قضية العسكريين والتقلّبات «تركية»

روزانا رمّال

الانطلاق من أي معطى لحلّ الأزمة السورية من دون أن يتضمن موقفاً تركياً واضحاً ليس إلا محاولات على درب الطريق الطويل الذي رسمته خطوط الأزمة العريضة منذ بدايتها. فالحرب في سورية دولية بين حلف وحلف متبادل والمخاض صعب منذ البداية. وعلى الرغم من التدخل الروسي العسكري وكلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن أنّ سورية تحقق تقدماً ودخلت مفصلاً في مكافحة الإرهاب، منذ بدء العمليات الروسية، فقد أكد الرئيس السوري بشار الأسد أنّ الإنجازات التي يحققها الجيش، بدعم من «الأصدقاء»، دفعت بعض الدول المعادية لسورية إلى المزيد من التسليح والتمويل للعصابات الإرهابية، أي أنّ الرئيس الأسد يؤكد دقة العمليات ويحذر من اعتبار أنّ الطرف الآخر قد غيّر استراتيجيته العسكرية تجاه الإرهاب أو تجاه التمسك بموقفه بالمطلق.

لكنّ تركيا تبقى من يحتل الحيز الأهم في كلّ ما يدور في الميدان السوري، فالحرب بأحد أهدافها هي استراتيجية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في توسيع نفوذ حزبه في المنطقة العربية: من تونس مروراً بليبيا وصولاً إلى مصر وسورية، حيث بوابة الفكرة ومفتاح نجاحها.. وحيث تبدّدها.

لا يمكن للميدان السوري المعقد للغاية أن يتعافى من دون تعاون كلّ الدول التي تورّطت فيه، فمساحة الأرض السورية الواسعة نسبياً، كافية لكي يتجدّد الإرهاب في كلّ يوم ألف مرة إذا كانت مساربه وتحركاته غير معطلة وإذا لم تتعاون الدول، وخصوصاً جيران سورية بالجغرافيا، وإلا فإنّ الضربات التي يتلقاها الإرهاب والنجاحات المؤكدة لحلفاء الرئيس الأسد هي رهن أي خضّة أو إعادة تسعير للموقف. كلّ هذا مع الالتفات إلى عامل الوقت نسبة إلى المساحة في حالة التعاون المشترك بين الكلّ وفي حالة تفرد حلفاء الرئيس الأسد.

أهمّ طلائع التعاون أوروبياً من جهة وسوريا، جاء على لسان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في معرض بحثه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن صيغة للتعاون الأمني لعدم تكرار الجريمة الإرهابية التي طالت باريس، فكانت النيات الفرنسية أوضح لجهة رفع الأولوية لقتال الإرهاب بدلاً من إسقاط الرئيس الأسد ونظامه، ليضاف ما طرحه وزير الخارجية لوران فابيوس عن درس احتمال أن يكون هناك تعاون بين القوى البرية في سورية والفرنسيين وقد يكون الجيش السوري واحداً من هذه القوى، بحسب فابيوس.

الجدية الفرنسية التي لم تكن يوماً بهذا الثبات يؤكدها وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أثناء مؤتمره الصحافي، مع نظيره السوري وليد المعلم في موسكو، حيث عرض للوزير السوري وجهة نظر فرنسا من مسألة الحدود، فقال: «الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند هو من قدّم الاقتراح بشأن إغلاق الحدود بين سورية وتركيا من أجل قطع تدفق الإرهابيين الجدد والأسلحة إلى داعش، وإننا ندعم هذا الاقتراح بحماس، كما أننا منفتحون على تنسيق خطوات عملية لإغلاق الحدود وواثقون من أنّ إغلاقها سيساهم كثيراً في اجتثاث الإرهاب من الأراضي السورية».

كلام روسيا وفرنسا إذاً، دقيق جداً لجهة الدور الرئيسي لتركيا وبالتالي فإنّ أهمية تطور الموقف التركي والانعطافة والتخلي عن مشروع دعم الإرهاب هو هدف ومسؤولية رئيسية تقع على عاتق حلف روسيا – فرنسا «الجدّي»، فترويض تركيا أو إخضاعها هو مقدمة ضمان الإسراع في الاقتصاص من الإرهاب وتحقيق نتائج أبلغ باعترافهما.

الأشهر القليلة السابقة أشارت إلى تعنت تركي واضح وتصويب كبير على دخول روسيا المعارك في سورية، وأظهرت تمسكاً تركياً بإطالة عمر الأزمة السورية مع إغلاق أي إشارة تقدم من دون أن تحسب حساباً لاحتمال تأزم الأوضاع أكثر. وعلى هذا الأساس، واظبت تركيا على اختلاق الفرص مع حلفائها من أجل التحدث على طاولة واحدة مع روسيا وإجبارها على الالتفات إلى مصالح تركيا مع بعض المجموعات الإرهابية شمال سورية، فجاءت عملية إسقاط «سوخوي» الروسية والقتل العَمْد للطيار لتتلقاها موسكو بما لم يكن في حسبان أنقرة.

أظهرت روسيا ردة فعل سريعة استطاعت بموجبها إدخال صواريخ أس 400 إلى سورية وقطعت العلاقة مع تركيا، وأدرجت إجراءات عقابية عدة واتهمت روسيا تركيا، مباشرة، بدعم الإرهاب وتسهيل مروره عبر حدودها وقدّمتها لأوروبا تحديداً والعالم عنصر متورط لا يتعاون حتى نزل السقف التركي بتصريحات فيها ما فيها من الضياع والقلق والندم جراء الخطوة التي عقدت المشهد، بحسب ما جاء على لسان أردوغان.

إنّ تدهور العلاقات الروسية – التركية إلى هذا النحو سابقة تعود على تركيا بالكارثة الاقتصادية والأمنية، وهو ما لم تكن تريده حتماً، وعلى هذا الأساس بات عليها التقدم لإيجاد ثغرة في المشهد المجهول، فما كان عليها إلا استخدام أوراقها في الوقت المناسب وإحداها قضية اختطاف العسكريين اللبنانيين ومساعي إطلاقهم جدياً لأول مرة منذ سنة وشهرين وبسرعة لافتة لا يمكن معها تجاهل العوامل والظروف، و«جبهة النصرة» التي تحتجز العسكريين ليست إلا أهم مجموعة من مجموعات الاستخبارات التركية التي تحظى بالحماية المطلقة منها والتي لم تصنف حتى الساعة إرهاباً من قبل أنقرة. أولى نتائج الأزمة بين روسيا وتركيا قد يُستفاد منها لبنانياً، لكنّ فرضية العرقلة قائمة كتعبير عن ارتباك تركي وتقلب بين مدّ اليد، وعدم الردّ الروسي المناسب والعودة إلى التصعيد، كما سجلت بورصة تصريحات أردوغان خلال اليومين الماضيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى