«أحلام السلطان»… وتمنّي «عودة الزمان»!

فاديا مطر

مع تظهير الحزن وتمني عودة الزمن إلى الوراء، إلى ما قبل إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية وقتل طيارها من قبل المقاتلات التركية، يقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على كلامه في محافظة «بالق أسير»، معرباً عن أمله في ألا يتكرر مثل هذا الحادث، فتركيا التي تضع القناع الإسلامي تُرخي بثقل أخطائها على حلف الناتو الذي كان يعقد «أردوغان» عليه آمالاً تضاعف توقعات ربحه، لكن تركيا التي لا تلقى قبولاً من أعضاء الناتو، لتكون حادثة إسقاط المقاتلة الروسية هي عتبة خسران تركيا في التكتيك العسكري بأضعاف توقعات الربح، وما تعليق سلاح الجو التركي طلعاته ضمن عمليات التحالف الدولي، حسب صحيفة «حرييت» التركية في 27 تشرين الثاني إلا سقوط بمعادلة الحماية من قبل التحالف الدولي للطيران التركي، ومعادلة صواريخ «إس 400» مضادة للطائرات التي عززت فيها روسيا الخسارة التركية، وما يُشاع من أقوال عن إرسال قاعدة جوية روسية إلى مطار الشعيرات في الوسط السوري إلا زيادة في الخسارة لتركيا ومجموعاتها الإرهابية في سورية وهو ما يدفع تركيا نحو «مسرح العبث»، بحسب تصريح الناطق باسم الكرملين «ديمتري بيسكوف» اليوم، فسيناريوات المواجهة مع روسيا تحمل وقائع ومعطيات جديدة بعد «الطعن في الظهر»، والضوء الأخضر الأميركي للخطأ التركي ربما يدفع الدولة العثمانية إلى إنهاء حياتها على الأرض السورية، عبر ما تشهده الجبهات الشمالية السورية من استعار لنار الرد الروسي ـ السوري من خلال سلسلة خطوات روسية مؤلمة لأردوغان الذي مازال يعيش حلم «المنطقة العازلة»، والذي بدأ العد البطيء قبل أي خطوة في خياراته المتعلقة بالصراع السوري، وما يتداعى من الداخل التركي والاحتجاجات الكردية بعد مقتل رئيس نقابة المحامين «طاهر إلتشا» في 28 من الشهر المنصرم في مدينة ديار بكر الكردية، مما دفع مدينة إسطنبول إلى مواجهات مع الشرطة وتفاقم المظاهرات والقمع المتزايد. فهي أنساق متلاحقة من الآلام التي بدأ يعاني منها أردوغان في المستوى العسكري والسياسي والمضاف إليه الألم الاقتصادي من مسائل تتعلق أساساً بالبطالة وعجز الموازنة والديون الخارجية بعد ما كانت قد أبرمت تركيا مع موسكو من اتفاقات تجارية ستذهب الآن أدراج الرياح، بعد إعلان رئيس الوزراء الروسي «ديمتري ميدفيديف» أواخر الشهر المنصرم بأن الحادثة ستؤدي إلى إلغاء بعض المشاريع المشتركة بين البلدين، مضيفاً أن الشركات التركية قد تخسر حصتها في السوق الروسية، وهو ما يمكن أن ينسحب على حجم التبادل التجاري والاستيراد التركي البالغ 60 في المئة من الغاز الطبيعي الروسي، فضلاً عما تساعد به روسية في تمويل محطة الطاقة النووية في تركيا بتكلفة 20 مليار دولار من أجل تلبية زيادة الطلب على الكهرباء، وما أوصى به اتحاد السياحة الروسي بوقف بيع تذاكر الرحلات السياحية إلى تركيا، وغيرها من العقوبات الروسية والحظر الاقتصادي وما يتوالى من ضربات على الرأس التركي مع الانتظار الحار لمصير توريد الغاز الروسي إلى تركيا بمشروع «السيل التركي»، فهي خطوات متدرّجة على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية تبدو أقرب إلى «إعلان حرب» تذهب بأحلام السلطان العثماني إلى القاع، فروسيا التي تمثل خطراً «جيواستراتيجياً» على أنقرة وواشنطن في سورية تحاول الولايات المتحدة استباقها بخطوات وسيناريوات مثيرة للقلق أميركياً عبر أنباء عن وصول مدربين أميركيين إلى مدينة «عين العرب» السورية بغرض التخطيط لمعارك الرقة والتنسيق مع طيران التحالف الدولي بعد التقارب الروسي الفرنسي في الملف السوري، فصراخ أردوغان الأخير هو محاولة لغسل يديه من الجرائم التي تورّط بها وتراجع عن مقولة «روسيا تلعب بالنار»، وبدء الضيق في التنفس بما يخص الحركة التركية في الميدان السوري وانكسار معادلة «الخطوط الحمر» التركية، وتقوية لليد الكردية التي بدأت التنسيق مع روسيا بعد الاستهداف الروسي الأول من نوعه في ريف عفرين والذي رفع «بطاقة حمراء» أمام الدعم الأميركي للأتراك، فالضربة القاضية تبدو قادمة، على أمل تركي بأن يصلح ما أفسدته الأردوغانية لقاءُ قمة المناخ في باريس لإعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي، لكن الأجوبة الروسية السريعة لا تنبئ بذلك مع كثافة السلاح الثقيل الذي يعجّ به الشمال السوري الحدودي مع تركيا، فهل ينفع التمني للعودة إلى الوراء بالزمن؟ أم سيكون الجواب التركي كما كان إبان «سفينة مرمرة» على سواحل فلسطين المحتلة؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى