ورقة الحدود السورية… رسالة متعدّدة الأوجه؟

سناء أسعد

تبدّدت أحلام أردوغان الواهمة إلى غير رجعة، تساقطت أوراقه من أعلى سقف رفوف مخيّلته التي أرهقت تفكيره الإخواني في جمعها، وتلميع أحرفها بدماء الأبرياء، وشراء الحبر «الإسرائيلي»، حتى وصل إلى مرحلة الإفلاس، ولم يعد بمقدوره التبضّع، أو حتى التجوّل في زقاق خياله الواسع. فمهما برمج حماقته لتخدمه فهي ستخذله كما فعلت في السابق، فأرض الواقع لا مكان فيها للأحلام، بل حتى لا مكان فيها لسياسة الهواة المجرّدة من المبادئ والقيم والتقنية. لو كانت هذه التقنية موجودة عسكرياً بتكتيك محكم فهي خاسرة شأنها شأن السياسة، ما دام الهدف، هو ملء فراغ ووصل نقط استراتيجية ببعضها بعضاً لمدّ خط استعماري على طول الحدود، يحيط بالمنطقة ويفتح أبواب ومنافذ الخرق وانتهاك الحرمات على مصراعيها، هذه الخسارة للمشروع الأردوغاني تؤول إلى غياب القضية الحقة والتي يجب وضعها نصب أعين الميدان السياسي والعسكري، حتى يتمّ الوصول بهما إلى ميدان النصر، فجلد الغزال لا يليق كثوب يغطي جسد الثعلب الماكر، وثوب الاحتلال لن يحتمل اختلاف مقاسات الاغتصاب، فتكرار عملية ارتداء الثوب مع فوارق كبيرة في المقاسات يجعله يهترئ ويتمزق. لذلك، فإنّ أمر التخلي عن احتلال الأراضي السورية لن يكون برغبة ورضى وقناعة… وإنما هو استسلام أمام هذا التعرّي الذي فضح أردوغان وأسياده وأتباعه.

أردوغان خاسر، ومهزوم، هزيمة نكراء بحروبه الغاصبة، التي اخترقت حدود المقاييس كافة، فلم يكن شيء على تفصيله ومقاسه.

فليس هناك قضية محقة يحارب من أجلها أو حتى يدافع عنها، والأرجح أنه أصبح على يقين مطلق بخسارته لمشروعه العثماني الصهيوني.

مشروع المنطقة العازلة في الشمال السوري والتي أطلقت يده فيه أميركا. ها هو أصبح حيّز التنفيذ ولكن مع اختلاف الطرق والوسائل المتبعة، والأهداف، التي تنحصر بعزل الحدود السورية عن الحدود التركية لقطع اليد الإخوانية وتطاولها الإرهابي إلى داخل الأراضي السورية، أيّ أنّ المشروع تمّ تطبيقه بالمفهوم السوري وليس الأردوغاني.

خسارات بالجملة، تتأرجح بضبابيتها في الأجواء التركية، سياسية وعسكرية، إقليمية واقتصادية. سواء في الداخل من خلال النزف الكردي المتواصل في الجنوب الشرقي التركي، أو في الخارج، بطوق العلاقات مع الجيران، وفي المقدّمة الدولة الروسية التي تتوق تركيا جاهدة وتبذل مساعي مغلفة بالتهديدات لسدّ الفجوات والثغرات التي أحدثتها حماقات أردوغان السابقة، والتي ستؤول إلى انهيار اقتصادي أمام تلك العقوبات الروسية ولا سيما أنّ الغاز «الإسرائيلي» لن يعوّض هذا العجز.

ما يحصل على الحدود السورية، لن يكون فقط ورقة حاسمة لتحقيق النصر عسكرياً في ساحة الميدان من منطلق تحرير المناطق المحتلة جغرافياً وسط تلك الحدود وعلى أطرافها بل تلك الورقة تحمل بين سطورها العديد من رسائل الانتصار على الأصعدة كافة. في كلّ ساحة وميدان وكلّ منصة حاول ويحاول الأعداء من خلالها توجيه جميع الطرق والسبل لاحتلال وتدمير الأرض السورية.

تجريم الانتصارات التي يحققها أبطال الجيش العربي السوري وحلفاؤه، لن يجمّد التقدّم ولن يشلّ الاستمرارية والاستبسال النضالي لدحر الطغاة والمرتزقة الكفار من كلّ شبر سوري شريف. فأمر فصل الميدان العسكري عن الميدان السياسي أمر محسوم بالنسبة إلى الحكومة السورية.

هذا التجريم لتلك الانتصارات، لا يخرج عن كونه محاولة أخرى لعرقلة عملية المحادثات التي لم تبدأ بعد في «جنيف 3»، والتي بقيت مجرد دعوة من دون حضور المدعوّين، بالكامل، فالغنج والدلال، بل التآمر السعودي تجاوز حدوده… كما أنّ كلّ فريق يريد وجبة تختلف عن الآخر بما يلبّي رغبته ويشبع حاجياته الشخصية، إلا الوفد السوري الحقيقي بتمثيله للشعب السوري عليه أن يقبل بأيّ وجبة يضعها أولئك الخونة على الطاولة، ليثبت ادّعاءاتهم بأنّه حسن النوايا في إجراء محادثات جدية من أجل تحقيق السلام.

هنا لا بدّ من طرح بعض الأسئلة على أميركا؟

إذا كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد هدّد حقاً جماعة الرياض لحضور المؤتمر فلماذا حصل كلّ هذا التلكؤ والتململ والتباطؤ؟ ونحن نعلم أنّ كل ما تقوم به السعودية وجماعة الرياض هو تنفيذ لأوامر أميركا!

وإذا كانت أميركا ترغب بإظهار حسن نواياها كشريك مع الروس في محاربة الإرهاب، وحلّ الأزمة السورية بالطرق السلمية، فلماذا وافقت على تمثيل الوجه الإرهابي المتمثل بـ»جيش الإسلام» و»أحرار الشام» كطرف يمكن المحادثة معه على طاولة الحوار، فيما الوثائق والادلة على إجرامهم وإرهابهم هي بالجملة، سواء المشاهد المؤرشفة في ذاكرة السوريين وقلوبهم والتي لا تزال تنزف من شدّة فظاعتها، أو المشاهد الحية المؤلمة والمتمثلة بالتفجيرات التي حصلت مؤخراً تزامناً مع افتتاح أبواب «جنيف 3»، وآخرها التفجير الذي هزّ منطقة السيدة زينب، وراح ضحيته العشرات، ورفض ذلك الوفد إدانة التفجير، معتبراً أنّ تلك المنطقة ليست سورية بل ايرانية.

تباً لذلك الوفد الذي لا يعرف جغرافية بلده، وتباً لتلك العقيدة وتلك المبادئ التي يعتمدونها لمحاربة الإرهاب، إذا كان مفهوم الإرهاب يتجزأ لحصره بما يعارض المشروع الصهيو أميركي في المنطقة.

وتباً لذلك الإرهاب الذي يختلفون على أسس محاربته كما يدّعون في الدين والجغرافيا والحدود والانعدام المبدئي الإنساني.

تباً لأميركا وادّعاءاتها الكاذبة، فالتهديدات الواهمة بوجهها الإعلامي، غير كافية لتطبيق القرارات على أرض الواقع، وكأنّ أميركا مولود جديد في حضن السياسة، وأننا مضطرون أمام كلّ مشهد لتذكيرها بما ينصّ عليه القرار الأممي 2254 من بنود لم يطبق منها شيء ولم يمنع حتى من التطاول عليها. هذا إنْ دلّ على شيء، يدلّ على أنّ أميركا لم تنته من لعبتها بشكل نهائي، في ما يخصّ الأزمة السورية، وتحوّلت الى اللعب من وراء الكواليس بوجه مغاير تماماً للوجه المقنّع الذي تظهر فيه أمام العالم كله بالأبعاد والمقاييس كافة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى