زيارة وزير الدفاع الروسي إلى مصر

حميدي العبدالله

قام وزير الدفاع الروسي بزيارة رسمية إلى مصر، هي من بين الزيارات القليلة التي يقوم بها مسؤول عسكري رفيع المستوى إلى القاهرة منذ تدهور العلاقات بين الاتحاد السوفياتي ومصر إثر قرار السادات بطرد الخبراء والمستشارين الروس عام 1972. وبمعزل عما سيتمّ بحثه في هذا الزيارة والنتائج التي يمكن أن تتمخّض عنها لقاءات المسؤول الروسي مع نظيره المصري، ومع رئيس جمهورية مصر العربية، إلا أنّ هذه الزيارة تحمل مجموعة من الدلالات التي تنطوي على أهمية كبيرة.

أولى هذه الدلالات تصميم الدولة المصرية على عدم حصر علاقاتها بالغرب، لأنّ تجارب هذه الدولة أكدت لها أنّ الغرب لا يقبل علاقات متكافئة وندية، وخلص المسؤولون المصريون الجدد إلى نتائج مماثلة لما خلص إليه الرئيس جمال عبد الناصر في منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي، والأسباب التي دفعت مصر عبد الناصر للتوجه نحو الاتحاد السوفياتي، هي الأسباب ذاتها التي تدفع مصر السيسي للتوجه إلى روسيا اليوم، أيّ إصرار الغرب على معاملة مصر كدولة تابعة مع ما يعنيه ذلك من حرمانها للعب أيّ دور يتناسب مع حجمها وموقعها الذي يؤهّلها لأن تكون لاعباً إقليمياً مهمّاً، كما كان عليه الحال في عهد محمد علي باشا، وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر.

ثاني هذه الدلالات أنّ علاقات مصر مع الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة لم تتعافَ بعد على الرغم من الجهود والمحاولات التي بذلت سواء من قبل واشنطن، أو من قبل حلفائها، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، ولا تزال مصر السيسي تشكك بنوايا الولايات المتحدة والغرب إزاءها ولا سيما لجهة فرض جماعة «الإخوان المسلمين» عليها، الأمر الذي يهدّد استقرار البلاد، وهو خط أحمر بالنسبة للغالبية المصرية، وبالنسبة للرئيس السيسي.

ثالث هذه الدلالات، أنّ مصر في ظلّ تقهقر مكانة الغرب والولايات المتحدة في المنطقة، وتراجع تأثير النظام الدولي الأحادي، لها مصلحة حيوية في تنويع علاقاتها مع العالم، بمعزل عن موقف الغرب والولايات المتحدة منها، وروسيا تعتبر من الدول الصاعدة والقادرة على الوقوف في وجه السياسات الأميركية الطامحة إلى إعادة فرض الهيمنة على العالم، والتصرف على النحو الذي كان عليه الوضع في عقد التسعينات. بعبارة أخرى، وبمعزل عن النتائج العملية لزيارة وزير الدفع الروسي، فإنّ قيمة هذه الزيارة لا تقدّر بحجم وطبيعة الاتفاقات التي تمّ توقيعها، بل بالدلالات التي تنطوي عليها هذه الزيارة وفي هذا التوقيت بالذات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى