حزب الله ــ الكتائب… «فوق سطح البحر»

هتاف دهام

لا شك أنّ موجة الحيوية التي اجتاحت لبنان، والتي لها علاقة بلقاء باريس وترشيح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ولقاء معراب ودعم رئيس حزب القوات سمير جعجع لترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، جعل مساحات التلاقي تخرج من دائرة الرتابة والكلاسيكية في اللقاءات إلى مستوى الحيوية والتفعيل في ظلّ لحظة داخلية وإقليمية يشكل حزب الله فيها عنصر استقطاب وقبلة الأنظار في الداخل والخارج، لا سيما أنه يعتمد الحوار قاعدة أساسية في التعاطي مع كلّ المكونات، خاصة التي تختلف معه في السياسة. ويرى أنّ التواصل يخفّف من سوء الفهم ويؤمّن وضوحاً في قراءة كلّ طرف للآخر ويحمي العلاقة بين المتحاورين من تشنّجات كبيرة يكون الأساس فيها عنصر المفاجآة .

بدأ حزب الله حواراً مع حزب الكتائب منذ نحو سنتين، فهما معنيان جدياً في محاولة البحث عن مشتركات من جهة، وتنظيم قواعد الاختلاف من جهة أخرى، رغم عدم وجود حدّة في العلاقة، بغضّ النظر عن الخطاب القاسي بين الفينة والأخرى الذي يوجهه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل إلى المقاومة.

لقد سجل الحزبان وجود قنوات تؤمّن حداً أدنى من ضرورات التواصل عبر اللقاءات النيابية التي عُقدت طوال تلك الفترة بين النائبين عن حزب الله علي فياض وعن حزب الكتائب إيلي ماروني، ولا تزال مستمرّة، وشارك في بعضها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والنائب الجميّل، ولذلك لم يكن اللقاء بين رعد وفياض من جهة والجميّل وماروني من جهة أخرى يوم الثلاثاء الفائت في البرلمان في مكتب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، الأول، لكن الذي ميّزه أنه عُقد بعد انتخاب سامي رئيساً لـ«الكتائب»، وبعد انقطاع هذه اللقاءات لبضعة أشهر، ولو أنه شكل استكمالاً للجلسات السابقة التي كانت تعقد تحت عنوان تبادل الرأي وتقويم الأوضاع العامة.

قدّم كلّ طرف قراءته ورؤيته للأوضاع الإقليمية والداخلية، واعتبر رئيس «الوفاء للمقاومة» أنّ هناك مسؤولية تاريخية وحضارية وسياسية لحماية المسيحيين في لبنان والمنطقة، وأنّ وحدة الموقف المسيحي تخدم هذا الموقف. ورأى أنّ المسيحيين في دائرة الاستهداف، وبالتالي هم مضطرون أن يكونوا جزءاً من مواجهة الخطر التكفيري. أما الجميّل فشدّد على أنّ التهديد الحقيقي للمسيحيين هو في حالة التداعي التي تعيشها الدولة وتأثير ذلك على حالة عدم الاستقرار في لبنان، مما يطرح تحدّياً أساسياً العمل على بناء الدولة.

ورغم الخلافات الجوهرية القائمة بين الطرفين ومقاربة كلّ منهما لها في الملفّ الرئاسي وقانون الانتخاب، خلص اللقاء إلى ضرورة تفعيل التواصل بين وزراء الحزبين في الحكومة في مواجهة حالات الفساد والتشديد على استمرار اللقاءات واعتبار أنهما في حالة تشاور.

سبقت ذلك زيارة قام بها وفد من حزب الكتائب برئاسة أمينه العام رفيق غانم إلى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بحضور فياض في الضاحية الجنوبية، على خلفية دعوى سابقة تقدّم بها «الحزب» ضدّ مقال نشر في موقع «الكتائب» الالكتروني وتضمّن افتراءات ولغة غير مقبولة على المستوى الإعلامي، للقول إنه لا يوافق على مضمون المقال الذي لا يعكس قناعة الصيفي التي لا توافق على ما ورد فيه وتدين استخدام هكذا تعابير جارحة ومسيئة على المستوى الإعلامي والسياسي، فكانت الزيارة مدخلاً لإسقاط الدعوى.

وفي خضمّ الاصطفافات الجديدة، تجد بكفيا نفسها تقف مسيحياً بين مطرقة الرابية وسندان معراب، وإنْ كان الجميّل جنيور معنياً في هذه اللحظة بالذات بمحاولة تأكيد تمايزه عن الآخرين ليس فقط بالصوت العالي ومطوّلات التنظير أمام الشاشة، بل بأفعال تذكّر الجميع بأنّ حزب الكتائب ولو بنوابه الخمسة، هو رقم مسيحي قد يمثل حاجة لكثيرين في ظلّ ارتفاع مساحات التشويش على الساحتين الرئاسية والمسيحية.

هذه الاجتماعات التي يعقدها حزب الله ضمن سياسة مدّ اليد التي يعتمدها، وتأكيد حزب الكتائب أهمية الانفتاح على حارة حريك، لم ترق ولا للحظة إلى حدود أن تسمّى حواراً مرتبطاً بأجندة وقواعد عمل تفضي إلى نتيجة نهائية أو مكتوبة تصبح هي الحكم في العلاقة بين الطرفين. فهل التلاقي الحالي سيبقى جزءاً من الحيوية المرتبطة باللحظة؟ أم سيجرؤ كلّ من الطرفين على مأسسة العلاقة بينهما على أسس واضحة؟

إنّ أفق اللقاءات كما تقول مصادر مطلعة على أجواء الاجتماعات لـ«البناء» ليس توقيع ورقة تفاهم إنما تبادل آراء حول التطورات اللبنانية والقضايا المشتركة. ويقول وزير كتائبي حالي لـ«البناء»: «لا يزال الحوار فوق سطح البحر».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى