لحّام: المد التكفيري هو الخطر الأكبر على العالم العربي المشنوق: هل الآن توقيت صائب لمعركة الأحلام الصغيرة؟

أُطلقت مساء أول من أمس، وثيقة لقاء الربوة التاريخية، التي تضمّنت بحسب ما ورد فيها «خارطة طريق، هي بمثابة خطة إنقاذ لتفكّك خطير يلوح في الأفق، يهدّد بنية الدولة ومؤسساتها، ويحوِّل الحوار البنّاء إلى أفكار متطرّفة ومدمّرة في منطقة الشرق الأوسط، والتي وقّعها رؤساء الطوائف الإسلامية والمسيحية في 8 تشرين الثاني المنصرم، في حضور الأمين العام لمجمّع الأساقفة في الفاتيكان الكاردينال لورانزو بالديساري، وبمشاركة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام».

أُقيم الحفل في المركز العالمي لحوار الحضارات «لقاء» في الربوة، بدعوة من بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام، وبالتعاون مع الجمعية اللبنانية لتطوير الحوار «أومن»، بمشاركة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ووزير السياحة ميشال فرعون، والسفير الباباوي غبريال كاشيا.

وحضر الحفل وزير الدفاع سمير مقبل ممثّلاً الرئيس سلام، وممثّلون عن رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية وعن القوى الأمنية، وشخصيات رسمية وسياسية وحزبية ودينية وإعلامية.

افتتاحاً، النشيد الوطني عزفته موسيقى قوى الأمن الداخلي، وبعدها أعلن الأمين العام في البطريركية للعلاقات العامة والإعلام الأرشمندريت شربل الحكيم أهمّ ما ورد في وثيقة لقاء الربوة والتي تمحورت حول «لبنان نموذج للحوار الحضاري في كل مندرجاته وردّ على التطرف، وعلى ضرورة التنبّه إلى الفراغات الدستورية المتنامية التي قد تؤدّي إلى سقوط الدولة في ظل الأزمات الإقليمية». كما ثمّنت «جهود الكنائس الإقليمية والدبلوماسية الفاتيكانية للخروج من واقع الانهيارات المتنامي في الشرق الأوسط»، وأكّدت أنّ «التعاون بين المؤسسات الكنسية والإسلامية أساسي لمجابهة التيارات التكفيرية»، مشدّدةً على «أهمية العيش المشترك والتواصل السياسي العقلاني بمثابة خارطة طريق لوضع حدّ للعنف الهمجي في المنطقة».

كاتشا

قدّم الحفل الإعلامي وليد عبود، ثمّ ألقى الدكتور إيلي حليحل كلمة جمعية «أومن»، تلاه السفير البابوي في لبنان المونسنيور غبريال كاتشا، الذي أعرب عن سروره للمشاركة بكلمة في الاحتفال تلبية لدعوة البطريرك لحّام. واعتبر «أنّ مبادرات كهذه تعطي الأمل في ما يخصّ مستقبل هذه المنطقة لأنّها تثمِّن إرثاً يعود إلى زمن بعيد، وتشجِّع العمل معاً، الذي يبدو أكثر إلحاحاً اليوم من أجل غد مستقر ومنسجم».

المشنوق

وكانت كلمة للوزير المشنوق الذي أشار إلى أنّه وجد في وثيقة البيان الختامي للقاء الربوة الذي انعقد في العام 2014 تحت عنوان «العائلة وتحدّيات العصر في الشرق الأوسط» «سموّاً فكرياً يبحث عن حل لأزمات وجودية مدمِّرة لبنيان الدول، ويعرِّض تماسك البنية العائلية وسلامتها على غير مستوى».

وأضاف :»الوثيقة باختصار شخَّصت المشكلة ودعت الذي تسبّب بها إلى إيجاد سُبُل حلّها. وأخذت الوثيقة سُبُل «الدعوة الحسنة» لكل القوى الدولية التي شاركت وتشارك في دمار أُسُس الدول المرتبط جذرياً بتماسك العائلة، وينتظر أهل الوثيقة، ونحن معهم طبعاً، تجاوباً لم يحصل من هذه القوى وقد لا يحصل في المدى المنظور».

وتطرّق إلى موضوع الشراكة المسيحية الإسلامية في لبنان، متمنّياً «ألّا يبالغ المسيحيون في التعبير عن المظلومية، بما يجعل من موظف في وزارة عنواناً للوجود المسيحي في بلد أو في المنطقة»، كما تمنّى «ألّا يبالغ المسلمون في القفز فوق موجبات الحدّ الطبيعي الذي يٍُشعر المسيحيين بشراكة عادلة». وقال: «هذا اعتراف بطبيعة المشكلة الآن، من موقع الشريك المسؤول والمحب، عن سلامة الشراكة. ومن هذا الموقع أسأل، من باب الحرص وليس التهرّب، والمسؤولية الصادقة وليس التعمية والتهويل، هل الآن توقيت صائب لمعركة الأحلام الصغيرة ونحن نكاد نضيّع الدولة والكيان والوطن؟ أين تصرّف الحقوق الصغيرة وقواعد الشراكة إذا ما تحلّلت المؤسسات، وتهاوت بقايا السيادة، واندثرت أُسُس الدولة وطار الكيان؟ ألم يكن لدى المسيحيين ترسانة من الصلاحيات والمواقع حتى العام 1975؟ كيف حمت هذة الترسانة الموقع المسيحي في النظام السياسي اللبناني حين انهار كل شيء ولا سيّما السيادة الوطنية اللبنانية نتيجة تهاون إسلامي مسيحي بها، وتقديم كل شيء عليها؟ ما صحّ يومها يصح اليوم، إن أعدنا التجارب نفسها والعلاجات إيّاها. ألم يقل غبطة البطريرك لحام، إنّ على المسيحيين أن يكتشفوا دورهم بدل أن يخافوا على مستقبلهم وحقوقهم وواجباتهم وامتيازاتهم».

فرعون

ثم ألقى الوزير فرعون كلمة شدّد فيها على «أنّ العائلة اللبنانية بخير، والحوار بخير، والاتفاق السياسي الداخلي الخارجي لحماية استقرارنا الأمني بخير، والإيمان المسيحي بلبنان بخير، كما هو إرادة تطوير الشراكة الإسلامية – المسيحية في مختلف المجالات لنعطي النموذج الصالح للعالم، إلّا أنه لا تزال مخاطر تهدِّد نظامنا، ما يحتّم ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية، وتفعيل مؤسساتنا الدستورية، وتطبيق الدستور ومبادئنا الديمقراطية بما فيها المحاسبة».

لحاّم

وختاماً، ألقى البطريرك لحّام كلمة أطلق فيها صرخة انسجمت مع نداءات البابا فرنسيس في الفاتيكان، وقال: «الحوار الأساسي بين الله والبشر هو أنّ الله أكرم الإنسان بصورته الإلهية فخلقه على صورته ومثاله. والحوار الأساسي بين البشر في ما بينهم هو هذا الأصل الإلهي الواحد المشترك بينهم. هذه الحقيقة تجعل الإنسان يتخطّى فروقات الجنس واللون والدين والمعتقد والإثنية والقبلية والدولة والقارة، لكي يلتقي بأخيه الإنسان، ويعيش معه شراكة إنسانية حياتية كاملة».

أضاف: «هذا هو أيّها الأحباء مُنطلق فكرة تأسيس هذا المركز «لقاء». وقد سبق أن شاركت في تأسيس مركز أيضاً باسم «لقاء» في القدس، إلى جانب مؤسسة الصديق جريس خوري من كنيسة الروم الكاثوليك في الجليل. أذكره هنا مترحّماً على نفسه الطاهرة لأنّه توفّي منذ يومين. هذا هو الموضوع المحوري الذي يجمع بين مواد المؤتمرات الستة التي نقدّمها لكم في هذا المجلد الأول بهمّة الأرشمندريت الدكتور شربل حكيم، شاكرين له أنّه سخّر طاقاته الكثيرة في سبيل إخراج هذا المجلد».

ورأى أنّ «ما يميّز هذه المؤتمرات أنّها مؤتمرات عالمية بامتياز، وخصوصاً مؤتمرات لبنانية بامتياز، ومؤتمرات حوارية لقائية بامتياز. في الواقع كلّها مؤتمرات مواضيعها حوارية، تعالج اللقاء من خلال السياحة والمواقع الأثرية والتاريخية، ومن خلال المرأة والأسرة، ومن خلال الرحمة الإلهية والإنسانية، ومن خلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال مواضيعها والمحاضرين والمشاركين فيها، تجلّى الحوار واللقاء اللبناني بأبهى تجليّاته، وبودّي لو أمكن أن أستعرض وجوه الأحباء وجميع الشخصيات الدينية، المسيحية والإسلامية، والمدنية التي صورهم في هذا المجلد. وجود كل هذه الوجوه هو حوار ولقاء».

وحيّا « سلطان عُمان قابوس «الذي لولا مكرمته وكرمه لما قام هذا الصرح الحواري العالمي الذي هو حلم من أجمل وأهمّ أحلام حياتي. فله شكر الكنيسة، وشكري الخاص».

وقال: «أسهمت هذه المؤتمرات، ولا سيّما وثيقة «لقاء الربوة» التاريخية التي وقّع عليها جميع رؤساء الطوائف اللبنانية، في إرساء الأُسُس في الحوار المسيحي الإسلامي وفي العيش المشترك، وسلامة الأسرة اللبنانية، والتنوّع في لبنان والمواطنة والمساواة في الحقوق في منطقة الشرق الأوسط بأسرها. كما أنّها وضعت مبادئ ثابتة لمقاومة التطرّف التكفيري الذي يُثير الفتن والحروب، وينتشر بالعنف والإرهاب والتنكيل والدمار والإجرام. وقد أصاب عالمنا العربي الكثير الكثير منها، ولا سيّما في العراق وسورية وفي المغرب العربي، وفي فلسطين الجريحة. وقد تسبّب ويتسبّب ذلك في تسونامي نزيف هجرة جماعية وفردية ولا سيّما بين الشباب، ما يعرِّض المنطقة لإفراغها من تنوّعها الديني، ولا سيّما الطوائف المسيحية والفئات الإسلامية المنفتحة».

أضاف: «وهذا كلّه يشكّل خطراً على فرادة مجتمعنا العربي المتميّز بالتنوع والتواصل بين جميع الطوائف. والخطر الأكبر الذي يتربّص عالمنا العربي بمسلميه ومسيحييه، هو المدّ التكفيري الذي لا دين له، وأنا أعتبره مؤامرة على الإسلام، لا بل مؤامرة عالمية على كل دين وعلى كل قيمة إيمانية. مؤامرة على المسيحية والإسلام. وهو محاولة لتدمير كل إرادة في اللقاء والحوار والتواصل والانفتاح والتضامن وقبول الآخر والمواطنة والمساواة والشركة ،والعيش المشترك. كل هذا مهدّد بسبب هذا الكمّ التكفيري. هذا ما حاولت أن أعبِّر عنه في رسالتي البطريركية بعنوان: «رسالة بطريرك عربي مسيحي إلى أخوته المسلمين في العالم العربي».

وقال: «هذا هو هدف مركز لقاء. هذا ما دعت إليه المؤتمرات الستة. هذا هو مستقبل هذه المنطقة، ومستقبل لبنان بالذات. لبنان الرسالة، ولا يمكن أن يقوم لبنان برسالته من دون انتخاب رئيس له، ومن دون تضافر الجميع لأجل استقلاله والحفاظ على النموذج التوافقي الفريد الذي يقدّمه للعالم العربي».

وختم «بكلمة روحية ليترجية عن عيد اللقاء».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى