العودة إلى الميدان… بانتظار خليفة أوباما؟

د. عصام نعمان

علّق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا محادثات مؤتمر جنيف3- إلى 25 الشهر الحالي. كان بإمكانه أن يعلن التعليق قبل ذلك بأسبوع، إذ كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد خاطب، بعد اجتماعه إلى وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو، المعارضينَ من أعضاء «وفد الرياض» في جنيف قائلاً: «يمكنكم المغادرة في أيّ وقت إذا لم تنفَّذ مطالبكم». أبرز المطالب، بل الشروط، أن «تبدأ المفاوضات بصيغة مؤتمر جنيف-1 التي سيكون لها سلطة كاملة بعيدة عن بشار الأسد ودستور جديد وسوريا جديدة لا يكون لبشار الأسد دور يلعبه».

ما كان في وسع بشار الجعفري، رئيس الوفد السوري، الموافقة على شروط كهذه. وما كان بإمكان دي ميستورا أن يفاتحه بذلك. قيل إن وفد الرياض تريّث في استجابة طلب الجبير بالمغادرة تفادياً لاتهام المعارضين السوريين بأنهم يتقصّدون إجهاض المفاوضات قبل أن تبدأ.

المغادرة، وبالتالي الإجهاض، لم يتأخرا طويلاً. فما إن تأكّد لتركيا أن الجيش السوري وحلفاءه تمكّنوا من فكّ الحصار عن بلدتي نُبُّل والزهراء وقطعوا، أو كادوا، خط إمداد التنظيمات الإرهابية من تركيا حتى أعلنت الرياض استعدادها للمشاركة في عملية برية في سوريا، إذا ما قرر التحالف الدولي بقيادة واشنطن القيام بهذا الأمر.

الواقع أن الرياض كانت لوّحت، عشية بدء محادثات «جنيف-3، بأرجحية فشلها. ألم يصرح عادل الجبير أن على بشار الأسد، خلال المفاوضات، أن يتنحّى بعملية سياسية أو أن يُكرَه على ذلك بعملية عسكرية؟

المسؤولون الأتراك كانوا دائماً في مناخ التشكيك في محادثات جنيف، بل هم أسهموا في ترجيح فشلها. ألم يقذف الجيش التركي بقنابل مدافعه الشمال السوري منطقة جرابلس قبل أن يصرِّح رجب طيب أردوغان خلال زيارته للبيرو أن «لا طائل من محادثات جنيف بينما تواصل القوات السورية وروسيا هجماتها … ما جدوى محادثات السلام هذه»؟

موسكو توجّست دائماً من مواقف أنقرة. الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال ايغور كوناشينكوف أعلن: «لدينا أسباب جدّية للاشتباه في أن تركيا في مرحلة إعداد مكثّفة لعملية عسكرية في سوريا … وإذا كان هناك في أنقرة من يعتقد أن منع تحليق طائرة استطلاع روسية سيسمح بإخفاء أي شيء، فهو يفتقد المهنية».

هل يؤدي إعلان الرياض عن استعدادها للمشاركة في عملية بريّة داخل سوريا، كما تصرفات تركيا العسكرية في الشمال السوري، إلى دخول قوات سعودية وتركية معمعة الحرب في سوريا وعليها؟

الجواب جاء من موسكو وواشنطن في وقت واحد تقريباً. موسكو تساءلت بتهكّم: وهل دمّرت السعودية جميع أعدائها في اليمن ليكون في مقدورها إرسال جيشها إلى سوريا؟ وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف صرّح، بعد محادثة تلفونية مع نظيره الأميركي جون كيري: «أسفنا لتعليق المحادثات في جنيف واتفقنا على بذل الجهود اللازمة لتكون فترة تعليقها أقصر ما يمكن». كيري أيّد ما قاله لافروف ضمناً مؤكداً على الحاجة لمناقشة «كيفية تنفيذ وقف إطلاق النار وكيفية إيصال المساعدات الإنسانية للطرفين».

هل تعي كلٌ من الرياض وأنقرة الاتفاق الضمني القائم بين موسكو وواشنطن على احتواء الحرب، بل الحروب، الناشطة في سوريا؟ وماذا تراهما فاعلتين، منفردتين أو مجتمعتين؟

قد يكون أردوغان أدرك أخيراً أن مقاربته للحدث السوري أخفقت، وان عليه معالجة تداعياتها بعدما انعكست سلباً على الداخل التركي. فقد تزايدت عمليات حزب العمال الكردستاني في ديار بكر بجنوب شرق البلاد، كما توسع نشاط «وحدات حماية الشعب الكردي» المتحالفة ضمناً مع الجيش السوري في شمال شرق سوريا الحسكة وفي شمالها الغربي منطقة عفرين الأمر الذي عزز مخاوف أنقرة من احتمال مدّ سيطرة «الكانتون» الكردي السوري على كامل منطقة الحدود السورية – الكردية من الشرق إلى الغرب. كما تزايدت العمليات الإرهابية في أنقرة واسطنبول سواء من طرف «داعش» أو غيره من التنظيمات المعادية لحكومة أردوغان. كل ذلك ربما يستدعي مواجهتها داخل سوريا لتفادي توسعها داخل تركيا نفسها.

لعل الرياض أدركت أيضاً إخفاق مقاربتها للحدث السوري وأن عليها معالجة تداعياتها، خصوصاً بعد اتضاح اتفاق واشنطن وموسكو على اعتبار الإرهاب، متمثلاً بـ «داعش» «وجبهة النصرة»، هو الهدف الرئيس الجدير بالمواجهة، وأن ذلك يستدعي إرجاء، إن لم يكن إسقاط، مطالبتها بتنحية الرئيس بشار الأسد. غير أن النجاحات السريعة التي حققها الجيش السوري في شمال البلاد وجنوبها قد تستوجب، في تقدير الرياض، تحركاً جدّياً لاحتوائها قبل أن تتطور على نحوٍ يُلحق هزيمة ميدانية وبالتالي سياسية بالمعارضة السورية المتحالفة مع السعودية وتركيا.

في ضوء هذه الواقعات والاعتبارات، فإن من المرجح أن يتمثل رد الرياض وأنقرة على التطورات الميدانية الأخيرة في سورية بتنسيق متطلبات سياسة مشتركة قوامها العودة إلى ميدان الحرب داخل سوريا بتعزيز التنظيمات المقاتلة المتحالفة معهما بالمال والرجال والسلاح والعتاد لمنع الجيش السوري من متابعة انتصاراته من جهة وإطالة أمد الحرب، من جهة أخرى، إلى حين الفراغ من الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. ذلك أن لدى المسؤولين في العاصمتين السعودية والتركية قناعة بأن الانتخابات الأميركية ستحمل الجمهوريين، رئيساً وكونغرساً، إلى سدة الحكم والتأثير ما يؤدي، تالياً، إلى تغيير سياسة واشنطن حيال ما جرى ويجري في سوريا.

الرهان، اذاً، على إطالة أمد الحرب في سوريا بانتظار من سيكون خليفة باراك أوباما وحزبه في البيت الأبيض وتحت قبة الكابيتول.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى