السيّد ونور العين: ثوابت التحالف

سوسن صفا

لم تنضج ظروف الاستحقاق الرئاسي بعد. هذا ما يمكن فهمه من كلام السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير وما يمكن أن نفهمه أيضاً من الدوائر القريبة من حزب الله. وإذا كان الالتزام الأخلاقي والسياسي والاستراتيجي له الأولوية في دعم السيد للجنرال، فلا شيء يوحي بأنّ احتمال وصول سليمان فرنجية إلى الرئاسة قد أُلغي من الحسابات المحلية والإقليمية، لعلّ الحركة الناشطة بعيداً عن الأضواء بين بيروت ودمشق وطهران وباريس تبقي الاحتمالات كلّها مفتوحة في حال حصول تطورات في هذا الاتجاه أو ذاك.

لا يزال زعيم الشمال ركناً استراتيجياً. هذا ما يُقال في دوائر محور المقاومة التي لم تعتبر فرنجية يوماً حليفاً طارئاً، وإنما هو من صلب هذا المحور. وإذا كان البعض سعى إلى تسريب شكوك صوب دمشق ومحاولة الوقيعة بين الرئيس بشار الأسد وصديقه الشخصي وحليفه ابن زغرتا، فإنّ ما هو قائم بين الرجلين يبقى الأقوى، ولعلّ هذا ما فُهم من خلال بعض زوار الأسد مؤخراً.

ليست المسألة في مَن هو الأفضل لمحور المقاومة. فلا مفاضلة بين رجلين بقيا وفيين طيلة السنوات العجاف، ورفضا كلّ الإغراءات. لكنّ الأسئلة التي طُرحت هي حول أهداف الذي رشّح أو سرَّب ترشيحات. فهل تريد دولة كالسعودية أو أميركا أو فرنسا مثلاً حين تدعم عبر الرئيس سعد الحريري هذا المرشح أو ذاك، مصلحة أحدهما وإنقاذ الرئاسة، أم أنّ لها أهدافاً استراتيجية أبعد ضدّ حلف المقاومة ودمشق. هذا ما أثار أسئلة وتطلب توضيحاً شفافاً من قبل السيد نصرالله. أما غير ذلك من كلّ ما قيل فلا يُعبِّر مطلقاً عن وجهة نظر حزب الله.

أقفل خطاب سيد المقاومة ومرشدها، الطريق على كلّ الفوضى التي صبغت التحليلات السياسية وأوضح موقف حزب الله من المعطيات القائمة والطروحات المستجدّة والأهم أنه وضع حداً لمُخيلة البعض الخصبة التي ذهبت إلى حدّ تخوين سليمان فرنجية الحليف الثابت ونور العين.

حين يصف السيد نصرلله حليفه فرنجية بنور العين، فهذا وصف لم يعهدْه أحد من قبل، ولعله في بعض جوانبه يوازي أو ربما يفوق وصف العلاقة الاستراتيجية بين الحزب والتيار الوطني. فميشال عون استحق لقب الحليف الشريف وسليمان بك يستحق لقب نور العين أي الشريك الشريف. فوجئ كثيرون بهذا الوصف، لا بل إنّ أحد القياديين المقربين من السيد قال ممازحاً: «لقد شعرنا بالغيرة، فالسيد لم يقل لأحد منا نور عيني».

ولمن أراد الاصطياد في الماء العكر ليعكر صفو محور يحقق تقدماً كبيراً على الأرض السورية وعلى مستوى التحولات الدولية بعد توقيع الاتفاق النووي وانخراط الروس في المعركة العسكرية، قال السيد، لمن يريد أن يسمع، إنّ المقاومة كانت على علم بكلّ تفاصيل اللقاء الذي جمع الحريري بسليمان فرنجية في باريس، وإن كان الطرح مفاجئاً للجميع.

صحيح أنّ قائد المقاومة انتقد آلية وطريقة التعاطي من الجانبين، حيث تمّ التعامل معها بنوع من الخفة أو عدم تقدير أبعاد الأمور، إلا أنّ دوائر حزب الله تؤكد أنّ الحزب لم يسرب أي معلومة تتعلق بهذا اللقاء، علماً أنّ الأمر لم يكن يعلم به سوى السيد نصر الله نفسه ومجلس الشورى لا أكثر ولا أقل.

النقطة الثانية والأهم تكمن في أنّ السيد حين يؤكد التزام حزب الله الأخلاقي والسياسي بترشيح عون، ويقول إنه لن يتدخل للضغط للانسحاب انطلاقاً من طبيعة تعاطيه مع حلفائه، فهذا يعني لمن يريد أن يسمع ويفهم أنّ الباب لم يُقفل أمام ترشيح فرنجية. هناك مرشحان إذاً: الأول هو الجنرال عون والثاني يبقى سليمان فرنجية في حال تنازل عون أو حصل طارئ مفاجئ. نقطة على السطر.

وضع السيد نصر الله معادلة واضحة وهي أنّ الرئيس العتيد لن يكون سوى من قلب 8 آذار وأنّ زمن الرئيس الوسطي قد ولى، وأنّ ما حصل من خلط أوراق يصبُّ في مصلحة محور المقاومة بالدرجة الأولى. أما مشهدية معراب فمرحَّب بها ذلك أنّ السيد يبارك أي تقارب وإنّ التفاهم بين المسيحيين محمود ولا داعي للتدخل فيه وإنّ الثقة بعون كبيرة. فكيف إذا كان التفاهم يؤكد أنّ «إسرائيل» عدوة وإنّ باقي النقاط موجودة أصلاً في البيان الوزاري؟ نقطتان على السطر.

كلّ هذا جيد لكن ماذا بعد؟

هل يتنازل الجنرال عون لمصلحة فرنجية أم أنّ هذا الأمر يبقى في إطار المستحيلات، وأنّ اتفاق معراب أقفل الطريق نهائياً أمام ابن زغرتا؟

وماذا عن جلسة 8 شباط؟ هل تحمل مفاجآت غير متوقعة ويتأمن النصاب بلا حزب الله؟ فالمعلومات تقول مثلاً إنّ النائب وليد جنبلاط سعى منذ فترة إلى التفاهم مع عون على التعيينات والمال وغيره في حال أصبح رئيساً. ربما فعل الشيء نفسه مع فرنجية. صحيح أنّ ابن زغرتا بعيد جغرافياً وشعبياً عن المختارة ولا يحمل تهديد الوجود الوازن لتيار عون والقوات في الجبل، لكنّ جنبلاط بارع في الاستعداد لجميع الاحتمالات والتكيُّف معها… فهل يقوم بمفاجأة مثلاً في الجلسة لو عقدت؟

لا شك في أننا أمام مشهدية قابلة لكلّ الاحتمالات، لكنّ الأساس يبقى على الجبهة السورية. ثلاث نقاط على السطر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى