في الأبعاد الأردنية لاستعادة مدينة الشيخ مسكين

إبراهيم علوش

كتبت صحيفة «فايننشال تايمز» في 1 تموز 2015، أي قبل حوالي ثمانية أشهر، أن الأردن يفكّر بإقامة منطقة عازلة جنوب سورية في محافظتي درعا والسويداء، وقد ترافق ذلك وقتها مع تصريحات مختلفة عن «دور الأردن في حل مشاكل سورية والعراق وتعزيز استقرار المنطقة وأمنها»، كما ترافق مع تصعيد للهجمات على «الجبهة الجنوبية» عبر غرفة عمليات «الموك»، وهي الهجمات التي تكسّرت على صخرة الجيش العربي السوري، لكنها هجمات لم تأتِ من فراغ، بل جاءت تتويجاً لسنوات من دعم العصابات المسلحة في سورية وتدريبها وتسليحها، وهي السياسة التي وصلت إلى طريق مسدود ميدانياً وسياسياً، كما لم يلبث أن أدرك صانع القرار في الأردن جيداً، خصوصاً بعد فشل ما أسمته «عاصفة الجنوب»، بعد شهرين وخمس هجمات، وإعلان ذلك رسمياً من قبل القائمين عليها في 11 أيلول 2015، سوى أنها كانت السياسة التي ترضي الحلفاء في تل أبيب وواشنطن والرياض.

لكن الواقع الميداني لا يمكن إلا أن يعكس نفسه على الموازين السياسية، وعندما دخل الروس بشكلٍ مباشرٍ على خط الأزمة السورية في 30 أيلول 2015 كان لا بدّ لذلك أن ينعكس على «الجبهة الجنوبية»، لا على ريفَيْ اللاذقية وحلب فحسب، ومن هنا صار لا بد من التأقلم مع دخول روسيا على الخط كأمر واقع، فإذا كانت فكرة «المنطقة العازلة» قد أسقطها الجيش العربي السوري ميدانياً، فإن البحث عن صيغة لعدم الاصطدام بالروس صار الآن ضرورة عملياتية ملحة وكان أن أعلن لافروف في فيينا، بحسب وكالة «سبوتنيك» الروسية في 23 تشرين الأول 2015، عن تأسيس غرفة عمليات عسكرية أردنية ــــ روسية في عمان لتنسيق العمل ضد داعش في سورية، أي للتنسيق العسكري بين الطرفين.

وقد اعتبر موقع «ديبكا» الصهيوني إنشاء ذلك المركز في 15 كانون الثاني 2016 «التفافاً من قبل بوتين من خلف ظهر نتنياهو»، وخضوعاً أردنياً للرغبة الروسية بالتضييق على «المتمردين» جنوب سورية الذين يرفض نتنياهو النزول عند رغبة بوتين بسحب دعم «إسرائيل» لهم خوفاً من عودة سلطة الدولة السورية لكامل المنطقة. ويضيف الموقع نفسه أن غرفة التنسيق الروسية ـــ الأردنية سببت مشكلة وأثيرت في محادثة هاتفية بين أوباما وبوتين في 13 كانون الثاني 2016، وفي لقاء دام خمس دقائق بين أوباما والملك عبدالله في اليوم نفسه في قاعدة أندروز الجوية في الولايات المتحدة، مما يوحي بأن غرفة التنسيق الروسية ــــ الأردنية تمثل نوعاً من «التشريك» غير المرضي عنه، حتى لو أكد النظام الأردني، بحسب الموقع، أن غرفة التنسيق الأخرى، الأميركية ــــ «الإسرائيلية» ــــ الأردنية، الموجودة في منطقة ما شمال عمان، والمسماة «القيادة المركزية الأميركية المتقدمة ــــ عمان»، ستستمر بشكلٍ طبيعي، غير أن موقع «ديبكا» اعتبر أن التنسيق الأردني مع روسيا يشكل خطراً على القناة الأساسية لإيصال الأسلحة والمقاتلين والأموال من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات لمن أسماهم الموقع بالـ»متمردين» جنوب سورية.

من السابق لأوانه الاستنتاج هنا بأن النظام الأردني قام بخطوة غير محسوبة أو أنه لم يطلب إذناً مسبقاً بإقامة غرفة التنسيق مع روسيا، معتبراً، ربما، أن الاتصالات الروسية مع الكيان الصهيوني تبرر له ذلك، من دون أن يأخذ بعين الاعتبار أن نتنياهو رفض أن يعطي بوتين ما يريده، وهو سحب الدعم الصهيوني عن العصابات المسلحة في محافظتي درعا والقنيطرة؟! أم أن هنالك قوىً داخل الدولة الأردنية تدفع باتجاه سحب الدعم الأردني عن تلك العصابات، أو تقليصه على الأقل، بعد فشلها الذريع، ثم دخول روسيا مباشرةً على الخط، والتقدم الثابت الذي يحققه الجيش العربي السوري والقوى الداعمة له في ريف درعا الشمالي خصوصاً؟ أم أنه مزيجٌ من الأمرين معاً؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة…

الأمر الذي لا شك فيه أن تحرير معسكر اللواء 82 دفاع جوي كان المقدّمة الضرورية لتحرير الشيخ مسكين، وكما قالت إحدى مواقع العصابات المسلحة قبل عام بالضبط: «للواء 82 أهمية استراتيجية كبيرة حيث يشكل قوساً كبيراً يمتدُّ من طريق «الشيخ مسكين ــــ نوى» إلى طريق «الشيخ مسكين ــــ ازرع» من الشمال، ويحمي «الصنمين» الواقعة إلى شماله، كما يشكل نقطة حماية لبلدة ازرع إلى الشرق منه». فهو عقدة مواصلات تصل للجولان المحتل، وتطل على طريق دمشق درعا القديم، وطريق استراتيجية تربط بين بلدتي بصر الحرير ونوى. والقتال عند لحظة كتابة هذه السطور يدور خارج الأجزاء الغربية لمدينة الشيخ مسكين الواقعة على مفترق طرق يربط محافظات القنيطرة والسويداء ودمشق بمحافظة درعا، ويربط شرق درعا بغربها، مما يقطع أوصال العصابات المسلحة في ريف درعا، ويهدد وجود العصابات المسلحة في مدينة درعا نفسها.

الأفق مفتوحٌ إذن للجيش العربي السوري والقوى الداعمة له للتقدم على محاور عدة في سهل حوران، وربما يكون الآتي هو بصر الحرير، أو بصرى الشام الاستراتيجية جنوب شرق درعا التي تربط بين محافظتَي درعا والسويداء.

ويذكر أن غطاءً جوياً روسياً كثيفاً أسهم على مدى الأسابيع الماضية بتدمير الخطوط الدفاعية للعصابات المسلحة في معسكر اللواء 82 وفي الشيخ مسكين، وأن هذا التطور، إلى جانب التطورات الأخرى في ريف اللاذقية وحلب وغيرها، يعزز موقف الدولة السورية عشية «جنيف 3»، كما أن مثل هذه الإنجازات الميدانية سوف ترجّح كفة المسؤولين الأردنيين الراغبين بقطع الدعم عن العصابات المسلحة في جنوب سورية، حتى في ظل ضغوط «إسرائيلية» وخليجية بالاتجاه المعاكس. لقد أُسقط في أيديهم في النهاية، فماذا يمكن أن يفعلوا أكثر مما فعلوه؟! لكن ليس من داعٍ للاسترخاء، لأن احتمال شن هجوم معاكس يبقى قائماً، كما حدث على معسكر اللواء 82 قبل حوالي شهر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى