القضية الفلسطينية مذبوحةٌ من الوريد إلى الوريد

د. محمد بكر

في كلّ عام، وتحديداً في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني، تتكاثر في الذاكرة الفلسطينية مشاهد الأسى والحزن والألم على سنوات حبلى بأبشع صور التهجير والقتل والاستيطان ذاق مرارتها وويلاتها الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من المنظمات الدولية والإسلامية والعربية التي لا تزال مكبلة الأيدي لا تستطيع أن تنبس ببنت شفة حيال أعدل وأسمى قضية عرفها التاريخ يسطع فيها الحقّ الفلسطيني سطوع الشمس ولا يحتاج إلى البينات واستحضار الدلائل لإثبات مشروعيته وأحقيته في استعادة ما سُلب من أراضيه وما شُوِّه من تاريخه. سنوات مرت والصورة أشدّ سوداوية والمشهد أكثر قساوة لجهة تهميش وتغييب القضية، إذ تغدو الأمم أمواتاً من الأمم، والتعاون الإسلامي تعاوناً على الإثم والعدوان، لا تعاوناً على البر والتقوى والجامعة العربية لا جامعة ولا عربية، والقضية قضايا والملف ملفات، وتغيب السلطات وتالياً تنتفي المسؤوليات والأخلاقيات، إذ لم تفلح الأمم المتحدة وتوابعها في أداء مهمّاتها في فضّ النزاعات وحفظ السلم والأمن الدوليين، بل غضت الطرف بصورة سافرة حيال الجرائم الصهيونية اليومية من قتل وتشريد وتهويد، وصمّت الأسماع الذي أصابها هذا الوقر الفريد، عن تطلعات الشعب الفلسطيني لنيل حريته واستقلاله في الوقت الذي ترفع فيه الصوت عالياً تأييداً ودعماً «لثورات» الشعوب الأخرى وتعمي العيون عن نداءات الحرية الفلسطينية وما تبوح به الأرواح التواقة لوطنها المطعون على العين الأممية، وقد ضاع الحق الفلسطيني في غياهب ربيع لا يحمل من اسمه أي نصيب مع إيماننا وتسليمنا بتغيير يليق بشعوب تئنُّ تحت وطأة الديكتاتورية والتسلط لكن أن يكون ذلك التغيير خدمة للهدف الوطني فقط وفق منهجية وطنية وبرامج سياسية وطنية هذا الربيع الذي لم يصطبغ بأحمر الورد وشقائق النعمان، إنما طفح بأحمر الدماء وفتاوى الأشقياء الذي يسمّون، زوراً وبهتاناً، علماء، كيف لا وقد كان نتاج شجرة الزقوم طعامها خمط ٌوطلعها رؤوس الشياطين.

المثير للاشمئزاز، وبالطبع ليس على طريقة سوزان رايس، أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت القرار 181 في 29 / 11/ 1947 القاضي بتقسيم فلسطين هي نفسها التي جعلت عام 1977 يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني يوماً عالمياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني يُحتفل به كلّ عام في صورة صارخة للعهر والنفاق وازدواجية المعايير.

في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، لا يسعنا إلا أن نكبر بتضحيات هذا الشعب العظيم وأن نحني الهامات لشهدائه ومقاوميه، ممنين النفس بربيع حقيقي يزهر على أرض فلسطين حرية واستقلالاً وعودة، وأن تزول هذه الغشاوة المقيتة التي طال مكوثها على العيون وأن ينجلي هذا التيه الجاثم على العقول وأن يعود للقضية ألقها وللحقّ أهله وللبوصلة وجهتها.

في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وفي زمن غدا فيه هذا التضامن وكذلك القضية مذبوحين من الوريد إلى الوريد بالسكين العربية وبالسيف الإسلامي، لزام أن نطلق صرختنا لأبناء شعبنا الفلسطيني، الذي تخلى عنه الجميع، في الداخل والشتات ولفصائلنا وحركاتنا وجبهاتنا على مختلف انتماءاتهم السياسية، لجهة إنهاء الانقسام المقيت، وأن لا يكونوا نسخة عن التشرذم الحاصل في صفوف أمتنا العربية والإسلامية، فاجتماعنا على كلمة سواء هو القاعدة والمفصل الرئيس والركن الأساس لمواجهة التحديات والتهديدات، وهو الرسالة الأسمى لكلّ شعوب الأرض والمتآمرين على القضية، هذه الكلمة التي لا مكان فيها لمن باع وخان وتخاذل وتاجر وقامر وتآمر على دماء وجراح وآلام شعبنا العظيم.

هي دعوةٌ نعلي من خلالها الصوت عالياً ولسان حالنا يصرخ: كفى تمزقاً، كفى شتاتاً، لتوحدنا فلسطين ولننضوي تحت رايتها، لنغادر خلافاتنا، لتتشابك الأيدي على الزناد، فكفى ما اعتصره الفؤاد، من آلام وأحزان وآهات، وضياع وغربة وربيع وكذب وثورات لم تبق ولم تذر.

كاتب فلسطيني مقيم في سورية

mbkr83 hotmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى