محاولة اغتيال رياض الصلح في آذار 1950

لبيب ناصيف

قلّة هم الرفقاء الذين عرفوا بمحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح، قبل أن تطاوله رصاصات الرفقاء الأبطال: الشهيدان ميشال الديك ومحمد أديب الصلاح، والرفيق الراحل أسبيرو وديع حداد، في عمّان ـ الأردن.

عن هذه المحاولة الفاشلة التي نفّذها الرفيق البطل توفيق رافع حمدان وساهم فيها رفقاء آخرون، أبطال، نورد المعلومات المفيدة نقلاً عن كتاب الرفيق توفيق رافع حمدان «سيرة ومسيرة» الصادر عن «دار الفرات» في آب عام 2010.

الانتقام من إعدام سعاده

تحت هذا العنوان، يقول الرفيق توفيق رافع حمدان في الصفحة 61 من مؤلّفه «سيرة ومسيرة»: «اختمرت في رأسي فكرة الانتقام، وبحثت الموضوع غير مرّة مع الرفيق إيليا خليفة 1 الذي كان يشجّعني ويحذّرني في الوقت نفسه، ليمتحن إرادتي، فقد سألني مرّة عن موقفي تجاه والديّ في حال أقدمتُ على هذا العمل، فقلت له، فليفترضا أنهما أنجبا ثلاثة أولاد بدلاً من أربعة».

القرار الظني

المعلومات التالية وردت في القرار الظنّي، كما نشره الرفيق توفيق حمدان في الصفحة 68 من مؤلفه المشار إليه آنفاً: «كان أفراد من الحزب السوري القومي الاجتماعي يتآمرون على رجال السلطة وأخصّهم الرئيس رياض الصلح. فتألفت شرذمة بقيادة إيليا رشيد يعقوب خليفة ضمّت توفيق رافع حمدان وجوزف حداد وأديب أبو سلمان 2 ، وكلّفت بالتربّص وتحيّن الفرص لاغتياله. وبالفعل فقد كان الرئيس الصلح مدعوّاً في أوائل شباط 1950 إلى النادي الدولي، فكمن له المذكورون في طريق الجميزة وراء الأشجار مسلّحين. ولكن الظروف شاءت ألا يحضر دولته إلى النادي الدولي. وفي آذار جاء توفيق حمدان إلى بيروت مع نسيبه يوسف حمدان الشوفي الذي كان قد وصل من شرق الأردن لقضاء بضعة أيام في لبنان. وحلّ توفيق ضيفاً على عبد الله الشوفي في رأس بيروت وعلم هناك أن آل الغلاييني سيقيمون حفلة على شرف الرئيس الصلح، فأخبر بذلك إيليا وأديب وجوزف المذكورون آنفاً ، فاتفقوا على حضور الحفلة تنفيذاً لمؤامرة الاغتيال. وأوعز إيليا إلى توفيق بأن يتردّد يومياً إلى الجامعة، وأخبره ان الاحتفال سيجري في اليوم التالي وتوجّها معاً إلى دار آل الغلاييني لمعاينتها.

«وعاد إيليا إلى سوق الغرب بعدما ضرب موعداً لتوفيق للقائه في بيروت في اليوم التالي. ويوم الخميس انتظر توفيق رفاقه في ساحة الشهداء حتى حضروا وهم: إيليا خليفة، وجوزف حداد، وأديب أبو سلمان، فاستقلّوا الترامواي إلى الجامعة الأميركية ثم توجّهوا إلى منزل الغلاييني».

«وفي الطريق دخل إيليا إلى أحد البساتين 3 وسلّمه أي إلى الرفيق توفيق مسدساً من نوع هرستال بـ14 طلقة مع مشطين وقنبلة ثم ذهب الأربعة إلى مقبرة الدروز متفرقين، فشاهدهم نايف حمدان وهو صاحب مصبغة في المحلة المذكورة. ثم توجهوا إلى منزل الغلاييني 4 ، حيث اختلط توفيق بالمتفرجين وأطلق النار على رئيس الحكومة فلم يصبه، ثم هرب وهو يطلق النار فقتل الولدين كوكب السواح وفارس الهواري، ثم قبض عليه رجال الشرطة…».

توضيح

حول مقتل الولدين فارس هواري وكوكب السواح، حسبما ورد في القرار الظنّي، أوضح الرفيق توفيق رافع حمدان في رسالة موجّهة إلى جريدة «النهار» تعليقاً على ما ورد تحت عنوان «النهار قبل خمسين عاماً» في العدد 20599 بتاريخ 10 آذار 2000، «أنّ الولدين المذكورين لم يُقتلا برصاص مسدّسي، إنما برصاص مرافقي رياض الصلح. وهذا ما أثبته المحامي الكبير موسى البرنس عندما طلب أن يرى الخرطوش الفارغ الذي في حوزة المحكمة، وقارن بين خرطوشة وأخرى وأقنع المحكمة بأن الخرطوش المستعمل ليس خرطوش مسدسي، خاتماً كلامه: إنني أبرّئ موكلي المتهم توفيق رافع حمدان من مقتل فارس هواري وكوكب السواح براءة الذئب من دم يعقوب».

الحكم بالإعدام على الرفيق توفيق رافع حمدان

جاء في الصفحة 71 من المؤلف المذكور آنفاً «أن المحكمة العسكرية التأمت صباح الثلاثاء 5 برئاسة المقدم أنور كرم وعضوية النقيب شوقي غلمية والنقيب سعد الله النجار والملازم مصطفى أبو الجود والأستاذ إحسان بيضون لمحاكمة توفيق رافع حمدان ورفاقه والأستاذ محمد البعلبكي أحد صاحبي الزميلة «كل شيء». وقد مثّل النيابة العامة الأستاذ يوسف شربل ومثّل جهة الدفاع الأستاذان حميد فرنجية وفريد الحداد عن الزميل البعلبكي والأساتذة نعيم مغبغب وموسى برنس ومعضاد معضاد ونقولا الشويري ورامز شعبان وإميل نجم عن المتهمين توفيق حمدان وأنيس أبو رافع وكميل الجدع وعجاج المهتار. أما المتهمون الذين جرت محاكمتهم غيابياً فهم إيليا خليفة، جوزف حداد، أديب أبو سلمان، كامل حسان. ويسوؤنا أن نضرب صفحاً عن إثبات مرافعة النيابة العامة التي سمحت لنا السلطات بنشرها، لأن إخلاصنا للتاريخ يقتضينا الامتناع عن نشر وثيقة الاتهام ما دمنا لا نملك ـ بموجب حظر رسمي ـ حقّ نشر وقائع الجلسة ووثائق الدفاع. والدفاع يمثّل الجانب المفروض فيه البراءة إلى أن تثبت إدانته ويعود إليه العمل على هدم صرح الاتهام حجراً حجراً.

«هذا وقد ختمت المحكمة العسكرية المحاكمة في الساعة الثامنة وبدأت المذاكرة التي لم تنته إلا عند الساعة الحادية عشرة والنصف. وهذه هي الأحكام:

1 – توفيق رافع حمدان: بالإعدام وجاهياً.

2 – إيليا رشيد خليفة: بالإعدام غيابياً.

3 – جوزف حداد، أديب أبو سلمان: بالسجن المؤبد غيابياً.

4 – كامل حسان: ستّ سنوات غيابياً.

5 – عجاج المهتار: سنتان.

6 – كميل الجدع وأنيس أبو رافع: سنة واحدة.

7 – الأستاذ محمد البعلبكي: شهران ونصف الشهر وإغلاق جريدته للمدة ذاتها ابتداءً من 15 آذار 1950 قضى الأستاذ محمد البعلبكي 65 يوماً في السجن .

إبدال حكم الإعدام

بناءً على الكتاب المرفوع 6 إلى رئاسة الجمهورية، بتاريخ أول حزيران 1950، فقد أصدر رئيس الجمهورية اللبنانية بشارة الخوري المرسوم رقم 1945 ومضمونه إبدال عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة.

بناءً عليه، نُقل الرفيق توفيق حمدان من غرفة الانفراد إلى أحد القواويش.

قبل ذلك كان رئيس الحكومة يستقبل وزير الدفاع مجيد أرسلان ووزير الزراعة بهيج تقيّ الدين ووفوداً من مشايخ بشامون وعين عنوب وعيتات وكفرشيما وسواها تطالب بإبدال حكم الإعدام الصادر بحقّ الرفيق توفيق رافع حمدان.

عن محاولة اغتيال رياض الصلح يقول الرفيق حسين الشيخ في مؤلفه «ثلاث رصاصات هزّت لبنان»، ما يلي: «المحاولة الأولى لاغتيال رياض الصلح كانت في بيروت في محلّة فردان قرب صيدلية أبو كامل وذلك في 9 آذار عام 1950. كان الرئيس رياض الصلح مدعوّاً إلى مناسبة اجتماعية في رأس بيروت، سمعتُ أن الرفيق توفيق حمدان من عين عنوب قد أطلق عليه الرصاص، فأصابه في كتفه، وحين شعر الصلح بالإصابة رمى بنفسه أرضاً وقد أحدثت محاولة الاغتيال الأولى ضجّة كبرى في لبنان.

ثمّ سُجن الرفيق حمدان لمدّة سبع سنوات، وبعد إطلاق سراحه، أخبرني أنّه التقى في السجن بالرفيق إميل رعد الأمين لاحقاً ، وعندما علما بعملية اغتيالي يوسف شربل، نقل لي حمدان عن رعد قوله: «إن الرصاصات التي أطلقها الرفيق حسين الشيخ هي أهمّ من كل هذه الخطابات والكتابات التي نسمعها ونقرأها اليوم».

«على إثر تلك المحاولة، تحرّكتُ وأعلمتُ الرفقاء بضرورة الاختفاء والتواري، منهم وفيق ناعورة، وفيق شريتح، محيي الدين كريدية 7 ، وغيرهم حتى لا يصاب أحدهم بأذى، وهنا أترك الرفيق توفيق حمدان يروي خطياً كيف نفّذ محاولة الاغتيال تلك حيث يقول: عندما نفّذت الدولة اللبنانية مؤامرتها باغتيال الزعيم أنطون سعاده ليل 7-8 تموز 1949 كنتُ لا أزال موظفاً في المساحة فرقة الكيلاني العاملة في مزرعة يشوع وجوارها في المتن الشمالي وقد كان رفيقي وأخي عباس متخفيّاً عندي لأنه محكوم غيابياً لستّ سنوات…».

«سمعته يقول: آه، على قومي اجتماعي يقول لرياض الصلح خذها من يد سعاده ويرديه قتيلاً، نزلت هذه الجملة في فكري ولم تعد تبرحه أبداً.

كان يوجد عندنا في البيت في عين عنوب مسدس براونينغ أبيض اللون. أخذته من البيت واشتريت علبة خرطوش كي أتمرّن على إصابة الهدف، لأني لم أكن أهوى السلاح ولا أعرف كيفية استعماله، وقبل أن أطلق طلقة واحدة على أي هدف، داهمت قوة من الأمن العام والجيش غرفتي في مزرعة يشوع ملك عبد الله يمين حيث عثرت على المسدس، فاقتادتني إلى المحكمة العسكرية حيث نزلتُ ضيفاً ليلة أو ليلتين، حوكمت بعدها وخرجتُ بكفالة مالية، وقد صادروا منّي المسدس بعد خروجي من المحكمة العسكرية. تركتُ الوظيفة في المساحة، وعدتُ إلى البيت في ضيعتي عين عنوب قضاء عاليه وعندما التقيتُ بالرفيق إيليا خليفة فاتحته بما أفكر وكان هو يبادلني نفس الفكرة، فاتّفقنا على أن يؤمن لي مسدساً، ثم بدأنا نراقب تحركات الصلح أنا، وإيليا خليفة وأديب أبو سلمان وجوزيف حدّاد، وبتردّدي على بيت ابن عمي نايف حمدان الكائن في محلة جبّانة الدروز مكان دار الطائفة الدرزية اليوم علمتُ أن رياض الصلح مدعو إلى دار آل الغلاييني جنب صيدلية أبو كامل في فردان رأس بيروت، وذلك مساء 9 3- 1950 فقرّرنا أن ننفذ العملية يومها وقد أصررتُ أن أكون أنا مطلق النار، وهكذا كان، فقد أطلقتُ عليه عدّة رصاصات على رغم الحراسة المشدّدة عليه، وبُعد المسافة بيني وبينه وقصر المسافة بين باب السيارة ومدخل دار الغلاييني، إلا أنه رمى بنفسه على أرض الدار، فتلقاه الموجودون هناك وقد قيل لي في ما بعد أنه أصيب بكتفه، ولكن هذا القول لم أتأكد منه حيث لحقني الحرس والشرطة وأطلقوا عليّ النار فأصبتُ في قدمي واعتُقلت، وكانت محاكمتي في 23/03/1950 في المحكمة العسكرية. لقد حُكمتُ بالإعدام وكان يمثل أمام المحكمة بمعيّتي الأمين عجاج المهتار بتهمة إعادة النشاط لحزب منحلّ والرفيق الأمين محمد البعلبكي بتهمة كتابته مقالاً بعنوان يا دايم الدوم كل من له يوم الذي اعتبروه تحريضاً على قتل رياض الصلح».

بقيتُ انتظر تنفيذ حكم الإعدام 11 يوماً لكنه أبدل بالحكم المؤبد، وبعد تخفيض العقوبة للمؤبّد نُقلتُ إلى سجن القلعة حيثُ كان لي هناك رفقاء كثر. كنّا حوالى 40 رفيقاً محكومين بأحكام متفاوتة. حادثتان لن أنساهما:

الأولى عندما قُتِلَ رياض الصلح في عمان، وقد سمعنا الخبر من راديو الجيران فقد رفعوا صوت الجهاز قصداً لنسمع، ولم يطل الوقت حتى تراكض الدرك في سجن القلعة يهنئوننا بمقتل رياض الصلح ويوزعون علينا الحلوى وكانت هيصة كبيرة.

والثانية عندما سمعنا بعملية الرفيق حسين الشيخ «يكرسح» المدعي العام يوسف شربل الذي لم ينج قومي من حقده ولؤمه، فهذا أقل جزاء له، وقد كان المسؤول عنّا في السجن آنذاك الأمين إميل رعد الذي قال بالحرف الواحد: إنّ هذه الرصاصات الثلاث هي أهمّ من كل ما كُتب وقيل في الصحف وعلى المنابر، من تاريخ استشهاد سعاده إلى اليوم… ثم عاد ووجّه كلامه لي جابراً بخاطري وعمليتك مهمّة، ولو لم تصبه…».

بقيتُ في السجن من 9-3-1950 لغاية 11-9-1957، ثمّ خرجتُ بعفو خاص على عهد الرئيس كميل شمعون.

توفيق رافع حمدان نقلاً عن كتاب «سيرة ومسيرة»:

ـ ولد بتاريخ 26 شباط 1927 في عين عنوب.

ـ تعلّم في مدرسة المطران الانكليكانية في عين عنوب.

ـ انتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي سنة 1943.

ـ تعرّف في بيته في عين عنوب إلى الزعيم أنطون سعاده سنة 1947، بعد صدور مذكرة التوقيف بحقه، فانتقاله إلى مناطق في الجبل.

ـ أثناء إعلان الثورة القومية الاجتماعية كان موظفاً في المساحة في مزرعة يشوع المتن.

ـ بعد إعدام الزعيم سعاده ورفقائه، حاول اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رياض الصلح 9/3/1950.

ـ حُكم عليه بالإعدام في 24/5/1950، وفي 2/6/1950 استُبدل الحكم بالسجن المؤبد.

ـ أسّس مع رفقائه القوميين مدرسة في السجن وزاد علومه وثقافته ودرس المحاسبة بالمراسلة ونال شهادة فيها.

ـ أُخلي سبيله مع رفقائه القوميين الاجتماعيين في 11/9/1957.

ـ تزوج من الرفيقة عفاف نايف شجاع التي تعاهدت وإياه على رفقة العمر في السجن أو خارجه.

ـ بنى أسرة قومية اجتماعية بامتياز من رفيقة وأربعة رفقاء.

ـ تحمّل مسؤوليات حزبية، فمنحه الحزب وسام الواجب.

ـ من مؤلفاته: قصائد شعرية صدرت في ديوان «قصائد من حياتي» وقعّه في آب 2005.

ـ توفي في 3 آب 2009 وأقيم له مأتم شعبي وحزبي حاشد وألقيت كلمات أشادت بمناقبه ونضاله.

هوامش:

1 إيليا رشيد خليفة: من مواليد عام 1932، عين عنوب. توفي عام 1964، في مهجره في ليبيريا على إثر حادث سيارة. ووري الثرى في بلدته وسط مأتم حاشد. سننشر نبذة عنه في وقت قريب.

2 جميعهم من بلدة عين عنوب.

3 من المعلومات أن الرفيق أنيس قائدبيه أوصل الأسلحة إلى منزل شقيقة الرفيق إيليا في منطقة الأونيسكو.

4 حصل ذلك مساء الخميس 9 آذار 1950.

5 صدر الحكم في 23 أيار 1950، كما هو وارد في الصفحة 75 من الكتاب المذكور.

6 أورد الرفيق حمدان في الصفحة 75 من «سيرة ومسيرة»، أنه عُقد اجتماع قبل ظهر الخميس… في مكتب رئيس الوزراء حضره الأساتذة حبيب أبو شهلا، بهيج تقيّ الدين وزير الزراعة ، ناظم عكاري مدير عام رئاسة مجلس الوزراء ، أنيس صالح مدير عام وزارتي العدلية والداخلية ، وعلى إثر ذلك رُفع إلى رئاسة الجمهورية الكتاب المشار إليه.

7 جميعهم من الرفقاء الأشدّاء، من منفذية بيروت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى