اختبروا أوزانكم الشعبية بالنسبية في الانتخابات البلدية…

د. عصام نعمان

قرّر مجلس الوزراء تأمين الاعتمادات المالية واتخاذ التدابير اللازمة لإجراء الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية في دائرة جزين الجنوبية لملء مقعد واحد شاغر . الانتخابات البلدية ستجري إذا لم تعطّلها أحداث أمنية طارئة – خلال شهر أيار المقبل. هي أول انتخابات سيشهدها لبنان منذ العام 2009، وهي ستكشف واقع الاتجاهات التي تعتمل في الرأي العام، كما تتحدّد فيها الأوزان الشعبية لمختلف الأحزاب والتكتلات السياسية التي تحتلّ واجهة المشهد السياسي.

لماذا لم يعمد أركان الشبكة الحاكمة الى التمديد للمجالس البلدية مثلما مدّدوا للمجلس النيابي؟

لأن لا دور للمجالس البلدية في ممارسة السلطة السياسية التنفيذية، ولأنّ التمديد لها سيدين بالتأكيد الشبكة الحاكمة بجرم الاستبداد بالسلطة من خلال تمديد ولاية أصحابها، رؤساء ونواباً ووزراء، الى أبد الآبدين.

أما وانّ الانتخابات البلدية ستجري على الأرجح، فلماذا لا نغتنمها جميعاً فرصةً لاختبار نظام النسبية التمثيل النسبي المُراد ؟ اعتماده في الانتخابات النيابية المقبلة، كما لاختبار الأوزان الشعبية لأركان النظام والدائرين في فلكهم، وكذلك لأطراف الخط الوطني الديمقراطي التقدّمي المستقلّ عن تكتليّ 8 و 14 آذار اللذين يمسكان بناصية البلد؟

إنّ اعتماد النسبية في الانتخابات البلدية سيكون عبارة عن استطلاع رأي بعيّنة كبيرة ذات صدقيّة ويُعطي المعنيين جميعاً، مسؤولين ومواطنين، فكرةً واضحة عن التأييد أو التنديد اللذين يحملهما لهم أبناء الشعب، كما يشكّل اختباراً عملياً لنظام النسبية عند وضعه موضع التنفيذ.

انّ قادة التكتلات السياسية الكبرى أحوج من غيرهم لمعرفة حقيقة أوضاعهم الشعبية. ذلك انّ احداثاً وتحدّيات وتجارب متعدّدة ومهمة جرت منذ آخر انتخابات في العام 2009، وتركت آثاراً فارقة في اتجاهات الناخبين، وبالتالي في خياراتهم. ليس أدلّ على ذلك من استطلاع أجراه مدير «مركز بيروت للأبحاث» عبدو سعد صحيفة «الاخبار» 2016/2/2 واستطلاع آخر أجرته شركة «ايبسوس» صحيفة «النهار» 2016/2/3 .

يُستنتج من هذين الاستطلاعين كما من غيرهما الواقعات الآتية:

ـ بات من المرجّح ان يخوض «التيار الوطني الحر» ميشال عون وحزب القوات اللبنانية سمير جعجع الانتخابات النيابية المقبلة متحالفين، وهو تطوّر سيقلب التحالفات السياسية رأساً على عقب.

ـ إنّ غياب قانون انتخابي عادل لن يمكّن الثنائية المسيحية المستجدّة تحالف عون وجعجع من الفوز بأكثر من 35 مقعداً، منها 27 مقعداً يفوز بها المسيحيون بقوّتهم الذاتية، ويفوزون بالمقاعد الأخرى نتيجةَ التعاون مع قوى وطنية وإسلامية حليفة.

ـ يبدو حزب المستقبل سعد الحريري وتجمّع «لبنان أولاً» الذي يقوده مهدَّداً بخسارة تصل الى 17 مقعداً من مجموع عدد نواب كتلته النيابية الائتلافية التي تضمّ حالياً 39 نائباً.

ـ حصل التحالف بين عون وجعجع على تأييد ثلثيّ عيّنة «ايبسوس» 1062 مواطناً من غالبية المسيحيين 85 في المئة وعارضه ثلث السنّة و 28 في المئة من الدروز.

ـ إن غالبية العيّنة لا ترى نهاية لـِ تكتليّ 8 و 14 إذار رغم قيام التحالف بين عون وجعجع.

إذ يتضح انّ حزب المستقبل سعد الحريري وحلفاءه سيكونون أكبر الخاسرين إذا ما جرى اعتماد قانون الانتخابات للعام 1960 الذي جرت بموجبه انتخابات العام 2009، فإنّ الاستنتاج المنطقي المستمدّ من هذه الواقعة المرجَّحَة هي نشوء مصلحة واضحة لحزب المستقبل في اعتماد نظام النسبية لأنه يمكّنه، في الأقلّ، من الإفادة من قوّته الذاتية بين الناخبين السنّة وتفادي خسارتهم تحت وطأة التحالف المستجدّ بين عون وجعجع من جهة وأرجحية تحالف حزب الله معهما في الانتخابات المقبلة من جهة أخرى.

الى ذلك، فإنّ حزب الكتائب سيكون الخاسر الثاني، بعد حزب المستقبل، جرّاء قيام تحالف عون وجعجع، إذ من المرجّح ان يخسر مقعد رئيسه سامي الجميّل في دائرة المتن الشمالي، ومقعد نائبه سامر سعاده في دائرة طرابلس، ومقعد حليفه نديم الجميّل في دائرة الأشرفية، ومقعد نائبه ايلي ماروني في دائرة زحلة، كما من المرجّح ان يخسر أيضاً مقعد نائبه فادي الهبر في دائرة عاليه، الأمر الذي ينهي التمثيل النيابي لحزب الكتائب في البرلمان إذا ما جرى اعتماد قانون الانتخابات للعام 1960 مرة أخرى.

كلّ هذه الواقعات والشواهد اللافتة من شأنها ان تحمل حزب المستقبل كما حزب الكتائب على إعادة النظر بموقفهما السلبي من مطلب غالبية اللبنانيين، وهو اعتماد التمثيل النسبي في الانتخابات المقبلة، وستدفعهما أيضاً، كما غيرهما من الأحزاب والتكتلات السياسية، الى القبول بمطلب اعتماد النسبية في الانتخابات البلدية المقبلة كونها تمكّن الجميع من اختبار أوزانهم الشعبية بعد كلّ ما طرأ على المشهد السياسي من تطورات وتقلّبات، فضلاً عن إعطاء الجميع فكرة عمّا سيكون عليه وضعهم السياسي والانتخابي إذا ما جرى اعتماد النسبية في الانتخابات النيابية.

هل يتعقّل ويتجاوب المسؤولون الذين تعوّدوا تغليب الأغراض والمصالح الضيّقة على المنطق الوطني والصالح العام؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى