ما قبل الانهيار الكبير

ناصر قنديل

– تبدو صورة المشهد العسكري في سورية واضحة ومحط إجماع، فالمراقبون العسكريون الذين يعبّرون عادة عن مواقع مختلفة من أيّ حرب يعكسون في المراحل الرمادية من الحروب، بعيداً عن توقعاتهم، تطلعاتهم باسم تحليلات تلبس ثوب الموضوعية، ويقدّمون تصوّراً لما يكون للخطط الموضوعة وظيفة تحقيقه، وعلى المحللين تحقيق السبق بالتنبّؤ بحدوثه، وأداء مهمّتهم في الحرب النفسية بالتمهيد له، أما عندما يبدأ التوقّع نفسه باحتلال نصوص المحللين المنتمين إلى ضفاف الحرب المختلفة، فتكون الساعة الحاسمة قد أزفت ولحظة التحوّل الكبرى في الحرب صارت قيد الوقوع، ولا يعلم أحد موعد قدومها.

– في كلّ الحروب يحدث ذلك، وفي حرب تموز 2006، وهي الأحدث على ذاكرة المتابعين بين الحروب التي نعرفها عن قرب، بقي المحللون الإسرائيليون يتحدّثون عن توقعات مغايرة للمحلين المنتمين إلى محور المقاومة، حتى اليوم الرابع والعشرين من الحرب، يوم وقعت مجرزة الدبابات في وادي الحجير وما عاد ممكناً تسويق نظرية الحرب البرية، فبدأ الحديث يصير متشابهاً على ضفتي الحرب، لقد خرج حزب الله من الحرب منتصراً، ولا زالت آلة إطلاق الصورايخ ومنظومة القيادة والسيطرة قادرة على مواصلة الحرب، وفشلت إسرائيل في تحقيق أيّ من أهدافها، وخصوصاً في استرداد قدرة الردع، وصار وقف النار مطلبها بعد أن كان مطلب حزب الله.

– في الحرب السورية لم يكن تقاطع التحليلات قائماً بين الضفتين المتقابلتين مثلما هو اليوم، حيث يتحدّث الجميع عن قرب سقوط حلب بيد الجيش السوري، حتى لو تباينت التفسيرات، كما في حرب تموز، لسبب حدوث التحوّل، إلا أنّ الاعتراف بحدوثه يبدو مشتركاً، ومع توقع استرداد الجيش السوري لحلب قريباً فإنّ التوقع الذي يليه، انّ حلب معركة فاصلة في تحديد مصير الحرب كلها، وانّ ما سيجري في حلب هو نموذج ينتظر سائر مناطق القتال، لأنّ ما لا يمكن تفادي وقوعه في حلب لن يكون تفاديه ممكناً في غيرها، فهنا معركة تركيا اللاعب الإقليمي الأبرز ضدّ الدولة السورية والحليفين الروسي والإيراني، لأسبابها الخاصة، فوق أسباب تأتي من تموضعها في الحلف الذي قاد الحرب على سورية، وإن جعلتها الأسباب الخاصة في وضع يشبه حال السعودية، فإنّ ما لديها لتفعله يختلف جذرياً بحكم الجغرافيا، جغرافيا القدرات التركية، وجغرافيا التداخل التركي السوري، وعندما يدخل الجيش السوري إلى حلب، ستكون تركيا قد خرجت كلياً من سورية، ولو بقيت لها هوامش تكتيكية في شمال شرق سورية، وفي جنوب الأردن ليس تركيا، وفي القلمون ليس من أردن ولا تركيا.

– عندما تتراكم التحوّلات في الحروب لصالح فريق واحد، وتتراكم الهزائم على ضفة واحدة، وعندما يبدأ التذرّع بقوة تدخل حلفاء الخصم، وضعف تدخل ومعونة الحلفاء، وعندما يصير الحديث عن أسلحة نوعية، وأحياناً سلاح سرّي يستخدمه الخصم، تكون الساعة قد أزفت، والتحوّل الكبير قد صار وراء الباب، ويكون قدومه متوقعاً في أيّ لحظة، خصوصا عندما تحدث التحوّلات في الجبهات الكبرى بزمن قياسي لا يعادل قيمتها العسكرية قياساً بنسبة القوى المحتشدة قبالة بعضها، يأتي الانهيار كالطوفان والزلزال بلا موعد، إنه يحدث وفقط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى