أسامة العرب

تتوهّم «أميركا – الأيباك» ومن ورائها «إسرائيل» بأنها نَجحت في خلق فزاعة الإرهاب التكفيري ضمن ما سمّته مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وذلك بواسطة فوضاها البنّاءة أو الخلّاقة، التي لا تخلق اللّهم إلا كيانات مجزّأة طائفياً ومذهبياً وإثنياً وعرقياً وشعوباً مفتتة ومتنابذة ومتصارعة، على أن يبقى الكيان الصهيوني متماسكاً وموحداً، وبالتالي سبيلاً لهيمنته لاحقاً على المنطقة برمّتها.

كما تتوهّم «إسرائيل» بأنها سيطرت نهائياً على الثروة النفطية العراقية الهائلة، وتحاول اليوم بسط سيطرتها كذلك على الثروة النفطية الليبية بواسطة تنظيماتها الإرهابية، لا سيما بعدما لم يعُد يُعرف حجم موارد هاتين الدولتين النفطية ولا مآلها. كما أنها تحاول أن تستغلّ أيضاً تداعيات مشروع التقسيم الصهيو ت أميركي لتهوّد الجولان المحتلّ والضّفة الغربية والقدس الشرقية، بما ينسجم مع شعار «يهودية الدولة» الذي يرفعه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، وتتزامن هذه الحملة كذلك مع مباشرة العدو لمخطط استيطاني جديد يتمّ بموجبه تشجيع وتكريس الاستيطان اليهودي بشكل نهائي في هضبة الجولان المحتلة في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة، بعدما بلغ عدد المستوطنين فيها 22 الف نسمة، أيّ ما يقارب عدد سكانها الأصليين المقيمين في مجدل شمس وبقعاتا وعين قنيا ومسعدة والغجر.

كلّ ذلك، وما يزال الرهان الأميركي على مشروع التفتيت والشرذمة والتقسيم مستمراً وناشطاً وفاعلاً على كافة أجندات لوبياتهم الصهيونية. إلا أنّ ما يثير الاشمئزاز حقيقةً أنّ كلّ هذا الغزو الصهيوني لبلادنا يتمّ تحت شعار مزيّف عنوانه نشر الحريات والديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي! وقد علّقنا على ذلك مراراً وتكراراً بقولنا: «إنّ هذا هراء». فكيف تُنشر الديمقراطية على يد أكبر ديكتاتورية في العالم؟ ألا يعلم الجميع بأن 0.2 فقط من الصهاينة الأميركيين يمتلكون ثروة 99.8 من الشعب الأميركي المغلوب على أمره؟ ألا يعلم الجميع أيضاً بأنّ أحداث 11 أيلول 2001 كان وراءها ارتباط هؤلاء مباشرةً مع تنظيم القاعدة؟ ولماذا لا تُحقّق أجهزتهم الأمنية مع مئات الموظفين الصهاينة الذين كانوا يعمَلون في برجي مركز التجارة الدولية في منهاتن، والذين لاذوا بالفرار قبل ساعات قليلة من وقوع تلك العمليات الإرهابية هنالك؟ ولماذا لا تتابع أجهزتهم القضائية التحقيق بملف محاكمة الجهة التي اغتالت رئيسهم السابق جون كينيدي بتاريخ 22 تشرين الثاني 1963 بعد أن ألقوا القبض على هارفي أوسوالد، والذي صرَح بأنه «كبش محرقة»، والذي تمّ اغتياله أيضاً بعد يومين من إلقاء القبض عليه على يد قاتل آخر يُدعى جاك روبي، تَبيّن لاحقاً أنّ اسمه الحقيقي هو جاكوب ليون روبنشتاين؟ ألم يكن السبب الحقيقي لاغتيال كينيدي إعطاءه تعليمات لإدارته بالتوجه الى الأمم المتحدة لاتخاذ قرارات حاسمة داعمة للقضية الفلسطينية ولمسألة عودة اللاجئين؟ ألم يؤدّ ذلك لاحقاً إلى اصطدامه مع رئيس حكومة العدو بن غوريون بتاريخ 15 حزيران 1963، ومن ثمّ تهديد الأول للأخير بحتمية الانصياع وإلا! وألم يؤدّ ذلك الى استقالة المهدَّد بن غوريون في اليوم التالي، والى اغتيال المهدِّد كينيدي بعد خمسة أشهر بالتحديد! فأيّ حُرية تُدرّس «أميركا – الأيباك»، أكبر راعية للإرهاب الدولي والعالمي؟ ولماذا لا تقوم تلك العوراء بنشر حُريتها المزيفة وديمقراطيتها الملعونة على حلفائها، أو أنّ للديمقراطية هنالك مفهوم خاص؟ ولماذا لا نجدها ناقمة الا على الشعوب التي اختارت خيار الممانعة والمقاومة والصمود والتحرير!

لقد بات واضحاً لنا أنّ الطاغية «أميركا – الأيباك» تتوهّم بأنها سيدة العالم، وتحاول جاهدةً أن تُهيمن على قرار السياسة الخارجية لكافة الدول التي لم تركع لمشروعها الصهيوني الحُلم «إقامة دولة إسرائيل الكبرى على أنقاض الدول المُجاورة المُقسّمة»، فأضحت حجّتها الغالبة: «أميركا-الصهيونية» أمرت أفلا تأتمرون؟ «أميركا – الصهيونية» حَكمت أفلا تركعون؟ «أميركا – الصهيونية» قَضت أفلا تسجدون؟

كفى ظلماً! إنّ إرهابكم لم يعد يخيفنا أبداً! فها هو محور المقاومة أثبت لكم مراراً وتكراراً وبعد مرور سنوات عديدة على حربكم الصهيو ت أميركية علينا بأنّ الشعب السوريّ الحرّ يأبى أن يكون في خدمة أهدافكم الاستعمارية، ولن يقبل بتاتاً بانحيازكم الأعمى للصهيونية لكي تهوّد أرضه وتقتِّل أبناءه وتسبي نساءه، وأثبتَ لكم أيضاً، كما يُثبتُ يومياً، بأنه يتمتع بروح الصمود والممانعة، وبالإيمان الراسخ الذي لا يُقهر، مُعتصماً بحبل العزة والكرامة والعنفوان، وبحصنه الحصين الذي لا يتزعزع، مُستمداً قوته هذه من حقه الوطني والقومي بالإمساك بقراره السيّد المستقلّ وبإصراره على صوغ حرب المستقبل لتحرير كلّ شبر من أرضه، سواء أكان ذلك من إرهابكم التكفيري أو ذاك الصهيوني، وهما سيّان بالنسبة لنا. وهو بذلك لم ولن يقبل بما تمليه عليه الويلات المتحدة الصهيونية، وسيستمرّ بدفاعه المعتاد عن قضيته المركزية فلسطين حتى يحرّرها مع الجولان السوري المحتلّ من الأنجاس الصهاينة.

فالنصر آتٍ لنا بالتأكيد، وهو قدر جميع الشعوب الحرة الأبيّة والصامدة ضدّ السياسات العدوانية التي تمارسونها لتدوسوا على حقوق شعوبنا بتحرير أرضها وبالإمساك بحرية قرارها الوطني. وها هي انتفاضة الجولان العربي السوري التي استشهد من أجلها عميد الأسرى العرب المقاوم الباسل سمير القنطار، انطلقت، وهي تسير على خطى المقاومة في لبنان والفصائل المقاومة في فلسطين، وستصبح بدون أدنى شك ملحمة شعبية تاريخية تهز أركان احتلالكم الصهيوني من أعماقه، لا سيما بعدما أعلن الشعب العربي السوري المنتفض رفضه لسياسات دعمكم لضمّ الجولان وأَسرَلَته وتجنيس أو بالأحرى تنجيس شعبه صهيونياً، متمسكاً بهويته العربية السورية وبانتمائه لوطنه الأم سورية. وعلى هذه الخطى، فإنّ سورية ستحافظ على وحدة ترابها الوطني واستقلالها وسيادتها، وستقاوم الإرهاب التكفيري وترفض مشروعيّ التقسيم والتبعية، وستحافظ كذلك على مؤسساتها الوطنية مُجتمعة.

كما أنّ موسكو مشكورةً استطاعت بعد دخولها على خط تحالف طهران – دمشق الاستراتيجي، أن تدفع قدماً بإطلاق حركة الحوار السياسي تمهيداً لإنهاء المخطط الصهيوني للحرب على سورية، بما سيقضي بدون أدنى شك على الإرهابيّين التكفيريين ويحافظ على وحدة كيان الدولة السورية الأبية.

إلا أنّ محاولات البعض منكم لوضع شروط مسبقة خلافاً لما نص عليه قرار مجلس الأمن 2254 وتفاهمات فيينّا 1 و2 بعدما خسرتم المعركة على الأرض، أو رهانكم على تحقيق مكاسب تفاوضية من خلال تقديمكم مزيداً من الدعم للتنظيمات الإرهابية لتحقيق أكبر قدر من العمليات الإجرامية على أرضنا، كالتي طاولت حيّ السيدة زينب المكتظ بالسكان، وأودت بحياة 45 شهيداً عشيّة انعقاد محادثات جنيف، فإنها بالتأكيد لن تجدي نفعاً ولن تحقق لكم شيئاً، فسنستمرّ بتحرير كافة المستضعفين المدنيين الذين حاصرتموهم في البلدات السورية، لا سيما بعد أن فككنا مؤخراً حصاركم الغَاشم عن بلدتي نُبُّل والزهراء، حتى أننا لن نعوّل لا على دي ميستورا ولا على مجموعة الدعم الدولية ولا على لقاءات ميونيخ ولا حتى على متابعة التفاوض في «جنيف 3»، بل إننا سنحسم الأمر كلّهُ في الميدان، وهذا ما يُخيفكم! وهذا ما يُرعبكم! وسنُعلن قريباً جداً للعالم أجمع نَصرنا الإلهي على مخططكم الصهيو ـ أميركي! كما أنّ خيارنا سيبقى دوماً مُمانعة وصموداً وتحدياً وتسلّحاً بالحق والكرامة، فالحياة الحُرَّة عوضاً عن حياة العبودية تستحق منا النضال والتضحية والتفاني من أجل انتزاع الحريات وممانعة أطواق وأغلال وسلاسل العبودية والذّل والهوان والخضوع والخنوع للارهاب الصهيو ـ أميركي، شاء من شاء وأبى من أبى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى