دي ميستورا يعبث في الفراغ من جديد

محمد شادي توتونجي

يدرك المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا ومن خلفه الأميركي وحلفائه أنّ صفر هي النتيجة الحتمية التي سيصل إليها «جنيف 3» و»جنيف 6» و»جنيف 100» ما لم يتمّ القضاء على الإرهاب على الأرض، ووحده الميدان هو من يصنع الفوارق ويضع الخطوط للمسار السياسي في سورية.

فكلّ المعارضات السورية الداخلية والخارجية من ائتلاف وتنسيق وكلّ مفراداتها التي تطول أسماؤها، والتي بتنا لا نستطيع حفظها من كثرتها وتعدّدها وتشرذمها، وهي لا تستطيع أن تقدّم أيّ شيء في المفاوضات والمباحثات على طريق المسار السياسي لإنهاء الحرب في سورية على الإطلاق، كما لا تستطيع تقديم أيّ تنازلات أو تعهّدات لا بوقف إطلاق نار أو أيّ التزام سياسي لعدّة أسباب متعلقة بدق رأس العثماني والسعودي والصهيوني على الجبهات الثلاث، أيّ أنها تتعلق في الميدان والميدان وحده فقط، لأنّ الأغلبية العظمى من الجماعات المقاتلة على الأرض السورية وصاحبة التسليح والتنظيم الأكبر هي من تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» وما يسمّى بـ»جيش الإسلام» المنبثقة كلها من تنظيم «القاعدة» الإرهابي الوهابي الذي لا يملك أحدٌ من الحاضرين ورقة التحكم أو الضغط عليهم لوقف إجرامهم إلا مشغليهم ابتداء من الولايات المتحدة الأميركية ومروراً بتركيا وانتهاء بآل سعود وقطر، وبما أنّ الأغلبية العظمى من الحاضرين من وقود تلك المعارضات مموّلين ومشكلين وتابعين لهاتين الحكومتين، فإنهم مجتمعين لا يستطيعون أن يقدّموا أيّ شيء ولو دامت المفاوضات 60 سنة وليس 6 أشهر، ما لم يعط الأميركي إشارته إلى تلك الدول بالانكفاء والإذعان للهزيمة.

فآل سعود وحليفهم الكيان الصهيوني الذين يتولون مباشرة ومداورة الجبهة الجنوبية، قد تلقوا وما زالوا يتلقون الهزائم تباعاً بعد أن فشلت عواصف جنوبهم لعدة مرات، وتمّت تصفية الكثير من قادة المجموعات التي يديرونها من ريف دمشق وغوطتها وصولاً إلى درعا وريفها والقنيطرة والجولان، واليوم ومع الـ90 التي بات يسيطر عليه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الشيخ مسكين ذات الأهمية الاستراتيجية العظمى، والتي تماثل أو ربما أكثر أهمية من معركة القصيْر، والتي لا يفهم معناها أحد أكثر من «الإسرائيلي» الذي اضطر للدخول بجسده مباشرة في تلك المعارك ليحمي أزلامه هناك، وفشل وخرج منها خالي الوفاض، والتي جعل منها الجيش وحلفاؤه مصيدة لقتل الجماعات الإرهابية هناك، فأدرك الحلف الصهيو ـ وهابي أنّ الجيش العربي السوري وحلفاءه باتوا قاب قوسين أو أدنى من استرجاع درعا كاملة، وصولاً لاستعادة السيطرة كاملة على المنطقة الجنوبية السورية، وسقط وهم الحزام الآمن الذي بناه وحماه الكيان الصهيوني على طول الجبهة الجنوبية من إرهابيّي «النصرة» وعلى سفوح الجولان، كما سقط معه الحلم في الوصول إلى دمشق، بالرغم من ألف ساعة صفر أعلنوها، ودقت ساعة صفرهم.

وهو نفس الحلم والوهم الذي يتلقى الصفعات وتتوالى هزائمه في الشمال والساحل السوري اللذين كان يعوّل عليهما العثماني كثيراً في تلك الحرب الضروس على الدولة والشعب السوري.

فهذا العثماني الإخواني الإرهابي ما زال مصراً على صدم رأسه بنعال الجيش العربي السوري وحلفائه، ولم يفهم الدرس الذي تلقنه في كسب واستمرّ بحقدٍ وكيدٍ وإجرام، فدحر في كسب وسلمى وسهل الغاب وربيعة التي كانت تعدّ من النقاط الثلاثة الأهمّ في استراتيجيته المأفونة في إقامة منطقة تمدّده في الشمال السوري والتي تشمل كلاً من ربيعة والباب وجرابلس، وربما أنّ الكثيرين من أبناء الشعب السوري في الجيل الحالي لا يدركون أهمية ربيعة الاستراتجية، رغم صغر حجمها الجغرافي، لكن موقعها هامّ وكبير جداً في الخرائط الجيوسياسية، وهي التي لم يتمكن حتى الاحتلال الفرنسي من دخولها نظراً إلى وعورة المنطقة وتضاريسها الحادة والصعبة عسكرياً، ولكن وعي القيادة العسكرية للجيش العربي السوري وحلفائه وإدراكهم لهذا المخطط، وبالرغم من كلّ المعوقات الجغرافية والتحصينات العسكرية المدعّمة للإرهابيين وخطوط الإمداد العثمانية المفتوحة، فقد أصرّ الجيش على حسم هذه المعركة وبشكل نهائي لإسقاط الوهم العثماني في السيطرة على ريف اللاذقية ولم يتبقّ في هذا الريف الصعب عسكرياً وجغرافياً إلا منطقة كنسبا على تخوم الحدود التركية من جهة الساحل السوري، ويكون حينها قد تمّ دك الحلم العثماني في تلك المنطقة وتطهيرها بالكامل من المجموعات الإرهابية الأردوغانية.

أما النقطة الثانية فكلّ الأخبار التي ترد من ريف حلب الشمالي الشرقي والشرقي تتحدّث عن أنّ الجيش بات على بعد أقلّ من 5 كيلومترات من مدينة الباب وأصبح سقوطها أقرب من حبل الوريد، وجغرافياً فإنّ السيطرة على مدينة الباب هي مفتاح الطريق باتجاه الرقة، وبالوقت ذاته هي مفتاح ريف حلب الشمالي من جهته الشرقية، ومدينة الباب أيضاً تعتبر من أهمّ معاقل تنظيم «داعش» المدعوم والمحمي من قبل نظام أردوغان العثماني وتحصيناته في ريف حلب، وعند سقوطها المحتّم خلال الأيام القليلة المقبلة، سيعلم التركي أنّ وهمه في سورية انتهى مهما فعل ومهما جنّ جنونه، لأنّ جرابلس التي ذكرناها من النقاط الثلاثة والمتاخمة والقريبة جداً من الحدود التركية والواقعة على الجهة الغربية من نهر الفرات باتت وحدات الحماية الكردية قريبة جداً منها، وستعلن استعادتها من قبضة «داعش» قريباً جداً، وهذا الأمر هو الذي دفع حكومة العدالة والتنمية الإخوانية للتصريح منذ يومين بأنّ تركيا لن تسمح لوحدات الحماية الكردية في العبور إلى غرب نهر الفرات ودعت التركي إلى أن يجنّ ويحشد قواته هناك أكثر.

أكثر من ذلك كان التركي ولا يزال موجوداً عسكرياً واستخباراتياً ويدير كلّ المعارك في الشمال السوري، عسكرياً ولوجستياً وعبر الحرب الالكترونية على طول الحدود السورية التركية.

وبالتالي وربطاً بالحديث عن جنيف بعد كلّ تلك الهزائم على الميدان والأراضي السورية فإننا نؤكد القول بأنّ الحلّ الوحيد السياسي لم ولن يتمّ إلا بعد القضاء على المجموعات المسلحة الإرهابية، وبعدها لن يكون الحلّ السياسي في سورية إلا حسب مبادرة الرئيس الأسد التي طرحها في خطابه التاريخي في 6/1/2013 والتي رسم فيها خارطة الطريق للمسار السياسي والعودة بسورية إلى برّ الأمان، وحصراً عبر الاحتكام للشعب السوري وحده، ووحده فقط، عبر صناديق الاقتراع ليحدّد مستقبله ومصيره، ويكون الشعب السوري وحده صاحب الحق الأول والأخير في تقرير مصيره عبر «دمشق 1» فقط.

وعلى كلّ الراغبين بحجز أماكنهم في النصر السوري وتحقيق مستقبل سورية المشرّف والثابت على نهج المقاومة وتحرير فلسطين والجولان ولواء اسكندرون وتثبيت سورية دولة حرة سيدة كما كانت عبر العصور، أن يدركوا أنّ تذاكر العبور إلى النصر والخلاص تباع في دمشق حصراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى