عودة استراتيجية الذئاب المنفردة لـ«داعش»!!

د. رفعت سيد أحمد

الآن وقد التقط العالم الأنفاس بعد ثلاثة أحداث إرهابية كبرى في أقلّ من شهر واحد يرتكبها تنظيم داعش حادث إسقاط الطائرة الروسية في شرم الشيخ حادث برج البراجنة في الضاحية الجنوبية في بيروت حادث باريس ، نحتاج إلى تأمّل وبصيرة ليس للحدث في ذاته ولكن لدلالاته، واحتمالات تكراره، ودعونا في هذا الصدد نسجل ما يلي:

أولاً: إنّ تنظيم داعش الذي بدأ في العراق 2004 ثم انتقل إلى سورية 2011 يستند في مرجعيته الفكرية وهي هنا الأهمّ لفهم سلوكه المستقبلي إلى فهم منحرف للدين، مستمدّاً من كتب ومراجع بعضها يصل إلى خوارج زمن الصحابة الأول وإلى ابن تيمية، وابن عبد الوهاب، والبعض الآخر يمتدّ إلى سيد قطب وشكري مصطفى ومن ناظرهم في بلاد الشام، واليوم نكشف ربما للمرة الأولى عن أبرز ما يتمّ تدريسه للداعشي الملتحق حديثاً بالتنظيم في المقرّ الرئيسي للتنظيم في سورية التي يذهب بعدها إلى مصر أو ليبيا أو فرنسا ليفجر نفسه.

إنّ أهمّ المراجع التي يتعلّم منها الدواعش كتاب «مختصر العقيدة للمدعو أبو بلال الحربي» وكتاب شرح الواجبات المتحتمات»، الصادر عن «ديوان الدعوة والأوقاف والمساجد في ولاية الرقة» – القطاع الشمالي، و «السبي» من مكتبة الهمة وباسم «الدولة الإسلامية» – ديوان البحوث والإفتاء، و«كشف الشبهات» للشيخ محمد عبد الوهاب، و «تجارة الجهاد» للشيخ عمر عبد الرحمن، و «الواجبات المتحتمات المعرفة على كلّ مسلم ومسلمة» لمحمد بن عبد الوهاب، إضافة إلى كتاب مدرسي للطلاب في الصف الثاني الابتدائي بعنوان «التوحيد»، وتمّ طبعه في العام 2013.

وعند انتهاء هذا «المعسكر الشرعي» – وفق تسميتهم – يلتقي «الداعشي» مع المسؤول الأمني للمدينة التي يتبعها داخل سورية، حيث يتمّ سؤاله عن خبرته العسكرية، فإنْ كان جوابه أنه لا يعرف شيئاً، وأنّ عمله كان موظفاً او غير موظف، عندها يرسل إلى معسكر «المناخر العسكري» على أطراف مدينة الرقة.

وخلال التدريب العسكري يبدأ بالتعرّف على مبادئ القتال بالسلاح الفردي، تليها مرحلة القتال والاشتباك والتنقل والتمويه، إضافة إلى مخططات عسكرية، مع تدريب على التفجيرات بأنواعها ومستوياتها. وهناك منشور يشرح عن القاذف الصاروخي «كاتيوشا» وكيفية استخدامه، وآخر عن تعليمات قراءة الخرائط ودلالاتها، وكتاب «فلسفة الميدان – رؤى في التخطيط العسكري» وهو طباعة غزة في العام 2011 باسم «يوسف حسن حجازي».

وبعد خضوعه للمعسكرات الشرعية كما يسمّونها! والعسكرية يتمّ إرساله إلى الأماكن المطلوب تفجيرها أو مساعدة الانتحاريين فيها مثل مصر والآن فرنسا.

ثانياً: استندت داعش في الأعمال الإرهابية الثلاثة التي قامت بها خلال الفترة الماضية إلى استراتيجية قديمة أسمتها بـ استراتيجية الذئاب المنفردة والتي تضمّنتها إحدى وثائق داعش المعنونة بـ الذئاب المنفردة جند الله الأخفياء الأتقياء وتقوم فلسفة هذه الاستراتيجية على استخدام عناصر وخلايا صغيرة منفردة غير معلومة ونائمة وعندما تستيقظ تؤلم وتفجر وتقتل بدم بارد، ووفقاً لنص الوثيقة فإنّ تعريف الذئاب المنفردة: هي من أوائل مراحل العمل الجهادي كما تسمّيه داعش الإرهابية – التي تعمل بلا روابط تجمعها إلا رابطة الهدف الواحد، وهي خلايا كثيرة تعمل هنا وهناك يجمعهم هدف إقامة شرع الله في الأرض وقتال أهل الكفر والردّة، فلا رابط بينهم ولا تواصل، يعملون فرادى وخلايا صغيرة ويضربون بكلّ قوة وشراسة، يُرهبون العدو ويقلبون كافة حساباته، فلا يعلم من أين تأتيه الضربات، ولا يعلم كيف يوقفها. حقيقة لا توجد تقنية أمنية لإيقاف ذلك، لأنه يصعب تتبعهم والوصول إليهم، وحتى إنْ حدث وتمّ أسْر أحدهم فلا يوصل إلى شيء إلا نفسه فقط، أو أكثر شيء خليّته التي يعمل معها، هذا إنْ وصلوا إليهم. ومن خصائص الذئاب أنهم أفراد طبيعيون، لا علاقة لهم بجبال وصحراء وجماعات وأزياء مجاهدين، فهم لا يُظهرون أصلاً أيّ مظهر إسلامي أو فكري يميّزهم عن الآخرين، بل إنّ بعضهم إنْ رأيته قد تظنه من أهل الهوى . والسؤال: ألا ينطبق هذا الوصف والدور تحديداً على ما جرى مع الطائرة الروسية وكذلك في جريمتي برج البراجنة وباريس؟! بل إنّ الشواهد تؤكد أنّ الأخيرة كانت الأكثر وضوحاً وتطبيقاً لاستراتيجية الذئاب المنفردة.

ثالثاً: ينبغي للمراقب أن يتوقف ملياً أمام المعلومات التى تقول إنّ الموساد الإسرائيلي كان لديه علم مسبق بهذه الأحداث الإرهابية الثلاثة وأنه قد أبلغ روسيا وفرنسا بما لديه من معلومات بعد وقوع الجرائم وليس قبل وقوعها !! ، وأنّ المعلومات التي أعطاها لفرنسا تحديداً هي التي سهّلت إلقاء القبض على العناصر الهاربة من الذئاب المنفردة في عملية باريس، وقد أعطى هذه المعلومات لفرنسا ومن قبلها لروسيا بعد وقوع الكارثة، وكأنّ تل أبيب كانت تريد وقوعها أولاً ثم تقدّم المعلومات التي لديها، وهنا تثار العديد من التساؤلات حول التداخل التنظيمي والوظيفي بين الموساد وجماعات الإرهاب الديني وتحديداً داعش، وكيف أنّ العلاقات والاختراقات بينهما واضحة وقوية، وحتى لو لم تكن قائمة بالمعنى المباشر للكلمة فمن المؤكد أنّ أكبر المستفيدين من دور داعش في المنطقة هو «إسرائيل»، والتي ربحت حتى الآن مكاسب عديدة أبرزها استنزاف الجيشين العراقي والسوري، ومحاولة إشغال الجيش الوطني المصري عن مهامه الكبرى في حماية مصر من خلال دعم وتوظيف تنظيم داعش ولاية سيناء.

إنّ المطلوب من صنّاع القرار في بلادنا أن ينتبهوا أو يبحثوا ويتأمّلوا جيداً الدور الخفي للموساد الإسرائيلي مما جرى، وفي ما سيجري من إرهاب داعش في المنطقة والعالم، فالعدو- في تقديرنا واحد ومتداخل الحلقات والأدوار.

رابعاً: إنّ ما يسمّى ببقايا التيار السلفي المتشدّد في مصر لا تزال لديه ذات الفتاوى التكفيرية التي لدى داعش وأخواتها، فقط جزء من أعضاء هذا التيار لا يحمل السلاح ولكنه يحمل الفكر الذي يبرّر حمل السلاح واستخدامه، هذا التيار مطلوب مواجهته وبقوة عبر الدعوة الوسطية أولاً، وعبر كشف مصادر تمويله وتفكيره الخطرة الآتية إلينا من الصحراء، هذا الفكر أخطر من القنبلة، وإذا تمكنت الدولة والأزهر الشريف في قلبها من مواجهته فإنّ 80 من هزيمة داعش التي في سيناء أو داخل مدننا، ستكون ممكنة ومؤكدة.

خامساً: بالتأكيد لا شماتة في الموت، وهذا الإرهاب الجبان، ضدّ الأبرياء والمدنيين مرفوض تماماً، ولكن علينا أن نتأمّل جيداً، ما جرى في فرنسا تحديداً، وما قد يجري فى أميركا مستقبلاً، فهذه التنظيمات صنعتها أجهزة مخابرات غربية وخليجية تمويلاً وتدريباً باسم أنهم من الثوار ضدّ النظام السوري أو الليبي من قبله، ولكن ما لا تعلمه تلك الأجهزة أنّ هؤلاء الإرهابيّين ليسوا ثواراً، وإنهم بلا صديق، وبلا سقف سياسي أو ديني، إنهم عدميون في السياسة، وفي الدين، وهذا هو الخطر، إنّ المنطق والعقل يتطلب الآن المواجهة الواسعة والعاقلة لهذه التنظيمات التي تسيء أول ما تسيء إلى الإسلام، وهنا يأتي دور الأزهر والمؤسسات الدينية المعتدلة، وفي موازاة ذلك تأتي أهمية أن تراجع دول الغرب المتورطة منذ أربع سنوات في فوضى ما يسمّى بالربيع العربي، فدمرت دول كانت متماسكة ومستقرة، وعليها أن تراجع سياسات التحالف أو التمويل والدعم لهذه التنظيمات، وأن تعيد نقد ذاتها في هذا الملف، وذلك قبل أن تتحوّل الذئاب المنفردة إلى ذئاب جماعية مرعبة ومعادية للحياة، ولكل ما هو راق وسام في عالمنا. والله أعلم.

E mail: yafafr hotmail. com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى