هجمة أخرى على المنهاج الفلسطيني في القدس؟

راسم عبيدات

منذ احتلال مدينة القدس عام 1967 يعاني النظام التعليمي في المدينة من التحديات والقيود والمشاكل نتيجة لسياسة دائرة المعارف «الإسرائيلية» و»بلدية القدس» وإجراءاتها التي تعمل على خنق العملية التعليمية ومنها عدم السماح ببناء المدارس، مما أدّى الى النقص الحادّ في الصفوف والذي يصل إلى ما يزيد على 1600 غرفة صفية باعتراف بلدية الاحتلال، و2247 غرفة صفية حسب التقرير الصادر عن جمعية «عير عميم» الإسرائيلية، إضافة إلى الظروف البيئية والبنية التحتية الصعبة التي تعاني منها المدارس في القدس.

الخطوة النوعية التي خطتها وزارة التربية والتعليم «الإسرائيلية» ممثلة بدائرة معارفها التي تشرف على التعليم الحكومي أكبر المظلات التعليمية في القدس، والمتمثلة بفرض المنهاج «الإسرائيلي» على خمسة من مدارس القدس الحكومية من بداية العام الدراسي 2012 -2013 ، هي مدرسة ابن خلدون في بيت حنينا ومدرسة البنات الإعدادية عبد الله بن الحسين سابقاً، ومدرسة ابن رشد الشاملة في صورباهر ومدرستي صورباهر الابتدائية بنين وصورباهر الابتدائية بنات، وبما يثبت ان الاحتلال يواصل معركته من أجل «الأسرلة» الكاملة للمنهاج الفلسطيني في مدينة القدس.

جهود شعبية ومؤسساتية بُذلت في هذا الجانب، للمواجهة والتصدّي لتطبيق المنهاج «الإسرائيلي» في القدس، ولكن لم تكن ضمن خطة ممنهجة او وفق استراتيجية كاملة للمواجهة، أو رسم خطط وبرامج وآليات تنفيذية، وبهت الفعل الشعبي والمؤسساتي، وغاب الفعل الرسمي وأثبت عجزه.

الآن صعّد الاحتلال وخطا خطوة «نوعية» أخرى، باتجاه محاولة فرض المنهاج «الإسرائيلي» كاملاً على مدارس القدس العربية، حيث كان تطبيقه في خمس مدارس بمثابة «بروفا»، يعمل على توسيعها في الأعوام الدراسية المقبلة، واليوم يجري افتتاح مدارس كاملة، وليس صفوفاً للطلبة الراغبين في تعلّم المنهاج الإسرائيلي «البجروت»، حيث من المقرّر افتتاح أكثر من مدرسة في بيت حنينا، بما فيها مدرسة مختلطة من الصف الأول وحتى الصف السادس الإبتدائي، مع بداية العام الدراسي الجديد، واستحداث شعب صفية تعلّم وفق المنهاج «الإسرائيلي» في عدد من المدارس الحكومية.

الاحتلال في تطبيقه للمنهاج «الإسرائيلي» على مدراس القدس، يراهن على ما أحدثه من حالة اختراق في المجتمع الفلسطيني المقدسي، ومن تراجع لدور الحركة الوطنية والمؤسسات والاتحادات الشعبية المقدسية، وكذلك حالة الضعف الفلسطيني العامة.

ودلالة ذلك انه مع تسلّم المتطرف نفتالي بينت من «البيت اليهودي» لوزارة التربية والتعليم «الإسرائيلية»، فإنه وضع نصب عينيه السيطرة على مجمل العملية التعليمية في مدينة القدس، بحيث يمنع المدارس الفلسطينية من التعليم وفق المنهاج الفلسطيني، وسيف الميزانيات والدعم وعدم إقامة أبنية مدرسية يجري استخدامها في إدارة معركة السيطرة على العملية التعليمية في القدس.

كشفت صحيفة «هارتس» الإسرائيلية في عددها الصادر يوم الجمعة 29/1/2016، عن خطة إسرائيلية تقوم على «أسرلة» التعليم في القدس، وهذه الخطة تقوم على أساس تشجيع المدارس في القدس الشرقية للانتقال الى المنهاج الإسرائيلي بزيادة ميزانيات خاصة، اما المؤسسات التعليمية والمدارس التي تختار الاستمرار في التعليم وفق المنهاج الفلسطيني فإنها ستحرم من هذه الميزانيات، علماً أنّ جزءاً من التمويل يأتي من الميزانيات المخصصة لجميع طلاب المنطقة.

وحسب صحيفة «هارتس» الإسرائيلية التي وصلتها الخطة فإنها تهدف إلى «دعم مؤسسات قائمة تقوم بتدريس المنهاج الإسرائيلي بشكل كامل أو المؤسسات التي فيها مساق للمنهاج الإسرائيلي، وتشجيع مؤسسات اخرى على إدخال المنهاج الإسرائيلي او المواد المختلف عليها»، وتحظى هذه الخطة، خطة «أسرلة» التعليم بدعم ورعاية الوزير المتطرف نفتالي.

والخطة هذه تقترح إضافة ساعات تعليمية للمدارس التي تنتقل الى تدريس المنهاج الإسرائيلي بشكل كامل أو جزئي، عدد الساعات التعليمية سيكون اكثر مما هو عليه في المدارس التي تعتمد المنهاج الفلسطيني، كما انها تقترح إطاراً تربوياً يشمل زيادة ساعات الاستشارة وساعات التقوية والموسيقى والفنون واستكمال تأهيل المعلمين الخ… اما المدارس التي لا تنتقل الى المنهاج الإسرائيلي فإنها لن تحصل على الزيادات في الميزانية.

وبسبب زيادة الطلاب الفلسطينيين في القدس، والذين يتلقون التعليم الإسرائيلي 1900 طالب اليوم، والمتوقع ان يصل الرقم الى 2200 طالب في العام الدراسي المقبل، فقد فتحت في الجامعة العبرية لأول مرة مساقات تحضيرية للطلبة العرب المتلقين للتعليم الإسرائيلي.

وهنا نرى أنّ «أسرلة» التعليم ليست خطة تربوية فقط، بل هي خطة سياسية، حيث القول إنّ طرح الانتقال من المنهاج الفلسطيني الى المنهاج الإسرائيلي هو مسألة اختيارية، ما هو غلا لذرّ الرماد في العيون، حيث انّ مدراء المدارس سيتهيّبون الدخول في صراع مع بلدية الاحتلال خوفاً على لقمة عيشهم ومراكزهم، إذا ما شجعوا الطلبة على تلقي تعليمهم وفق المنهاج الفلسطيني، وواضح أنّ الهدف من هذه الخطة، كما الحال في خطة الجنرال الأميركي «دايتون» الذي قام بتدريب اجهزة الأمن الفلسطينية من أجل إنتاج «الفلسطيني الجديد»، الفلسطيني المعزول عن واقعه وشعبه، كذلك هي خطة «أسرلة» التعليم، فهي تريد «طالباً فلسطينياً جديداً»، يتلقى تعليماً مخالفاً لإرادته ورغبته وللقوانين والإتفاقيات الدولية، وفي هذا الصدد تقول أشرات ميمون مديرة قسم تطوير السياسة في جمعية «عير عميم» الإسرائيلية، إنّ هذه الخطوة هي أحادية الجانب وتضرّ بالسكان الفلسطينيين، وفي الوقت الذي تهمل الحكومة التعليم في القدس وتقول إنه لا توجد ميزانيات لإقامة مدارس، تخصّص أموال طائلة من أجل «أسرلة» التعليم.

عملية المواجهة والتصدي لهذه الخطوة النوعية والخطيرة، يجب أن تجري بشكل منظم وممنهج وبتكامل وتوحد الجهد والفعل، في كلّ عملية مواجهة وتصدّ لمخططات «أسرلة» المنهاج والتعليم، تبذل جهود شعبية ومؤسساتية، ولكنها غير منسقة او موحدة الخطة والبرنامج، على الرغم من اهمية وخطورة هذا القضية، وهذه الجهود والفعاليات، اذا لم يجر توحيدها في بوتقة واحدة وبرأس قيادي موحد، فإنها ستخبو وتبهت الى ان تغيب بشكل كلي.

والمعركة هنا على المنهاج، هي جزء من معركة السيادة على المدينة التي يسعى الاحتلال الى تهويدها بالاستيطان وبمئات الإجراءات والممارسات القمعية والأنشطة والقرارات والقوانين التي يجري اتخاذها وسنّها وتطبيقها على المقدسيّين في إطار سياسة التطهير العرقي الممارسة بحقهم، وهو ايضا يسعى الى «أسرلة» سكانها عبر «كيّ» واحتلال وعيهم والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية.

انّ «أسرلة» المنهاج هي جزء من هذه العملية، ويريد الاحتلال من خلالها، أن يسلخ الحركة الطلابية عن واقعها وجسمها الوطني، وان يخرجها من دائرة الفعل الوطني والمقاوم، وان يتنكّر الطالب لهويته وقوميته وانتمائه الوطني، وسيشعر الطالب ويعيش حالة من الاغتراب والتناقض الداخلي، فهو مطلوب منه ان يتعلّم عن مدينته القدس ذات التاريخ العريق بأنها عاصمة دولة الاحتلال وليس مدينة فلسطينية وعربية واسلامية، والتسليم بأنّ مسرى الرسول محمد المسجد الأقصى هو جبل الهيكل، وجبال الضفة الغربية، هي «مملكتا يهودا والسامرة»، وانه لا وجود لنكبة فلسطينية ولا مسؤولية سياسية وأخلاقية للاحتلال عن تلك النكبة وطرده وتهجيره لشعبنا، بل سيتعلّم بدلاً من ذلك عما يُسمّى «استقلال» دولة الاحتلال، وعن الشخصيات اليهودية السياسية والتاريخية التي كانت لها بصمات واضحة في بناء دولة الإحتلال، مثل بن غوريون وبيغن وشامير، تلك الشخصيات التي لعبت دوراً فاعلاً وبارزاً في طرد وتهجير شعبنا، وارتكاب الجرائم والمجازر بحقه…!

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى