العلاقات الروسية – الإيرانية

حميدي العبدالله

صحيح أنّ الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إيران جاءت في سياق مشاركته في مؤتمر الدول المنتجة للغاز، ولم تكن زيارة قائمة بذاتها. لكن اللقاءات التي عقدها الرئيس الروسي على هامش «قمة الغاز» مع كبار المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد سماحة السيد علي الخامنئي، والمواقف التي أعلنت بعد هذا اللقاء، وتطابق مواقف ورؤية موسكو وطهران حول سلسلة من القضايا الإقليمية والدولية، وكذلك السياق العام السياسي والعسكري الذي سبق هذه اللقاءات، وتحديداً الإعلان عن غرفة عمليات أمنية مشتركة مقرها بغداد تضمّ سورية والعراق وروسيا وإيران، وتوقيع اتفاق لتبادل المنتجات النووية، وبدء تسليم روسيا صواريخ «أس 300» إلى إيران، كل ذلك يؤكد أنّ العلاقات الإيرانية الروسية تدخل مساراً غير مسبوق لجهة مستوى التعاون والتنسيق، مسارٌ يشير إلى ولادة علاقة تحالف استراتيجي بين البلدين، توفرت له قواسم مشتركة تجعله قابلاً للتطور والارتقاء.

بين هذه القواسم المشتركة:

أولاً: تقاطع مصالح إيران وروسيا ورؤيتهما السياسية في مواجهة استمرار الغرب في السعي إلى فرض املاءاته وإرادته على دول العالم على قاعدةٍ لا تختلف عن تلك القواعد التي كان معمولاً بها في الفترة الاستعمارية، وبديهي أنّ دولة بحجم ومكانة وقدرات روسيا لن تقبل بذلك مثلها مثل إيران التي تنظر إلى موقعها ودورها وقدرتها كقوة إقليمية يجب احترام مصالحها.

ثانياً: مصلحة البلدين في إقامة تعاون تجاري واقتصادي يشمل مجالات كثيرة ويعود بالنفع على اقتصاد البلدين، في وقت يعطى المسؤولين في طهران وموسكو أولوية كبيرة للشأن الاقتصادي ولرفاه المجتمع.

ثالثاً: تقاطع مصالح ورؤية روسيا وإيران حول كيفية إدارة الشأن النفطي والغازي بوصفهما أكبر دولتين منتجتين لهما في العالم. فإذا كانت السعودية وقطر تعتبران من أكبر دول العالم في إنتاج النفط والغاز، إلا أنّ ليس لديهما سياسة مستقلة على هذا الصعيد نابعة من مصالحهما الوطنية، بل إنّ سياستهما على هذا الصعيد جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الغربية، وتحديداً الأميركية، بينما مصالح روسيا وإيران النفطية والغازية هي المحرك الحصري لسياستهما، وطالما أنّ الغرب والولايات المتحدة يلجآن إلى التلاعب بأسعار الطاقة للتأثير على أداء اقتصاد روسيا وإيران في إطار سياسة العمل على إخضاعهما، فإنّ ذلك يدفعهما إلى تعزيز تعاونهما في مواجهة الغرب، وإحباط محاولته الرامية إلى دفعهما للاستسلام.

لا شك أنّ هذه القضايا، وقضايا أخرى تتعلق بالوضع في محيط بحر قزوين، وفي آسيا الصغرى، ومنطقة الشرق الأوسط، توفر أرضية لتحالف استراتيجي روسي إيراني، تمثل المواقف التي أعلنت من طهران على هامش لقاءات قمة الغاز بداية انطلاق هذا التحالف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى