الصناديق الخشبية.. مُعَدّة

نظام مارديني

تفاعل الحدث السوري يضيف يوماً بعد يوم عناصر جديدة للمشهد. لكن بعض العناصر والاصطفافات أصبحت واضحة، ولا يؤثر فيها عدم الوضوح قدر ما يؤثر فيها اختيار الإرادة. تجربة صمود الجيش السوري خلال الأعوام الخمسة الماضية أفرزت جبهات محددة، أو أكثر تحديداً، منها ما كشفه تقرير موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، عن أن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، حمّل معارضة الرياض وحدها مسؤولية فشل مفاوضات «جنيف»، ما يؤكد ذلك ليس ما يقوله الداعمون للدولة السورية، بل لأن الاعتراف هذه المرة يأتي من رأس الدبلوماسية الأميركية تحديداً.

صحيح أن الضغوط الأميركية هي التي أجبرت وفد معارضة الرياض في الخارج على إعلان الموافقة – بعد غنج ودلال – على المشاركة في مؤتمر جنيف 3، فإن الأكيد أن التطورات الميدانية للجيش السوري التي سبقت وواكبت انعقاد جنيف 3 كانت سبب الجنون الذي أصاب العقل السعودي كما أصاب العقل التركي، ودفعهما إلى السيناريو الأكثر غباءً وتوريطاً لهما من الإدارة الأميركية، من خلال إطلاق حديث عن استعداد لإرسال قوات برية سعودية بتأييد بعض الدول العربية والخليجية إلى سورية بحجة محاربة «داعش» في الإعلام، غير أنها في الحقيقة لدعم الإرهابيين الذين يواجهون هزيمة ساحقة، وهم في أسوأ مراحلهم منذ بداية العدوان على سورية قبل خمس سنوات تقريباً… والسيناريو السعودي يلتقي مع ما كشفته وزارة الدفاع الروسية عن استعداد تركي لاجتياح الأراضي السورية، وهو ما يقترب من العديد من السيناريوهات التي رسمت كمسلمات مطلقة ساهمت كل من الرياض وأنقرة في رسمها لمستقبل سورية مقسَّمة على أسس طائفية وعرقية.

الصخب الإعلامي لإرسال قوات أجنبية إلى الأراضي السورية سرعان ما ردّ عليها معلم الدبلوماسية السورية وليد المعلم في مؤتمره الصحافي بالقول: «إن أي تدخل بري في الأراضي السورية دون موافقة الحكومة هو عدوان.. والعدوان يستوجب مقاومته التي تصبح واجباً على كل مواطن سوري ونؤكد أن أي معتدٍ سيعود بصناديق خشبية إلى بلاده». في حين سخرت طهران من عرض العضلات السعودي قائلة بلسان قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري إن «السعودية لا تملك الشجاعة لإرسال قوات برية إلى سورية». وإن «ذلك سيكون انتحاراً».

إشاعة هذا الغبار الذي يثيره التعثر السعودي التركي في سورية كانت مثلى للإمعان في سياسات التخريب والتحريض وانتهاك حقوق السوريين وحشد الكتابات المتطرفة التي تحاول إحداث شروخ مؤثرة في المجتمع السوري.

وإذا كانت أنقرة متحمّسة لخيار القوات البرية منذ بدأ الروس حملتهم الجوية ومحاولتهم إخراج تركيا من المعادلة، لكن في ما يتعلق بالسعودية، فقد أعربت الباحثة في «تشاثام هاوس» في لندن جين كينينمونت، عن اعتقادها أن «الرياض أكثر اهتماماً بحرب اليمن من مكافحة تنظيم داعش »، مضيفة أن «ما قد ترونَه هو أعداد صغيرة من القوات البرية، وربما أيضاً من قوات خاصة من شأنها أن تكون هناك جزئياً كإشارة رمزية بأن السعودية تدعم قتال داعش».

نحتاج خطوة جريئة وصدمة منعشة تنبّه وتضع خطاطة حلول واقعية وملزمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى