي لا زالت أمورها معلقة ومختلفة تماماً عما كان يتوقعه الرئيس.

قبل سنتين في الأمم المتحدة، تفاخر أوباما بأنه من دون تدخله، فإن ليبيا كان يمكن أن تكون غارقة في حرب أهلية وإراقة للدماء.

ما زال في إمكانك أن ترى مكتوباً على موقع البيت الأبيض على الإنترنت: «كلمة الرئيس في نهاية الحرب في العراق» التي يعبّر فيها عن ثقته بأن العراقيين سوف يبنون مستقبلاً جديراً بتاريخهم كمهد للحضارة.

قال أيضاً في السنة نفسها: لقد حان الوقت ليحدد الشعب السوري مصيره، وسوف نستمر في الوقوف إلى جانبه. ومع زيادة الأمور سوءاً في السنة التالية، قال: نريد أن نتاكد أن مئات الآلاف من اللاجئين الذين يهربون من الفوضى، أنهم وعلى رغم وضعهم الرهيب، لن يؤدوا إلى زعزعة الاستقرار في بعض بلدان جيران سورية.

اليوم ليبيا غارقة في حرب أهلية وسفك للدماء. في العراق، وبعدما فقدنا الرافعة التي كنا نمتلكها ومصالحنا هناك، فإن الولايات المتحدة تقف على الهامش وذلك مع تحويل رئيس الوزراء الشيعي القوات المسلحة التي دربتها أميركا إلى ميليشيا طائفية توفر المساحة والدافعية للمتطرفين السنة ـ وهي الظروف التي ولدت «داعش» ـ مرة أخرى. في سورية، فإن الآثار المترتبة أصبحت أكثر سوءاً حتى مما كان يخشى منه أوباما من التدخل الأميركي الذي ربما كان سيؤدي إلى حرب أوسع وانتقال الحرب عبر الحدود وأن ينشئ الجهاديون المتطرفون دويلة لم يكن في وسع «القاعدة» إنشاءها من قبل والملايين من اللاجئين الذين لن يزعزعوا استقرار جيران سورية فقط بل أوروبا برمّتها.

استنتج البعض من كل ذلك أن على الولايات المتحدة أن لا تتدخل لأننا نفتقر إلى قوة البقاء هناك لكي نشرف على العمل وهو ينفذ. بالنظر إلى المشاكل التي نعانيها من التدخل والانسحاب، فإن الحجة تبدو معقولة.

ولكن هناك عيبين فيها. أولاً، أنها ليست صحيحة. رابطت القوات الأميركية في كوريا الجنوبية أكثر من ستة عقود بعد الحرب الكورية، ولم يعارض ذلك سوى عدد قليل من الأميركان. وبقيت القوات الأميركية في كوسوفو أكثر من 15 سنة بعد الحرب، ولم يعرف ذلك سوى عدد محدود من الأميركان. إذا اختار أوباما أن يضع محطة صغيرة فيما كان عام 2011 عراقاً مسالماً، فإن معظم الأميركيين كانوا سيقبلون بذلك القرار.

الأمر الأكثر أهمية، فإن عدم التحرك لم يؤد إلى النتائج المرجوة. مؤخراً السنة الماضية، كان أوباما يضع سورية في سلة المشاكل التي لا تهدد «مصالحنا الجوهرية»، وأصر على أن «التهديد الأساسي حالياً قادم من المجموعات غير المركزية التابعة للقاعدة». ولكن يبدو من الواضح حالياً أن «داعش» أمر لا يمكن تجاهله أو حتى احتواءه.

الخيار الآن ليس بين الغزو أو التقاعس. ما هو مطلوب حالياً مستويات متواضعة تقريباً من الاشتباك المستمر دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً ـ يمكن أن تحفظ الولايات المتحدة من مواجهة مجموعة خيارات سيئة تلوح في الأفق حالياً.

تحدّي القيادة هو أنه وفي حين أن المشكلة يمكن أن يتم السيطرة عليها، إلا أنها تبدو بالنسبة إلى الكونغرس والشعب الأميركي أمراً أقل إلحاحاً. مع مرور الوقت يتحوّل التهديد إلى تهديد وجودي، ويصبح عصياً على الهزيمة. المرشحون الرئاسيون الذين يخبروننا هذه السنة أنّ مشكلة الجهادية الإرهابية هي مشكلة أشخاص آخرين يعرضون علينا بضاعة ما. ولكن هناك مرشحين آخرين يقولون أن في وسعنا التخلص بسرعة من التهديد وأن يإمكاننا العودة سريعاً إلى الوطن.

الشهر الماضي، وحتى مع إعلانه عن نشر أكبر للقوات في أفغانستان، فقد قال أوباما: كما تعلمون حق العلم، فإنني لا أدعم فكرة الحرب التي لا نهاية لها».

للأسف، الحروب لا تنتهي ما لم يتفق الطرفان… أو أن يهزم طرف ما.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى