ماذا بعد إسقاط الطائرة الروسية؟

محمد شريف الجيوسي

يعتبر إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية، من قبل تركيا وباعترافها الصريح، حدثاً خطيراً جداً، بغض النظر إن كان بتنسيق وعلم مسبقين من حلف النيتو والولايات المتحدة الأميركية، أو دون علمهما، ومن ورط الآخر في هذا الفعل الأحمق الخطير.

ولوضع الحادث التركي العدواني في إطاره لا بدّ من استذكار العديد من المواقف والتطورات والأحداث، منها:

1 ـ حقق الجيش العربي السوري تقدّماً كبيراً وسريعاً على الأرض بالتزامن مع دعم الطيران الروسي المهم والمنتج، وزادت تصريحات الرئيس الروسي بوتين في قمة الغاز الأخيرة في طهران، بأنّ روسيا لن تخذل حلفاءها، الأمر وضوحاً.

2 ـ مطالبة تركيا المتكررة بفرض منطقة عازلة أو آمنة شمال سورية على طول حدودها معها، ودعمها المكشوف والمستتر لعصابات الإرهابيين على اختلاف مسمياتهم وجلبهم وتمريرهم عبر أراضيها الى سورية، فضلاً عن تدخلها في الشأن الديمغرافي السوري باعتبارها السوريين التركمان في سورية رعايا أتراك ودعمهم ضد دولتهم السورية.

3 ـ كشفت غرفة بغداد الروسية السورية العراقية الإيرانية جدية هذا الحلف في شنّ حرب حقيقية على الإرهاب، وكذب التحالف الأميركي في شنّ حرب حقيقية عليه، بل إنّ العصابات الإرهابية تلقت دعماً تسليحياً وغذائياً من هذا التحالف، ما ساعدها في تحقيق تقدّم خلال فترة الـ 13 شهراً التي عمل التحالف خلالها.

4 ـ انعقاد مؤتمر الغاز في طهران بحضور روسيا والدولة المضيفة إيران ودول صديقة أخرى لهما كالعراق وفنزويلا وبوليفيا، وغيرها، ينذر بولادة حلف غازي عالمي مهم، خارج دائرة السيطرة الأميركية والغربية، ويخفف من ضغوط الحصار على روسيا وفنزويلا وغيرهما.

5 ـ يجد الحكم التركي نفسه بعد 5 سنوات من التآمر الحثيث على سورية، من دون أيّ إنجاز على الأرض، بل إن شعبيته قد هبطت ونسبة نموه الاقتصادي تراجعت كثيراً، وكذلك علاقاته بدول الجوار سورية والعراق وإيران ولم تعد علاقاته كما السابق مع كلٍ من روسيا وأرمينيا… في حين لم يقدم له الغرب والكيان الصهيوني عصا النجاة .

6 ـ لم تعد تركيا الحاكمة قادرة كما السابق على استجلاب ودعم الآلاف من الإرهابيين الشيشان والداغستانيين ومن مناطق ودول أخرى إسلامية آسيوية وعربية، وتأمين التسلل الآمن لهم إلى سورية وتقديم ما يستلزمهم من دعم، فقد حرصت تركيا على منافسة السعودية بالظهور بمظهر الحامي الأول للإسلام السني بخاصة، أمام اهتزاز هذه الصورة تجد تركيا الحاكمة أن سياستها العدوانية أمام اختبار جدي، ما يستوجب من وجهة نظرها القيام بمغامرة حمقاء جديدة، تخلط الأوراق، وقد تستفز النيتو وتعيد بعض الاعتبار لها أمام مكتب الإرشاد الإخواني العالمي.

7 ـ لقد ولدت السياسات الخرقاء لحكام تركيا مشكلات عديدة فالأكراد استعادوا شعورهم القومي، وعادوا للتحرك ضد التعصب القومي التركي، وانتعشت المشاعر القومية والعربية مجدداً في الإسكندرون ومناطق أخرى، وعلى الطريق صعود مشاعر أخرى، بما في ذلك مشاعر مذهبية، غذاها التعصب المذهبي للطبقة الحاكمة رغم أن الأكثرية العددية التركية تعتنق المذهب الشيعي وهو ما يجهله كثيرون .

8 ـ لم تعد تركيا الحاكمة قادرة على الاستفادة من النفط السوري والعراقي المهرّب عبرها وغيره من المنتجات الزراعية والآثار المسروقة، بعد ما دمر الطيران الروسي أكثر من 1000 صهريج نفط والبقية على طريق التدمير، وهكذا أصبحت العصابات الإرهابية عبئاً على تركيا.

9 ـ بات هامش المناورة أمام التحالف الأميركي ومن يليه محدوداً جداً، ولا يحظى بتعاطف عالمي جراء تكشف حقائق كانت غائبة، الأمر الذي يفترض أن لا ينجرّ هذا التحالف وراء حكام تركيا الذين تكشف دورهم المنخرط في الإرهاب مباشرة وبالمطلق، فيما بقيت جوانب قليلة من تورط اللص الغربي غير مكشوفة، وليس من مصلحته تكشف المزيد منها.

10 ـ إنّ روسيا وإيران وفنزويلا وسورية والعراق وكوريا الديمقراطية والصين وغيرها بتصديها للتحالف الأميركي ومن يليه، تدافع عن مصالحها وأوطانها وأمنها القومي واستقرارها السياسي والاقتصادي وثقافتها، فيما يعمل التحالف الأميركي ومن معه، على تدمير الآخرين واحتلالهم واستعمارهم واستحلالهم ونهب ثرواتهم وقتل المزيد منهم واستخدام الإرهابيين وأموال التابعين لتحقيق أجنداتهم العدوانية والظلامية المتخلفة.

11 ـ يعاني الغرب بعامة ومن ضمنه الولايات المتحدة الأميركية من حالة أفول عام، فيما التحالف الآخر في حالة صعود، ومصالحه أكثر انسجاماً، وأكثر صدقية واستقلالية بين مكوناته، وليس بين أعضائه تابع ومتبوع، والثقة أكبر بين أعضائه، ولم يعد الغرب ومن ضمنه تركيا ليمتلك عنصر المبادرة، فالمبادرة بيد التحالف الشرقي الجنوبي إن صح التعبير في مواجهة التحالف الغربي الشمالي.

في ضوء ما سبق، يرجح أن روسيا لن ترد بشكل أهوج على تركياً، بدليل أنها وصلت إلى ما وصلت إليه في المنطقة بتدرج وبالتنسيق مع حلفائها، ولم تخمّ أحداً أو تتجاوز سيادته، مسنودة بقرارات دولية مشروعة خالها الغرب لمصلحته، فأساء استخدامها، فيما كان الغرب يهرّب إرهابيين روس لمحاربة سورية ومن بعد روسيا، فحصدهم الطيران الروسي على حدود تركيا التي نقلتهم الى سورية.

وعناصر إسقاط الحكم الإخواني التركي عديدة، ولن تحتاج روسيا إلى أي نوع من الحرب العسكرية أو الأمنية عليه، فاستخدام الغرب لتركيا الإخوانية لمحاربة روسيا على الأرض السورية حرب خاسرة، ستسقطها إسلاموياً وقومياً، وستشتت حزب العدالة والتنمية، بل وستخلق حالة من الاختلاف في مكتب الإرشاد العالمي ولن توفق في لملمة النتائج المزرية التالية لورطة النظام الإخواني التركي.

وستكون الحرب الاقتصادية على تركيا الحاكمة الآن والقطيعة المطلقة معها، الخيار الأهمّ والأسلم، مع توجيه فركة أذن موجعة لا بدّ منها، وهي قطيعة وفركة أذن لن تخفف من ضرورتها أو وطأتها علاقات أخرى، فتركيا رغم عضويتها في النيتو ليست صديقة حميمة لأوروبا، بل هي مستعمر سابق لمناطق أوروبية شرقية مارست فيها كل أشكال التنكيل، وهي تطمح الآن لوراثة النظام التركي المتخلف والمتعصّب ذاته.

وهي في آن منافس قوي للسعودية على صعيد زعامة العالم السني الإسلامي، وعلى خصومة تاريخية مع الوهابية، كما هي على خصومة حالية شديدة مع مصر، فضلاً عن إيران والعراق وسورية وغيرها.

باختصار، إسقاط الطائرة الروسية قفزة تركية غبية في الهواء الفاسد، من دون ضمانات ولا حسابات ولا مصالح حقيقية، بل هي في أحسن حالاتها قبول خانع لدفعة من آخرين من دون مظلة هبوط آمن، وعلى إخوانيي تركيا وحدهم تحمل النتائج دون الشعب التركي ودون حلفاء النظام الإقليميين والدوليين، وقد اقترب النظام الإخوني التركي كثيراً من الهاوية منفرداً.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى